
مشاركة:
تجرى الاستشارات النيابية في قصر بعبدا اليوم وغداً، في أجواء تصعيدية توحي بأن التكليف الثاني لن يكون بعدد أصوات الأول
وخصوصاً بعد تكهرب العلاقة بين عين التينة وقريطم، الأمر الذي قد يفقد النائب سعد الحريري أصوات كتلة التنمية والتحرير الـ 14… على الأقل.
تلبّدت الأجواء بأكثر مما كانت عليه قبل أيام، وصار الجميع يتحدثون عن تعثّر قد يمنع تأليف الحكومة لفترة جديدة من الوقت. لكنّ اللافت كان في الانفجار المفاجئ للعلاقة بين الرئيس نبيه بري والنائب سعد الحريري، وبروز مواقف جديدة من شأنها تعقيد الأمور أكثر.
وإذ أعلن الرئيس بري أمام زواره أنه سيشترط لتسمية الحريري رئيساً للحكومة أن يعلن تمسّكه بصيغة الـ15 ـــــ10ـــــ5 وبتأليف حكومة وفاق وطني قائمة على تفاهمات سياسية واضحة بين الجميع، فإن الحريري ردّ عبر زواره أيضاً بأنه لن يقبل التكليف كما في المرة الماضية، بل لديه شروط واضحة سيقولها لرئيس الجمهورية ميشال سليمان، وتتلخص في عدم مناقشته في صلاحياته، وأنه الوحيد المخوّل دستورياً توزيع الحقائب واختيار الأسماء وعرضها على الرئيس قبل إصدارها في مراسيم.
ولئن تصرفت المعارضة أمس بمزيد من الحذر، فإن أجواء تيار «المستقبل» سادتها موجة من التوتر والكلام المرتفع، ما دفع بالرئيس بري إلى اعتبارها «تصعيداً لأجل التفاوض، لكنّه تصعيد من دون نتيجة، بل المشكلة في أن يتحول إلى سقف ويصبح الجميع أسرى له».
■ الحريري: حدّ التنازلات
وتقول أوساط الحريري إن «المشكلة كانت ولا تزال في قرار خارجي يمنع المعارضة من السير نحو تأليف حكومة جديدة، وأن الأمر يتعلق بالجمود الذي يسود العلاقة بين سوريا والسعودية». أضافت: «لقد طلب السوريون مجموعة أمور من السعودية، بينها أن يقوم سعد الحريري بزيارة إلى دمشق، وقد حصلت دمشق على وعد من السعودية، ومن الملك عبد الله، بأن يحصل هذا الشيء، لكن بعد تأليف الحكومة.
لقد تنازل الحريري في هذا الموضوع، وتجاوز الكثير من الأمور الشخصية والحسابات الخاصة به وبفريقه، ثم قبل بتنازلات على صعيد تأليف الحكومة. وإذا لم يحصل تغيير جدّي على مستوى العلاقات السورية ـــــ السعودية، يستعبد أن تكون هناك حلحلة جدّية».
وقالت الأوساط نفسها إن الحريري «سيأخذ كبقية المسؤولين بعض الوقت، إما لقضاء عطلة عيد الفطر، ثم لإجراء جولة جديدة من المشاورات الداخلية والخارجية. وسيترك الحريري الوقت ريثما تتوضح الصورة لدى الجميع، ولن يقدم تشكيلته كما هي، لكنّ التعديلات لن تكون كبيرة جداً من جانبه. وإن التنازل الوحيد الممكن هو أن يقبل الحريري بتوزير جبران باسيل، لكن من الصعب أن يقبل بإعادته إلى وزارة الاتصالات، والأرجح أن الحريري لن يعطي الاتصالات للمعارضة».
■ بري أفطر مبكراً
وقد نجح النائب الحريري في دفع الرئيس نبيه بري إلى الإفطار بعد صيام طويل، وتحدث رئيس المجلس أمس أمام زواره، فقال إنه لا يعرف «سبب ما يقوم به الحريري، وكنا قد تركنا له الإشارات مضاءة، وخصوصاً الأخضر والبرتقالي، لكنه قرر إطفاء الإشارة من طرف واحد، واللي طلّع الحمار على الميدنة بنزلو».
