
مشاركة:
وأخيراً جاء الملك إلى الشام. زيارة يعوّل عليها لبنان للخروج من المأزق الذي يتخبّط فيه
وترى فيها دمشق والرياض فرصة للتقارب العربي
ــ العربي، وصولاً إلى بلورة رؤية موحّدة تجاه التحدّيات التي تواجهها المنطقة.
للمرّة الأولى منذ تولّيه العرش، وصل الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز بعد ظهر أمس إلى مطار دمشق الدولي، حيث كان الرئيس السوري في انتظاره، لينتقلا معاً إلى قصر الشعب، حيث عقدت جلسة مباحثات موسعة حضرها أعضاء الوفدين الرسميين تلتها محادثات ثنائية.
وستلي هذه المحادثات لقاءات أخرى غداً، من المتوقّع أن تصدر عقبها مواقف إيجابية عن الطرفين. وفيما يجهد الجانب السعودي لتضمين تلك المواقف إشارةً إلى الملف اللبناني، لا يبدي الجانب السوري الحماسة نفسها للأمر، ولم تحسم المسألة حتى الآن. وفي المقابل، يبدي الملك عبد الله اهتماماً بأداء دور في مصالحة سوريّة ــ مصريّة تعيد المياه إلى مجاريها بين البلدين.
وأبدت المصادر السورية ارتياحها للزيارة التي جرت كما هو مخطّط لها، شكلاً ومضموناً. وتوقّفت المصادر عند السيناريوات التي حفلت بها الصحف ووسائل الإعلام خلال الأيام الماضية، والتي تعمّدت المبالغة لتصوير الزيارة بأنّها معجزة أو خشبة خلاص لسوريا تستحقّ الطبل والزمر وخرق البروتوكولات المخصّصة لاستقبال الضيوف في سوريا.
ولفتت المصادر إلى أنّ الزيارة جرت بصورة طبيعية وعادية كما يحدث بين أي بلدين شقيقين. ورغم ذلك، خصّ الرئيس بشار الأسد ضيفه بلفتة خاصة، هي استقبال ضيفه على أرض المطار. ومن المعلوم أن البروتوكول السوري مشابه للبروتوكول الفرنسي، حيث لا يستقبل الرئيس ضيوفه على أرض المطار، بل على مدخل القصر الرئاسي.
ولفتت المصادر إلى إحجام الجانب السوري عن نقل وقائع وصول الملك مباشرة على الهواء، رغم وجود كل الاستعدادات التي تسمح بذلك. وقد ردّ البعض السبب إلى طلب سعودي نظراً لوضع الملك الصحي وعمره أيضاً، وخوفاً من حصول أي حادث معه على الهواء مباشرة، فيما قال البعض الآخر إن الجانب السوري لم يرغب في إظهار نفسه بمظهر المبالغ في الاحتفاء بالزيارة، على الرغم من أهميتها.
وبحسب وكالة الأنباء السورية «سانا»، فقد تناولت المحادثات بين الجانبين السوري والسعودي «علاقات الأخوة والروابط التاريخية التي تجمع سوريا والمملكة وسبل توطيد التعاون بينهما في جميع المجالات».
وأضافت أن الأسد وعبد الله أكدا «حرصهما على دفع هذه العلاقات قدماً من خلال البناء على ما أُنجز خلال الفترة الماضية وإزالة جميع العوائق التي تعرقل مسيرة تطور هذه العلاقات وفتح آفاق جديدة للتعاون تخدم الشعبين ومصالح البلدين المشتركة وتُسهم في مواجهة التحديات التي تعترض سبيل العرب جميعاً في بلدان عربية عدة، وخصوصاً في فلسطين المحتلة والقدس».
وأشارت الوكالة السورية إلى أن الجانبين «دعوَا إلى ضرورة تضافر جميع الجهود العربية والإسلامية والدولية لرفع الحصار اللاإنساني المفروض على الفلسطينيين ووقف الاستيطان في الأراضي المحتلة ووضع حد لتمادي قوات الاحتلال الإسرائيلي المستمر على حقوق الشعب الفلسطيني والمقدسات الإسلامية، التي كان آخرها محاولة اقتحام المسجد الأقصى». وشدّدا على ضرورة «اتخاذ الخطوات التي تصون الحقوق العربية المشروعة وتلاحق ما يرتكب بحقها من إجرام يخرق كل المواثيق والأعراف الدولية».
