
مشاركة:
يمكن الاستماع إلى المسؤولين في تيار المستقبل يتحدثون عن الأيدي السورية النظيفة من اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مغدقين على الرئيس السوري بشار الأسد المديح، من دون استذكار رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون،
حين كان يُهاجَم ويُخوَّن ويُهان لمطالبته بعدم التسرع في اتهام سوريا وانتظار نتائج التحقيق.
في السياسة، ربح ميشال عون تلك المعركة (العلاقات الجيدة بين لبنان وسوريا وعدم الدخول في محاولات إسقاط النظام السوري). لكن لا وزراؤه ولا نواب تكتله ولا حزبه ولا إعلامه كانوا على مستوى هذا الربح لناحية التسويق وإقناع المواطنين بصوابية خيارهم الذي كان سيوفر على اللبنانيين 4 سنوات من عدم الاستقرار.
اليوم يستعد ميشال عون لمعركة جديدة، عنوانها عدم إدخال المحكمة الدولية في صراعات لا علاقة لها بالحقيقة ولا بالعدالة (أثار الجنرال في مؤتمره الصحافي أول من أمس ثلاث نقاط يفترض أن يبني عليها مستقبلاً: 1ـــــ عدم شرعية القرارات التي اتخذتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأخيرة. 2ـــــ إسرائيل لن تشنّ حرباً ما لم تجد تعاوناً داخلياً، والمعطيات الراهنة ليست جيدة. 3ـــــ التخوف على قضاء المحكمة الدولية من رأيهم المسبق الذي يعدّ حزب الله إرهابياً قبل محاكمته). ويبدو أن عون استخرج من المعركة السابقة بعض الدروس، فيعد نفسه جيداً هذه المرة.
عملياً، لا يفترض أن تنتهي حركة عون الميدانية في زحلة التي يقصدها اليوم بعد زيارتين سريعتين لكسروان، الأسبوع الماضي. ويفترض أن تكثف هذه الزيارات، فمنزل الصهر البتروني الوزير جبران باسيل ينتظر زيارة عون الذي له في تنورين منزل أيضاً. وأثبتت الانتخابات أن للعونيين في الكورة ما يستحق تخصيصهم بزيارة. إضافة إلى الأشرفية التي تحتاج إلى بعض العناية الجنرالية الخاصة إثر تحسن موازين القوى فيها، بحسب انتخابات المخاتير لمصلحة العونيين.
والمهم في هذه الزيارات أنها تأتي بعون إلى ناشطين بعضهم الذي يجتهد عبثاً للذهاب إلى عون منذ أكثر من 3 سنوات. وتفتح الأبواب المغلقة، سامحة للناشطين بطرح أسئلة يخشى بعض المحيطين بالجنرال سماعها. فضلاً عن سماح الزيارات المماثلة لعون بإيصال أفكاره بوضوح أكبر إلى رأي عام غير مقتنع مئة في المئة. مع العلم بأن كثيرين ممّن كانوا غير معجبين بعون غيّروا رأيهم حين دخلوا صالون منزله، ورأوا الوجه الآخر غير المرتبك من الكاميرا والمستفز من الصحافيين، قبل أن يتكلموا. ويفترض أن يستفيد عون من خبرته العسكرية في هذه الزيارات ليكتشف ميدانياً «الضابط الجيّد من الضابط العاطل» (يفترض بعض العونيين أنهم عسكر في حالة عون الشعبية، لا حزبيون في حزب التيار الوطني الحر).
ولتكون الإفادة متبادلة، ينتظر أن يطرح بعض الناشطين هواجسهم بوضوح، فيتأكد عون من أن ما ينقل إليه بالتواتر عن قلق شعبي على مستقبل الحالة العونية والتساؤلات عن الإدارة المالية وخلفية التعيينات إنما هو أسئلة جدية يهجس بها كل من يرى أن التيار الوطني الحر ملجأه.