وقال بري لزواره إنه «تحمّل الكثير في الفترة الماضية، وسبّب لي الفريق الآخر إحراجاً شديداً مع حلفائي. وإذا كان الحريري يريد تسمية مشروطة أو تكليفاً مشروطاً، فهذا أمر جديد».
ولاحظ زوار رئيس المجلس أنه كان يكتم الكثير من الملاحظات السلبية، وقبل على مضض الكثير من الضغوط التي مورست على المعارضة، وأدّى دوراً مع وليد جنبلاط ورئيس الجمهورية لاحتواء الموقف، لكنّ الحريري تجاهل كل هذا، حتى إنه توقف عن التشاور مع الرئيس بري خلال أيام طويلة.
وحذر بري أمام زواره من أن نسف صيغة الـ15ـــــ10ـــــ5 والعودة إلى لغة ما قبل الانتخابات، قد يعقّدان الأمور أكثر من السابق، وسيحتاج البلد إلى وقت حتى يعاد الإقرار بصيغة جديدة وغير ذلك، وكل ذلك يقول إن هناك من لا يريد حكومة مع تفاهمات سياسية لإدارة البلاد باستقرار.
■ اجتماعات قبل الاستشارات
وعشية بدء الاستشارات، لفت لقاء في عين التينة بين الرئيس بري وعضو اللقاء الديموقراطي الوزير غازي العريضي، ترأس بعده بري اجتماعاً لكتلة التنمية والتحرير، التي بادلت مواقف الحريري الأخيرة بالمثل وأكثر، فذكرت أن تسميتها له في المرة السابقة سببها إعلانه الالتزام بقيام حكومة، وانتقدت اعتذاره عن عدم التأليف رغم «تمنينا» عليه عدم الاعتذار «وإعطاءنا الوقت لمضاعفة المساعي (…) وكنا بذلك في الموقف ذاته مع فخامة الرئيس والزميل الأستاذ وليد جنبلاط»، «لنسمع بعد ذلك كلاماً ينبئ بوضوح بأنه ضد حكومة الوحدة الوطنية وضد الصيغة التي جهدنا جميعاً للوصول إليها أي 15ـــــ10ـــــ5». ورداً على ما قاله الحريري عن انتخاب رئيس المجلس ونائبه، أشارت إلى أن كتلة المستقبل «لم تعط كامل أصواتها لرئاسة المجلس»، وبالتالي لم تعط كتلة التنمية كامل أصواتها لنائب الرئيس، ورأت في قوله: من لم يسمّني فسأتعامل معه كما تعامل معي، بأنه «يعني بصراحة عدم الموافقة على حكومة وحدة وطنية».
ثم أعلنت قرارها «التروّي في تسمية أحد لتأليف الحكومة حتى يصدر موقف واضح وعلني لا لبس فيه بالتزام حكومة وحدة وطنية على قاعدة 15ـــــ10ـــــ5 في توزيع الحقائب وفي التزاماتها السياسية».
وفي الرابية، عقد تكتل التغيير والإصلاح، اجتماعاً برئاسة النائب العماد ميشال عون، الذي أكد في حديث إلى محطة «أو تي في»، بعد الاجتماع، التحفظ على تسمية الحريري، متهماً الأخير دون ذكره بالاسم بل بـ«أحد المرشحين»، بأنه متعال ومستخف بالأزمة الراهنة، وقال: «لن نعطي التكليف من دون قيد أو شرط، ما دام هناك تنكر لحكومة الوحدة الوطنية ومبادئ تأليفها ومعاييره»، بل «ثمة تراجع في اتجاه حكومة أكثرية، وهو يسعى إلى حل تصادمي لا إلى حل توافقي». ودعاه إلى «أن يقدم ما عنده لنعطيه سلطة تأليف الحكومة، وهو حر في تأليف الحكومة التي يريد شرط أن يسير بالبلد إلى بر الأمان».