وشدد الجانبان على أهمية «تطوير العلاقات العربية العربية ومتابعة الجهود المبذولة في سبيل تعزيز العمل العربي المشترك خدمة لمصالح الأمة العربية وقضاياها المحقة، وخصوصاً أن جميع دول العالم تسعى إلى تكتلات إقليمية تعطي لموقعها وزناً على الساحة الدولية، بينما لا يزال العرب يعانون من فرقة وانقسام في المواقف، الأمر الذي يضعفهم جميعاً».
وأكد الأسد وعبد الله «حرصهما على استمرار التنسيق والتشاور بين البلدين على جميع المستويات في القضايا والملفات التي تهم الشعبين الشقيقين، ولا سيما أن ارتقاء العلاقات السورية السعودية سينعكس إيجاباً على مختلف القضايا التي تهمّ العرب جميعاً».
وكان قد جرى في بداية اللقاء تبادل الأوسمة الوطنية بين الرئيس السوري والملك السعودي، ثم توقيع اتفاقية منع الازدواج الضريبي بين وزارتَي المال في البلدين.
بدورها، أعلنت المستشارة الإعلامية والسياسية للرئيس السوري، بثينة شعبان، أن مباحثات الأسد وعبد الله «إيجابية وبنّاءة وودية». وأضافت، في تصريح صحافي، أن «العلاقات السورية السعودية تسير في تطوّر ممتاز، وهناك نية قوية لخلق فضاء وجو عربي يحاول أن يستفيد من الطاقات العربية لرفع كلمة العرب على الساحة الإقليمية والدولية».
وأضافت شعبان أن هذا التنسيق «يضاف إلى التنسيق الذي تقوم به سوريا مع الصديقتين تركيا وإيران لخلق فضاء إقليمي عربي إسلامي يستطيع أن يواجه التحديات الكبيرة التي تعترض الأمتين العربية والإسلامية». وأوضحت أن «المباحثات الموسعة شملت الوضع العربي الراهن الذي هو بحاجة إلى التضامن العربي ليقف في وجه التحديات وما يتعرض له المسجد الأقصى ومدينة القدس والفلسطينيون من اعتداءات إسرائيلية». وأشارت إلى أن «الملك السعودي أكد أن العلاقات السورية السعودية لها تاريخ عريق وطويل ومتميز من التعاون والتنسيق».
من جهته، وصف وزير الإعلام السعودي، عبد العزيز خوجة، العلاقات السعودية السورية بالتاريخية والمتميزة جداً، لافتاً إلى أنها «ستشهد تطوراً كبيراً في المستقبل القريب». وقال إن «مباحثات الملك عبد الله بن عبد العزيز مع الرئيس الأسد ستحل العديد من مشاكل المنطقة، لأن نتائج لقاء الأخوة دائماً مفيدة وطيبة».
وفي ردود الفعل العربية، رأى الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، عبد الرحمن بن حمد العطية أن زيارة الملك السعودي إلى سوريا ستفتح آفاقاً جديدة للعمل العربي. وقال، في تصريح لوكالة الأنباء السعودية، إن الزيارة «تكتسي أهمية إضافية وتعبّر عن حرص مشترك لدعم العلاقات الثنائية بين البلدين اللذين يؤديان دوراً مهماً لدعم القضايا العربية والإسلامية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية».
■ آمال لبنانية على نتائج القمة
ومع أن القمة في دمشق، وطرفاها السعودية وسوريا، فإنها كانت البند الأول في مواقف سياسيّي لبنان وزوارهم من المسؤولين الأجانب والدبلوماسيين الغربيين، مع بروز تباينات في تقويم مدى تأثير هذه القمة على تأليف الحكومة، بل قبل ذلك، في تقدير الحجم الحقيقي لملف لبنان وموقعه في مباحثات عبد الله ـــــ الأسد: هل هو أساسي أم ثانوي.
أبرز المواقف جاء من ساحة النجمة، وتحديداً من مُطلق معادلة الـ«س.س» رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي أكد أهمية القمة «والنتائج التي ستترتب عنها». ونقل عنه النواب الذين التقاهم في إطار لقاء الأربعاء النيابي، قوله إن «الملف اللبناني في هذه القمة هو ملف أساسي وليس ثانوياً»، لكن «البحث لن يدخل في التفاصيل». ورأى أنّ «على اللبنانيين أن يستفيدوا من هذه القمة ومن الأجواء الإيجابية»، مردفاً بالقول «ليس هناك من موانع لتأليف الحكومة إذا ما تمت الإفادة من هذه الأجواء».