في النتيجة، يقول أحد المقربين من الجنرال إن الأخير يراهن على تحقيق 4 إنجازات عبر هذه الزيارات: أولها، تنشيط التيار واكتشافه عن قرب لنقاط الضعف والقوة التي يتمتع بها هذا التيار في كل منطقة ومحاولة تحديد الحجم الحقيقي للتيار في هذه المناطق. ثانيها، تحفيز العونيين على العمل أكثر، وإشعار الناشطين بأنه معهم، معني بمشاكلهم ومستعد للمبادرة. ثالثها، مخاطبة أكبر عدد ممكن من المواطنين tete a tete وإقناعهم بطروحاته السياسية. ورابعها، وصل ما انقطع بين الرابية وبعض السياسيين في بعض المناطق. ولعل لقاء الغد بين عون وشباب زحلة سيبرز المسعى العوني بوضوح، إذ وجه التيار دعوات إلى شباب من مختلف التيارات السياسية إضافة إلى جميع شباب التيّار، ما سيسمح بقيام حوار مفتوح واضح وصريح بين عون وهؤلاء، يعبّر كل من الطرفين خلاله عن وجهة نظره كاملة.
في موازاة الحركة الميدانية لعون، تتكثف وتيرة انعقاد الاجتماعات التنظيمية بين الجنرال والمكلفين إعادة تنظيم التيار، يشدد الجنرال خلالها على ضرورة الإسراع في العمل، من دون الوقوع مجدداً في أخطاء التجربة السابقة. وعلمت «الأخبار» أن لجان الأقضية الجديدة ستعلن قبل نهاية شهر أيلول، بغض النظر عن الأوضاع السياسية في البلد. فالمنظمون الحاليون يعملون بمعزل عن كل التطورات السياسية المحيطة بالتيّار. ووفق المعلومات، يفترض بلجان الأقضية أن تتعاون مع اللجنة المنظمة لتعيين لجان مناطق في كل القرى والبلدات والمدن خلال أقل من ثلاثة أشهر. يذكر هنا أن العمل لاستيعاب جميع الناشطين واختيار من كان الأكفأ في إدارة ماكينة التيار في المناطق هما إيجابيتان، لكن هناك في المقابل، سلبيات عدة. إذ يواجه المنظمون صعوبة في بعض الأقضية والقرى تتمثل بعدم وجود العدد الكافي من الناشطين القادرين على إدارة العمل الحزبي بالطريقة المنتظرة. فضلاً عن أن مبدأ التعيين يعني مراوحة التيّار في مكانه السلبي لناحية العمل الحزبي الديموقراطي.
وهو أمر سيكون له بالطبع انعكاساته السلبية، فكائناً من كان المعينون لن يرضوا كل الحزبيين، وستخرج أصوات معترضة تعيد توتير الأوضاع الداخلية في التيار، إضافة إلى امتعاض بعض الناشطين من مبدأ التعيين عموماً. وضمن السلبيات التنظيمية، هناك قضية الطلاب؛ ففيما يمثّل هؤلاء العمود الفقري لخصوم التيار، وخصوصاً القوات اللبنانية، لم يعر المكلفون إعادة تنظيم الحزب العوني هذا القطاع الاهتمام الضروري حتى الآن، وما زالت القوات تلعب وحيدة في هذا الملعب.
هذا حزبياً. أما وزارياً، فيرتاح التيار إلى أن أداء وزرائه يعزز صدقيته أمام الرأي العام. وإشادة الرابية كبيرة بالوزير شربل نحاس الذي وفر رقابة جدية على كل ما يطرح في مجلس الوزراء، مدققاً في التفاصيل، مناقشاً ورافضاً توقيع أية تسويات. ويروي أحد النواب في هذا السياق أن بعض المطارنة الموارنة الذين كانوا يتذمرون من تسمية نحاس باعتباره يسارياً، يتصلون اليوم طالبين لقاءه بعدما وجدوا فيه الشخص القادر على مناقشة الحريرية الاقتصادية ووضع حدود لها. فيما يفترض بوزير السياحة فادي عبود أن يتعظ قليلاً من أداء زميله جبران باسيل ليشرح للمواطنين بهدوء ووضوح (ينقص باسيل الاختصار) ما يقوم به في وزارته.