كذلك وصف عون الحريري بأنه «مستجد في السياسة وخصوصاً على مستوى رئاسة الحكومة. وهو يظن أنه صاحب سلطة مطلقة (…) ويبدو أنه لا يريد أن يستمع إلى أحد». وقال: «يبدو أن ما رفعوه في وجهنا في السابق أي شعار «عون أو لا أحد» هو شعارهم في الأساس والآن ظهر على حقيقته». وتمنى أن يقتدي بما فعله هو، أي عون، عندما أعلن عزوفه وخرج من معركة رئاسة الجمهورية لحل الأزمة في البلد، فـ«ليته يتمتع بهذا التقدير ويسلم غيره فيبيّن أن في إمكانه فعلاً أن يكون رئيس حكومة وحينذاك كنا ربما نندم عليه وننتظر أول فرصة كي نعيده».
ورفض الحديث عن أي صيغة «لأرى ما سيقدم هو»، مؤكداً أن المعارضة أكثر من موحدة. ورأى أن التكليف الثاني سيكون «تحت عنوان الفوضى والفوضى» بعدما حصل الأول تحت عنوان التفاهم السوري ـــــ السعودي. ووصف موقف رئيس الجمهورية بأنه «حرج لأنه لا يتمتع بسلطة الحسم إلا عند التأليف أو توقيع المرسوم».
وبعد اجتماعه في مجلس النواب، أمل «تكتل بعبدا»، ألا «تكون هناك أسباب خارجية متضررة من قيام حكومة الوحدة الوطنية والشراكة الحقيقية». وأعرب عن استهجانه لـ«لغة التهديد والوعيد بالمعاملة بالمثل في مسألة تأليف الحكومة، وهذا يناقض الأصول والأعراف الدستورية التي درج عليها اللبنانيون». ورأى أن إنجاز حكومة الوحدة الوطنية «مطلب أكدته وثيقة الوفاق الوطني والأعراف الدستورية».
أما موقف كتلة الوفاء للمقاومة، فأعرب عنه النائب حسن فضل الله، في كلمة ألقاها في حفل إفطار، بالقول إن الكتلة «لديها قواعد تحكم خيارها في الاستشارات الملزمة للتكليف والتأليف أيضاً، تستند الى طبيعة التفاهمات حول الحكومة، تشكيلتها، برنامجها، رؤيتها»، لكن «من يسمّيه النواب سيصبح رئيساً مكلفاً، نتعامل على هذا الأساس انطلاقاً من روحية التعاون الإيجابي والحرص على إنجاز تشكيلة لها عنوان واحد هو حكومة الشراكة والوحدة الوطنية وممرها الإلزامي هو التوافق والتفاهم من خلال الحوار الموضوعي والجاد. لذلك، لا حاجة لإتعاب اللبنانيين بمواقف وسيناريوهات لشراء الوقت».
ونصح بـ«التواضع وعدم تحديد أسقف عالية»، فـ«مهما تعددت الطروحات وتصاعدت المواقف والصيغ والشروط، ففي آخر المطاف سيعود الجميع إلى الواقع، أي إلى تأليف حكومة شراكة ووحدة، برضى الأطراف جميعاً».
في هذا الوقت، نصح اللواء جميل السيد، المعارضة، برفض المشاركة في الحكومة، وترك الحريري يؤلفها منفرداً، كي لا «تعطي الاطمئنان إلى فريق ليس همّه سوى قطع رأس المقاومة والعداء لسوريا وحماية شهود الزور وقَتَلة الرئيس رفيق الحريري إرضاءً لسياسة خارجية واستكمالاً لمؤامرة القرار 1559». وقال إن فريق 14 آذار «باستثناء النائب وليد جنبلاط مرحلياً، لا يزال يتمسك بأوهام ومخلفات مشروع الشرق الأوسط الجديد».
■ السنيورة إلى السعودية لأداء العمرة
وفي المقابل، عقد تكتل «لبنان أولاً» اجتماعاً برئاسة الحريري. وجدّد في بيان تلاه النائب عقاب صقر، تسمية رئيسه لتأليف الحكومة الجديدة «وهو قرار ينبع من التزام التكتل بالنظام الديموقراطي وبالنتائج التي أسفرت عنها الانتخابات النيابية». وأكد «وجوب التمسك بالنصوص الدستورية في ما يتعلق بتأليف الحكومة»، حاضاً كل القوى «على اعتبار هذه المسألة عملاً جوهرياً لا يجوز الإخلال به تحت أي ظرف من الظروف». وأسف لأن «الجهود المضنية التي بذلها (الحريري) في سبيل قيام حكومة ائتلاف وطني اصطدمت بقائمة من الشروط التي انتهت الى تعطيل العملية الديموقراطية ووضعت خيار الاكثرية بالانفتاح وحسن النية ومد الايدي أمام الحائط المسدود»، متمنياً «أن تكون المرحلة المقبلة مختلفة عن سابقاتها من حيث قدرة المكونات السياسية اللبنانية على التفاهم لتأليف حكومة».