وذكر النائب حكمت ديب أن بري «استغرب تسريبات بعض الصحف عن أن الموضوع اللبناني على جدول أعمال هذه القمة هو ثانوي، فهو يرى أنه موضوع أساسي، وأكيد لن يتطرق البحث إلى الأسماء والحقائب، لكنّ التأثير إيجابي». وأضاف ديب مؤكداً أن «الجو إيجابي والتفاهمات ستستمر ويبقى تركيب البازل العام، كما قال العماد عون، لأننا لسنا وحدنا من يؤلف الحكومة».
وفي كليمنصو، أمل الرئيس سليم الحص، بعد زيارته النائب وليد جنبلاط، «أن يُستغَل لقاء القمة في دمشق لإنجاز العملية الحكومية في لبنان، مع أننا لا نؤمن بأن القرار خارج لبنان». لكنه استدرك بالقول: «عندما نقول إن القمة السعودية ـــــ السورية، يجب أن تؤدي إلى قيام حكومة، فذلك يعني أن القرار ليس عندنا، لكن نتمنى أن تقوم الحكومة بأسرع وقت». أما جنبلاط، فدعا إلى الاستفادة «إلى الحد الأقصى من اللقاء التاريخي» بين عبد الله والأسد.
لكن مجلس قيادة الحزب التقدمي الاشتراكي لم يتطرق إلى تأثير القمة على لبنان، مكتفياً بالترحيب بـ«الزيارة التاريخية» التي يقوم بها الملك السعودي لسوريا «لما تحمل من معانٍ تكرّس أجواء المصالحة العربية العربية، وتشجع على تعزيز المصالح القومية في هذه المرحلة الدقيقة التي يظهر فيها المجتمع الدولي وقواه العظمى عاجزين عن ممارسة الضغط على حكومة العدو الإسرائيلي للتوقف، ولو مؤقتاً عن سياسة الاستيطان التي إن استمرت على هذا النحو فسوف تدمر كل الفرص لقيام الدولة الفلسطينية».
ورداً على سؤال عن انعكاس القمة على وضع لبنان، قال النائب ميشال عون: «المشاكل التي نعاني منها داخلياً لا علاقة لها بقمة دمشق. المواضيع الداخلية التي تتعلق بإدارتنا وطريقة حكمنا ليست هماً سورياً ولا سعودياً». فيما تمنى عضو كتلته النائب نعمة الله أبي نصر أن تحقق القمة «تقارباً بالوصول إلى حكومة ائتلاف وطني، فالمهم الوصول إلى حكومة يرضى عنها الزعماء السياسيون في لبنان».
وقال: «لقد ثبت أنه بعد الطائف أدّت سوريا دور الحكم في الخلافات اللبنانية، وبعد الانسحاب السوري من لبنان انكشفت الساحة الداخلية وظهر عجز السياسيين عن إدارة شؤونهم، وهو أمر مؤسف».
ومع قوله إن اللقاء السعودي ـــــ السوري «يؤسس لقواعد ثابتة في العلاقات العربية ـــــ العربية»، أمل النائب نواف الموسوي، بعد زيارته وزير الداخلية والبلديات زياد بارود، أن يُقرأ هذا اللقاء «جيداً في لبنان، وأن يكون له انعكاس إيجابي، بحيث يضع سداً أمام التدخلات الأميركية الصريحة والهامسة التي تزيد الأمور في لبنان تعقيداً».
وأعرب الوزير السابق عبد الرحيم مراد، في حديث إذاعي، عن تفاؤله بزيارة عبد الله لدمشق ولقائه الأسد، ورأى أن ذلك «يصبّ في المصلحة العربية ـــــ العربية، رغم كل الإشارات الأميركية الرافضة لهذا اللقاء والممتعضة من أي تقارب عربي»، إضافة إلى أنه يساعد اللبنانيين على تسهيل تأليف الحكومة.
■ الحكومة تُطبَخ في لبنان
أما رئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية، سمير جعجع، فجزم بأن «طبخ الحكومة اللبنانية يجري في لبنان، ولها طباخان، هما رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلّف»، معلقاً على «ما يحصل في سوريا»، بالقول: «مهما كان الأمر، فهي خطوة إيجابية، وقد تكون خطوة إيجابية جداً إلى الأمام، وقد تكون إيجابية، لكن ليس إلى الحد الذي نظنه.
لكن في كل الأحوال إنها خطوة إيجابية وكبيرة. وأغلب الظن ستكون لها انعكاسات إيجابية على الداخل اللبناني، لكن يبقى أن تأليف الحكومة اللبنانية يحصل هنا في الداخل».
كذلك، رأى النائب عمار حوري «أن القمة السعودية ـــــ السورية لن تؤلّف الحكومة اللبنانية، لكن ستساعد على إشاعة مناخ إيجابي إقليمي يساعدنا على التقاط أكثر من فرصة في هذا الاتجاه».
