
مشاركة:
يقول المصريون في أمثالهم العامية: سبحان مغير الأحوال، في إشارة أن الله تعالى يغير مواقف الأشخاص.
يتردد هذا المثل كثيرًا هذه الأيام في مصر؛ وذلك لتغير موقف ‘الخاسر’ فاروق حسني
وزير الثقافة المصري من الولاء الكامل لـ "إسرائيل" إلى إعلانه الحرب الثقافية على الطغيان ومتحديًا "إسرائيل" بكل الأشياء لجعلها "قزمة" أمام مصر… ويقول عن الإسرائيليين: "أن هؤلاء ليسوا أنصارًا للسلام، ولا يريدونه، هم يطالبون بالتطبيع للسيطرة علينا، وهذا واضح".
والسؤال هنا: هل لو كان نجح في الانتخابات وأصبح رئيسًا لليونسكو هل كان سيتوعد ويعلن الحرب على "إسرائيل"؟
قبل انتخابات اليونسكو حسني قال إنه حتى لو خسر فإنه شعر بالنجاح، وحقق شهرة كبيرة من خلال المنافسة على منصب مدير عام المنظمة، لكنه يتمنى النصر ليفرح الشعب المصري؛ كما قال انه سيستقيل سواء فاز أو خسر، ولكن حسني الذي عاد للقاهرة يوم الأربعاء الماضي بعد الخسارة قال إنه لم يشعر بالهزيمة، بل كسب وحقق شعبية أكبر، لكن عيناه دمعتا عندما وصل إلى مطار القاهرة لأنه لم يجلب النصر للشعب المصري؛ كما قال انه سيستمر في الوزارة بناءً على رغبة الرئيس مبارك الذي قال له سابقًا: "ارمي ورا ضهرك".
وزير الثقافة بدا متماسكًا وثابتًا خلال حواره مع جريدة المصري اليوم، وقال إن خسارة الانتخابات عمقت الفجوة بين الشمال والجنوب، مشيرًا إلى دور السفير الأمريكي في اليونسكو واللوبي اليهودي في شن حملات مضادة لترشيحه، وقال إن هذه الانتخابات جلبت الشهرة لليونسكو، ومشاركة مصر فيها "طلعتها السماء السابعة"، وأكد أن التعصب والعنصرية واليهود الذين هاجموه بسبب القدس والتطبيع الثقافي هم السبب في الهزيمة، وأشار إلى أنه ما زال متمسكًا بليبراليته وانفتاحه على الآخر، وأكد أنه كَفَرَ بالساسة وأن حوار الحضارات يكون بين الشعوب وليس السياسيين.
وبرغم حصوله على تأييد الأفارقة في قمتي أديس أبابا وسرت، وكذلك في اجتماع وزراء الثقافة العرب والأفارقة في الجزائر، وفى اجتماع دول عدم الانحياز في شرم الشيخ، وفى كثير من الاجتماعات الأخرى واللقاءات معهم.. إلا انه لم يأخذ سوى ٣ أو ٤ أصوات من أفريقيا، ولم يعرف الوزير انه خسر الأصوات الأفريقية بسبب إهمال النظام الذي ينتمي إليه للقارة الأفريقية، وضعف التحرك داخل القارة من قِبل الخارجية المصرية.
أما بالنسبة لموقف الدول العربية؛ فقال: "العرب كان موقفهم موحدًا جدًا، ولعبت دول عربية دورًا كبيرًا، واتصل رئيس وزراء عربي بماليزيا وتايلاند، لحثهما على التصويت لي، ولكن سفير إحدى الدول العربية في المنظمة والتي ليس لها حق التصويت ضدي، كان يطوف بسفراء الدول الإسلامية لمنع انتخابي".
