الأسد والحريري وقصة الإفلات من فخ أشكنازي

مشاركة:

رغم أن زيارة رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري لدمشق في 18 يوليو / تموز لم تكن الأولى من نوعها

 إلا أن توقيتها يحمل دلالات بالغة الأهمية ومن شأنه أن يوجه ضربة موجعة لإسرائيل .

فمعروف أن تل أبيب كانت حاولت في الأيام الأخيرة وبالتزامن مع الذكرى الرابعة لحرب تموز إثارة التوتر مجددا بين فريقي 8 و14 آذار من ناحية وبين لبنان وسوريا من ناحية أخرى عبر تصريحات رئيس أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي جابي أشكنازي التي أشار خلالها إلى صدامات متوقعة في لبنان على خلفية القرار المرتقب من المحكمة الدولية حول اغتيال رفيق الحريري .

وبالنظر إلى أن أشكنازي كان يقصد احتمال اتهام عناصر من حزب الله بالتورط في الجريمة ، فقد توقع البعض أن يؤثر ذلك على الاستقرار الحاصل في لبنان حاليا ، كما من شأنه أن يعرقل التقارب المتزايد في علاقات سوريا ولبنان ، إلا أن سعد الحريري كان له رأي آخر خاصة بعد توالي سقوط شبكات التجسس التابعة للموساد في لبنان وتأكد الجميع أن إسرائيل هي من تعبث بأمن هذا البلد العربي .

بل واللافت للانتباه أن الحريري رد على مزاعم أشكنازي عمليا عبر قيامه بزيارة تعتبر الرابعة من نوعها لدمشق منذ توليه منصبه في ديسمبر/كانون الأول 2009 ، هذا بالإضافة إلى قيامه خلال الزيارة بالتوقيع وهو نظيره السوري محمد ناجي عطري على 17 اتفاقية لتعزيز التعاون بين البلدين وخاصة في مجالات البيئة والصحة ومكافحة المخدرات وتبادل المحكومين والزراعة .

وأمام حقيقة أن هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها التوقيع على هذا العدد الكبير من الاتفاقيات ، فقد نظر كثيرون للزيارة على أنها تؤسس لعلاقات مستقبلية مميزة بين البلدين ، بالإضافة إلى أنها محطة مهمة في إزالة الشوائب التي اعترضت تطوير علاقات البلدين خلال السنوات الماضية ، وبل تنهي تماما أجواء التوتر التي سادت بينهما عقب اغتيال رئيس الحكومة اللبنانية الأسبق رفيق الحريري وما تبعه من اتهام البعض في لبنان لدمشق بالتورط بالجريمة .

ويبقى الأمر الأهم وهو أن سعد الحريري قام بأربع زيارات لدمشق بدأها في ديسمبر/ كانون الأول 2009 بعد وقت قصير من تسلمه رئاسة الوزراء قبل أن يتوجه إليها مرتين أخريين في مايو/ أيار 2010 قبل توجهه إلى واشنطن ولدى عودته منها وأخيرا زيارة 18 يوليو .

 

الزيارات السابقة وتحديدا الأخيرة منها ما كانت لتحدث لولا تأكد سعد الحريري من براءة سوريا من جريمة اغتيال والده ، ولعل هذا ما ظهر أيضا في تصريحات وزير الخارجية السوري وليد المعلم على هامش الجلسة الافتتاحية لهيئة المتابعة والتنسيق السورية اللبنانية التي ترأسها رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري ونظيره اللبناني سعد الحريري .

فقد أكد المعلم أن بلاده ستحاكم أي سوري يثبت تورطه بالدليل القاطع في اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري بتهمة الخيانة العظمى ، وأضاف في تصريحات للصحفيين " بدون شك لو كان الموضوع لكشف الحقيقة فكلنا نسعى لكشف الحقيقة ، أما إذا كان الموضوع مسيس ويستهدف هذا الحزب أو ذاك في لبنان أو في سوريا أو في أي مكان فهذا يعني تسييس المحكمة الدولية حول اغتيال رفيق الحريري والابتعاد عن كشف الحقيقة".

وفي رده على سؤال بشأن المزاعم الإسرائيلية حول احتمال اتهام حزب الله بالتورط باغتيال رفيق الحريري ، قال المعلم : "حتى لا نستبق الأمور، قد تكون إسرائيل تعلم ماذا سيكون القرار، لكن نحن في سوريا نعتقد أن موضوع المحكمة شأن لبناني ، لكنها إذا طالت سوريا بطريقة أو بأخرى، فإن أي مواطن يثبت تورطه بالدليل القاطع سيحاكم في سوريا بتهمة الخيانة العظمى".