وتناولت الأمانة العامة لقوى 14 آذار موضوع القمة من زاوية زيارة الملك السعودي لدمشق، التي قالت إنها «تجري في سياق الجهد السعودي المبذول منذ شهور لتوحيد الصف العربي وإعادة تكريس العمل العربي المشترك واستعادة سوريا إلى الاستراتيجية العربية المتمثلة في مبادرة السلام العربية».
وحصرت استفادة لبنان من هذه الزيارة بـ«أن لبنان كان على الدوام ذا مصلحة في التضامن العربي»، لذلك أملت أن تفتح الزيارة «الأفق مجدداً أمام مواجهة عربية موحدة للتحديات التي تحيط بقضية العرب المركزية فلسطين، وأمام استواء العلاقات العربية ـــــ العربية على مبادئ الأخوّة والتضامن والمصالح المشتركة».
وبعد تلاوته بيان الأمانة العامة، قال النائب السابق فارس سعيد إن تصوير قمة دمشق «على قاعدة أنها محصورة بالشأن الداخلي أو بالأزمة السياسية الداخلية اللبنانية، هو تبسيط لهذه القمة التي تهدف، بقيادة المملكة العربية السعودية، إلى إرساء دبلوماسية عربية جديدة لتوحيد القراءة السياسية ومحاولة مد اليد لسوريا لتكون جزءاً من هذه النظرة العربية والقراءة العربية الشاملة لدخول العالم العربي في المبادرة العربية للسلام، وبالتالي يصبح موضوع تأليف الحكومة في لبنان نتيجة هذا التفاهم الكبير مع سوريا، وليس محصوراً بهذا التفاهم».
ولم تغب قمة دمشق عن مواقف الدبلوماسيين وزوار لبنان، إذ قال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، مايكل وليامز، بعد زيارته وزير الخارجية والمغتربين فوزي صلوخ، إنه أعرب خلال اللقاء عن أمل قوي «بأن تسمح أجواء الحوار السائدة حالياً بتأليف حكومة وحدة وطنية في أسرع وقت، وفي هذا الإطار توافقت مع الوزير صلوخ على أهمية زيارة العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز لسوريا».
وحتى مدير العلاقات الخارجية في المفوضية الأوروبية هوغ مينغاريللي، الذي يزور لبنان للمشاركة في حلقة حوار تنظمها المفوضية عن تطبيق سياسة الجوار الأوروبية في لبنان، قال إنه تبلغ من المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم أمس «أن زيارة الملك عبد الله لسوريا أمر جيد للبنان».
انعطافات ما بعد اغتيال الحريري
تتوّج زيارة الملك السعودي عبد الله إلى دمشق التحسّن في العلاقات السورية ـــــ السعودية، التي بدأت أولى ملامح انفراجها في قمة الكويت الاقتصادية.
وكانت العلاقات بين الطرفين في عهد الرئيس السوري الحالي بشار الأسد قد شهدت فصولاً من التوتر، وصلت إلى أوجها عقب اغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، وخصوصاً بعد الزيارة السريعة للأسد إلى الرياض، والتي تسرّبت أنباء حينها بأنها شهدت تلاسناً بينه وبين الملك السعودي.
وساهم العدوان الإسرائيلي على لبنان والموقف السعودي منه في دفع العلاقات إلى المزيد من الانهيار؛ خرج وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، ليصف قيام حزب الله بـ«اختطاف الجنديين الإسرائيليين» بأنه «مغامرة غير محسوبة» ولينتقد الدول العربية التي تعطي أولوية لعلاقاتها مع دول من خارج العالم العربي على حساب العلاقات بين الدول الأعضاء في الجامعة العربية، في إشارة إلى العلاقة التي تربط سوريا بإيران.
أما الرد المباشر عليه فقد جاء من الأسد، الذي تحدّث بعد الحرب عن «أنصاف المواقف وأنصاف الرجال» في إشارة إلى مواقف بعض الدول العربية من الحرب الإسرائيلية على لبنان، وفي مقدمها الموقفان السعودي والمصري.
كذلك شهد عام 2006 خطوة سعودية، رأى فيها البعض استفزازاً من الرياض لدمشق، وانعكاساً واضحاً للتدهور في العلاقات، تمثل باستقبال الملك السعودي نائب الرئيس السوري السابق المنشقّ، عبد الحليم خدام.