ويقول حسني أيضا إن انتخابات اليونسكو لم تشهد صراعا كهذا على مدى تاريخها، والسبب الأول يرجع للعنصرية بين الشمال والجنوب، أما الثاني فمتعلق باليهود الذين حلفوا بأقسى أيماناتهم أني لن أحصل على المنصب لأجل القدس، ولم تكن القضية متعلقة بحرق الكتب، فأنا لم ولن أفعل ذلك، لكنهم اعتمدوا على حجة "عبيطة" وضخموها لتكون حقيقة صدقها السذج، وليقنعوا بها الشارع، لكن هوية القدس كانت هي الأساس هل هي عربية أم لا وما مستقبل الحفائر التي تتم فيها، أما السبب الثالث فكان موقفي من التطبيع الثقافي، لقد أرادوا الانتقام منى لهذا السبب، رغم وقوف مجموعة من اليهود إلى جانبي، مثل مجموعة النبي دانيال، والمثقف اليهودي كارلسفيلد، لكن الصحف لم تكن تنشر ما يقولونه، وعندما يكتب شخص مثل كارلسفيلد مرتين عنى في الصحف فهذا شيء كبير جدًا، ورغم أنهم انتقدوه فإنه أكد أنه لا يخاف منهم وقال لهم أنا في آخر العمر ولا أخاف من شيء، وهو يعد لمقالة جديدة ستنشر قريبا.
ويقول فاروق حسني "بمنتهى التواضع": "أنا ذهبت للانتخابات بقرار رئيس، وليس بمزاج شخصي، لأن داخلي أكبر من اليونسكو، أنا بداخلي "عفريت كده"، بداخلي فني، حياتي وأشياء كثيرة تجعلني مستغنيا، وعندما كنت أحاول جلب النصر لمصر كنت أعرف أنني سأقع في مصيبة، البعض يظن أنني ذهبت بحثا عن مال وجاه، وأنا لست محتاجا للاثنين، وأكبر دليل على ذلك أنني منحت الشهرة لمنظمة اليونسكو، حيث شهد الجميع بأن الانتخابات هذه المرة هي الأبرز وتابعها العالم كله باهتمام شديد لأنني موجود فيها".
من الطبيعي أن يخسر شخص ذاهب للانتخابات بقرار الرئيس، لأنه صرح قبل سفره بفترة بعدم اهتمامه بموضوع اليونسكو، وقال إنه لا يكترث بالترشيح لليونسكو، إنها رغبة الدولة، وعليه أن يستجيب لرغبة الدولة… هذه التصريحات وتلك المشاعر تكفي وتفيض لتفضيل المرشحة البلغارية بوكوفا والتي قامت منذ اللحظة الأولى لإعلان ترشيحها بإنشاء موقع على الانترنت لنشر مجموع أنشطتها الثقافية السابقة واللاحقة… رصيد ثري بثلاث لغات عن زياراتها للمناطق الأثرية عبر العالم كله بما فيها مصر والمؤتمرات التي عقدتها، والمناقشات التي اشتركت فيها، والدراسات الثقافية التي قامت بها، وكذلك خططها واستراتيجيتها إذا فازت بالمنصب… إذن من هو الأحق بالمنصب؟ مرشح الدولة مرشح الرئيس أم الخبرة والقدوة والدراية؟ أهل الثقة أم أهل الخبرة؟ من يحب المنصب أم من يتعالى عليه؟
يبقى أن تفكر سيادة الوزير في مصير التنازلات المفرطة التي قدمتها.. تنازلت للإسرائيليين، واعتذرت لهم وقدمت مصر الغالي والرخيص لكي تفرج عن الجندي شاليط من أجلك وبعد كل ذلك رسبت.
خسر الوزير قبل أن يترشح.. خسر الوزير ثلاث مرات؛ خسر نفسه عندما اعتذر لـ "إسرائيل"، وخسر مرة أخرى عندما لم تقبل "إسرائيل"، وخسر مرة ثالثة في الفوز باليونسكو.
ومع ذلك كان التمثيل مشرفًا ليس لفاروق حسني ولكن لمصر… لأن الأصوات التي حصل عليها كانت لمصر وليست له شخصيًا، أما الأصوات التي حصلت عليها البلغارية فكانت لاستحقاقها الشخصي للمنصب وليس لبلدها.