أما نيابياً، فعدم اتعاظ عون بتجربة الدورة النيابية السابقة ما زال يؤثر سلباً على أداء تكتل التغيير والإصلاح النيابي الذي يتكامل مع الأداء الوزاري في تعزيز صدقية الجنرال أمام الرأي العام، أو عدمها. إذ إن بعض النواب لا يفعلون شيئاً إلا المشاركة أسبوعياً في اجتماعات التكتل، فيما يحمل نواب آخرون «عشر بطيخات في يد واحدة».
رغم ذلك، هناك مجموعة إيجابيات تحققت على صعيد العمل النيابي تُسهم في تعزيز الالتفاف الشعبي حول التيار الوطني الحر، أبرزها:
ـــــ التزام النواب بتفقد «الإيمايل» قبل التصريح، فتبدو مواقفهم السياسية منسجمة مع التقرير اليومي الذي ترسله لهم أمانة سر تكتل التغيير والإصلاح، راسمة فيه مقاربة واضحة للمواضيع المتداولة، محددة الحدين الأدنى والأعلى اللذين يفترض بالنائب أو الوزير أن يتحدث ضمنهما (كتلة المستقبل «تفكِّس» تقريراً مماثلاً على نوابها).
ـــــ نجح النواب بالتنسيق مع وزراء التكتل عبر تعزيز علاقاتهم الشخصية مع بعض الوزراء في أن يوفروا عدداً كبيراً من المشاريع الإنمائية التي عجز نواب المستقبل الذين يمثّلون أكثرية في المجلس النيابي عن توفيرها لمناطقهم. فنواب بعبدا وفروا تمويلاً بالتعاون مع مؤسسات دولية لإطلاق مستشفى بعبدا الحكومي، ونواب المتن يشرفون على ورشة كبيرة تشمل طرقات ومحطات مياه وإعادة تأهيل مناطق صناعية وبناء سدود وغيرها الكثير.
وعلى الصعيد الخدماتي، يفترض بكل مجلس بلدي في لبنان أن يسجل لنواب تكتل التغيير والإصلاح نجاح مسعاهم لتوفير الأموال للبلديات لتحصل على 300 مليار هذا الشهر و500 مليار الشهر المقبل، مع العلم بأن تكتل التغيير والإصلاح أرسل هدية إلى رؤساء المجالس البلدية الجدد، تضع كل مجلس بلدي في أجواء الرقم المالي الذي يفترض أن يحول إلى صندوق البلدية قريباً. يشار هنا إلى أن التكتل لم يوفّر دعاية إعلامية تشرح بالتفصيل الدور العوني في توفير هذه الأموال والمحاولات الحريرية للتهرب من دفعها لأصحابها. كذلك، إن العمل المؤسساتي الذي ادعى التكتل إثر انتخابات 2009 أنه سيلتزم به، لم يتحقق.
في اجتماع تكتل التغيير والإصلاح يوم الثلاثاء الماضي، استمع الجنرال بانتباه إلى وجهات نظر النواب بشأن المحكمة الدولية، واهتم بالاستفسار عن بعض التفاصيل لينتهي إلى التنبيه من «المؤامرة»، متمنياً على النواب اختيار كلماتهم بدقة وتجنب التعليق إلا عند الضرورة لأن حزب الله نفسه يترك الكلام في هذه القضية إلى الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله. وفي رأي أحد النواب العونيين، فإن عون اليوم مستنفر لبناء شبكة أمان للاستقرار، محملاً نفسه مسؤولية منع استهداف فئة من اللبنانيين، وهذا يتطلب استنهاض التيار ليكون بالحماسة نفسها التي كان عليها عشية حرب تموز وخلالها، إقناع بعض رجال الدين المسيحيين، وخصوصاً الرهبان بخلفيات الموقف العوني، وتعزيز ثقة العدد الأكبر من المواطنين المعنيين بخيارات عون السياسية.