وفيما يتعلق بإمكانية قيام الرئيس السوري بشار الأسد بزيارة بيروت في الوقت الذي شهدت فيه دمشق زيارات متعددة للرئيس اللبناني ميشيل سليمان ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري ، قال المعلم مازحا :" اللبنانيون كسالى .. لا يدعوننا ، نحن جاهزون"، لافتا إلى أن زيارة الرئيس الأسد إلى لبنان ستتم قريبا.

وأضاف أن الزيارات الرئاسية يكون لديها جدول أعمال وهدف تحققه وعندما يتحقق ذلك فبدون شك ستتم ، قائلا :" الأسد وعد بزيارة لبنان الشقيق ونأمل أن تتوفر الظروف الملائمة لتكون تلك الزيارة من الزيارات التاريخية الناجحة".

وخاطب المعلم الصحفيين قائلا : "أرجو ألا تحصوا عدد الزيارات ، من الآن وصاعدا ستكون أعداد الزيارات مضخمة لأن الزيارات ستكون مكثفة، نحن ولبنان الشقيق نرسم قاعدة صلبة لعلاقات مستقبلية مميزة تخدم مصالح الشعبين وهذا يقتضي تبادل الزيارات بين المسؤوليين بشكل مكثف.

وبشأن قضية ترسيم الحدود بين البلدين ، أوضح وزير الخارجية السوري أن الموضوع ليس موضوع ترسيم حدود على الخرائط أو على الأرض بل يجب أن ينظر إلى ترسيم الحدود في إطاره الاجتماعي ، قائلا :" في الإطار الاجتماعي هناك عائلات لبنانية موجودة على الأراضي السورية وهي لبنانية وهناك عائلات سورية موجودة على الأراضي اللبنانية وهي سورية، وبالتالي يجب أن ينظر إلى عدم معاناة المواطنين خلال ترسيم الحدود".

وأضاف أن موضوع ترسيم الحدود ليس عالقا وأن البلدين متفاهمان وقد شكلت لجان من لبنان وسوريا للبدء في البناء على ما تم في السابق في تلك المسألة ، مشيرا إلى أن هذا الموضوع يحتاج إلى رؤية اجتماعية تنصف العائلات اللبنانية الموجودة في سوريا والعائلات السورية الموجودة في لبنان.

وبالنظر إلى أنه كان من المتوقع أن يتم خلال زيارة الحريري توقيع معاهدة أمنية جديدة بين البلدين ، إلا أن ذلك لم يحدث بسبب غياب وزير الدفاع اللبناني الياس المر عن الوفد الزائر لدمشق بحجة السفر للخارج ، فقد نفى المعلم ما تردد حول استبعاد المر من الوفد المرافق لرئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري لأنه لا يوجد اتفاق بين الدولتين على اتفاقية الأمن والدفاع الجديدة ، قائلا :" إن هناك معاهدة وقعت في العام 1991 تشمل تلك الاتفاقية ، هناك مذكرة تفاهم في مجال الدفاع، نحن لا نتدخل في تشكيل الوفد اللبناني وهذا قرار سيادي يعود للبنان وحده ونحن نرحب بقرارات لبنان، عندما يحين الوقت المناسب ويتم التفاهم سيتم تبادل زيارات وزيري الدفاع في البلدين لتوقيع تلك المذكرة ".

واختتم وزير الخارجية السوري تصريحاته قائلا :" إن تعديل معاهدة الأخوة والتنسيق والتعاون الموقعة في أوائل تسعينيات القرن الماضي غير وارد قطعا "، وذلك في إشارة إلى الاتفاقية الموقعة في الوقت الذي كانت دمشق تمارس نفوذها على لبنان مما أدى إلى انتقادات كثيرة لتلك المعاهدة من قبل الأطراف السياسية اللبنانية المناهضة لسوريا.

التصريحات السابقة تؤكد أن التحسن في علاقات البلدين الذي بدأ منذ عام 2008 بعد موافقتهما على إقامة علاقات دبلوماسية بينهما للمرة الأولى وفتح سفارات يسير بخطى ثابتة نحو الأفضل ورغم أنه مازالت هناك ملفات عالقة بين البلدين تتعلق بترسيم الحدود والمفقودين والأمن والدفاع إلا أنهما اتفقا على تشكيل لجان مشتركة لحسمها في القريب العاجل .

والخلاصة أن الخصومة التي استمرت 5 سنوات في علاقات البلدين على خلفية اغتيال رفيق الحريري باتت شيئا من الماضي ، وهذا ما أكدته زيارة سعد الحريري الأخيرة لدمشق والتي أجهضت مبكرا المؤامرة الإسرائيلية الجديدة ضد البلدين والتي كانت تركز على القرار المرتقب من المحكمة الدولية حول اغتيال الحريري .