وعلى الرغم من مشاركة الرئيس السوري في القمة العربية في الرياض في آذار 2007، إلا أن الهدوء المستجدّ بين الطرفين ما لبث أن انهار بعد تغيّب السعودية عن الاجتماع الأمني لدول جوار العراق الذي عقد في دمشق، فعمد نائب الرئيس السوري فاروق الشرع إلى وصف علاقات بلاده مع السعودية بأنها محكومة «بالشخصانية»، موضحاً أن الدور السعودي في الإطار العربي «مهم»، لكنه مصاب بما يشبه الشلل، غامزاً من اتفاق مكة الذي وقّعته الفصائل الفلسطينية وسرعان ما انهار.
إلا أن المصادر الرسمية السعودية سرعان ما ردّت عبر وكالة الأنباء السعودية «واس»، واصفةً تصريحات الشرع بأنها «نابية». ورأت في كلامه عن الدور السعودي «الكثير من الأكاذيب والمغالطات». ورأت أن وصف الشلل يخصّ السياسة التي يمثلها الشرع، وأرجعت الخلل القائم في العلاقة بين البلدين إلى المواقف «التي تنكّرت لوحدة الصف العربي، وعملت على نشر الفوضى والقلاقل في المنطقة، ناهيك عن مسؤولية بعض الأفراد ـــــ ومنهم السيد الشرع نفسه ـــــ عن هذا الخلل».
وفي ظل هذا التراشق، لم يكن مستغرباً غياب الملك عبد الله عن حضور القمة العربية التي استضافتها دمشق في آذار 2008.
بدورها، ساهمت عملية «الرصاص المصهور»، التي شنّها الجيش الإسرائيلي على قطاع غزة، في إشعال الرماد في نار الخلافات بين الطرفين. إذ أصرّت سوريا، إلى جانب قطر، على ضرورة عقد قمة عربية طارئة لبحث العدوان، بينما ارتأت السعودية ومصر أن يتم بحث الملف في قمة الكويت الاقتصادية، ما أدى إلى المزيد من التوتر بعد عقد القمة في قطر، إلى أن جاء موعد القمة الاقتصادية في الكويت.
وفاجأ الملك السعودي الحاضرين بخطاب أعلن خلاله «إنهاء كل الخلافات بين الأشقاء العرب من دون استثناء»، وفتح «باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب من دون استثناء».
إيجابية سرعان ما ترجمت لقاء مصالحة، جمع الأسد وعبد الله إلى جانب أمير الكويت صباح الأحمد الصباح والرئيس المصري حسني مبارك، وأمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاثي. ومنذ ذلك الحين، لم تنقطع الاتصالات بين الطرفين، لتنضمّ إليها مصر حيناً وتغيب حيناً آخر.
وعقد اجتماع ثلاثي ضمّ وزراء خارجية مصر والسعودية وسوريا في القاهرة في إطار تنقية الأجواء العربية وإنهاء الانقسامات، تلته زيارة للفيصل إلى سوريا نقل خلالها دعوة من الملك السعودي إلى الأسد لزيارة السعودية. دعوة لبّاها الأسد في آذار الماضي، حين عُقدت قمة مصغرة في الرياض جمعت الملك السعودي إلى الرئيسين السوري والمصري وأمير الكويت.
وكان لفوز قوى 14 آذار في الانتخابات اللبنانية، وتعثر مسار تأليف الحكومة اللبنانية انعكاس سلبيّ على العلاقات بين البلدين، تمثّل في إعادة الجمود إلى الاتصالات بينهما، وما أثير عن دور أميركي في ذلك، ما دفع وزير الخارجية السوري وليد المعلم إلى التحدث في تموز الماضي عن عدم وجود «مصالحة سعودية سورية، بل هناك علاقات طيبة بين البلدين»، على الرغم من اعترافه بوجود «تبادل للزيارات على أعلى المستويات بين دمشق والرياض».
ثم جاء موعد افتتاح جامعة الملك عبد الله للعلوم التقنية. وعلى غير المتوقع، شارك الرئيس السوري في الافتتاح، في خطوةٍ فسّرها البعض بأنها أتت بعد اتصالات مكثفة تولّتها الرياض، قايضت بموجبها المشاركة في الافتتاح بالإسراع بتلبية الدعوة السورية لزيارة دمشق.
إيجابية دفعت صحيفة «البعث» السورية إلى وصف الزيارة، التي بدأها عبد الله أمس إلى دمشق، بـ«منعطف تاريخي أكثر من مهم وضروري في هذه المرحلة تهيئ لتضامن عربي حقيقي يعلو على أيّ خلافات مهما كانت، ويسمو على الواقع المشطَّر والمشرذم»، فيما أجمعت الصحف السعودية على وصف الزيارة بأنها ترسم مساراً جديداً لعلاقات متينة بين البلدين وتعزز التضامن العربي لمواجهة التحديات.