وفي الإفطار اليومي، كرّر الحريري: «إذا أراد أحدهم أن يسمّني فليفعل وإن لم يرد فهو حر في تصرفه هذا، وأنا حر في كيفية تصرفي»، ولكن «هذا لا يعني أنني أريد أن أؤلف حكومة وحدة وطنية أو لا أريد مثل هذه الحكومة». وجدد القول أيضاً: «هناك دستور لا بد من احترامه، وكل ما أقوله هو دفاع عن دستور الطائف». ورفض تحديد شكل الحكومة المقبلة وصيغتها «حين أكلف وأبدأ بالتفاوض نرى مدى تعاون سائر الأطراف في تأليف الحكومة».
وقال إن اعتذاره «كان لخلط الأوراق لكي نرى كيف يمكننا أن نقوم بهذا البلد»، مضيفاً إن المطلوب الآن «من الجميع، ومني أولاً، أن نتنازل لمصلحة لبنان لا لمصالحنا الشخصية»، ولكن التنازل يجب أن يكون «ضمن المنطق» فالانتخابات «أفرزت أقلية وأكثرية. نحن كأكثرية مستعدون للتنازل وقد تنازلنا في السابق»، آملاً أن يجري حوار بين الأفرقاء بكل شفافية ومسؤولية «فإذا أرادوا تأليف حكومة يمكن أن تؤلف في يومين».
وفي هذه الظروف، ورغم أن موعده في الاستشارات الملزمة، مقرر عند الحادية عشرة والربع من قبل ظهر اليوم، فقد غادر رئيس حكومة تصريف الأعمال فؤاد السنيورة يرافقه الوزير خالد قباني وعقيلتاهما، الى السعودية «لأداء مناسك العمرة». وذلك بعد زار رئيس الجمهورية ميشال سليمان أمس، وذكر أنه لن يغيب إلا ليوم واحد، وسيأخذ دوره في الاستشارات غداً الأربعاء. وكرّر أنه سيرشح الحريري وكذلك ستفعل «الأكثرية وآخرون». ودعا إلى استخلاص العبر من تجربة التكليف الأولى والعودة إلى الدستور فـ«العناد والتعنّت غير مفيدين على الإطلاق، ويجب أن ننطلق مما انبثقت منه الانتخابات النيابية»، و«العمل على تأليف حكومة تضم الجميع وتكون حكومة ائتلاف».
وأمس، زار النائب وليد جنبلاط الرئيس سليم الحص ومفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني، ورفض الحديث عن موضوع الحكومة، لكن عضو كتلته النائب علاء ترو، هاجم المعارضة واتهمها بعرقلة تأليف الحكومة، داعياً إياها إلى «أن لا تربط مصير الاستحقاق الحكومي بأي دولة إقليمية أو بأي قضية لا بموضوع المحكمة الدولية ولا بالملف النووي الإيراني». وسأل: «من لا يرد تسمية الرئيس المكلف، فكيف له أن يشارك في حكومة برئاسته؟».
ووسط كل ذلك، برز موقف للسفير الفرنسي اندريه باران الذي قال من بكركي، إن الحريري «لم يتوصل الى تذليل الصعوبات» رغم الجهود التي بذلها «ونأمل من خلال الاستشارات الجديدة التي سيجريها الرئيس (سليمان)، تكليف شخصية تستطيع القيام بحوار جدي بين القوى كافة لتأليف حكومة في أسرع وقت، تمثل أكثرية الرأي العام اللبناني وقادرة على القيام بدورها وتحقيق الإصلاحات المطلوبة».
كذلك لفت أمس وصول السفيرة الأميركية ميشيل سيسون إلى الضاحية الجنوبية، حيث زارت نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان.