بري والحريري «يتفاوضان»: التسمية بعد «الصيغة» و«الضمانات»

مشاركة:

سليمان يتمسك بالخيار التوافقي وجنبلاط يحذر من إنهاك الجيش والمعارضة تنبّه لمخاطر «اللون الواحد»

…أما وأن «التكليف الثاني» قد بات معقوداً للرئيس المعتذر سعد الحريري، فإن سؤال ما بعد ذلك، هو سؤال مفتوح على احتمالات كثيرة، أفضلها العودة إلى الحكومة التوافقية الحاضنة بصيغتها وتوليفتها و»ضماناتها»، مع ما يمكن أن تستولده من تثبيت للاستقرار السياسي والأمني والاقتصادي، أما أفدح الاحتمالات، وحظوظه معدومة نسبياً، فيتمثل في الذهاب نحو حكومة اللون الواحد، التي وصفها مرجع قيادي بارز في المعارضة بأنها أشبه ما تكون بانتخاب رئيس الجمهورية بالنصف زائداً واحداً، وقال لـ«السفير» إن خياراً كهذا «يضع لبنان على حافة المجهول سياسياً».

وبين هذا الاحتمال وذاك، كثّف الجيش اللبناني إجراءاته الأمنية في العاصمة وبعض المناطق خاصة الشمال والبقاع، وسط تحذيرات جديدة أطلقها رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط بأن الجيش بدأ يصاب بحالة تعب نتيجة المسؤوليات والأعباء الضخمة والكبيرة التي تلقى على عاتقه، وتمنى، كما نقل عنه زواره، أن يدرك الجميع خطورة الموقف وما يخطط لنا عبر بوابة الجنوب ومحاولة تعميم الفتنة والفوضى، وبالتالي أن يرتقي الجميع إلى حجم المسؤوليات من خلال تقديم تنازلات متبادلة للوصول إلى حكومة وحدة وطنية هي التحصين السياسي للأمن والاقتصاد بدلاً من رمي كل الأثقال على المؤسسة العسكرية وحدها، وجدّد جنبلاط مناشــدته الجميع باعتماد الخطاب السياسي الهادئ.

في غضون ذلك، بدت الصيغ المطروحة، من هنا أو هناك، مجرد بالونات اختبار، خاصة لجهة ما يشاع عن نية رئيس الحكومة المكلف الذهاب نحو حكومة أكثرية أو حكومة تكنوقراط، أثبتت التجارب بعد الطائف أنها لا تلبي متطلبات دور السلطة السياسية التي بات يمثلها مجلس الوزراء مجتمعاً وكل وزير في موقعه على حدة.

وعشية التأليف، حسم فريق الأكثرية بأن سمّى الحريري لرئاسة الحكومة، مؤكداً بلسان كتلة «لبنان أولاً» على وجوب التمسك بالنصوص الدستورية فيما يتعلق بتشكيل الحكومة»، معبراً «عن تقديره للخطوات التي أقدم عليها الحريري خلال تكليفه تشكيل الحكومة، والجهود المضنية التي بذلها في سبيل قيام حكومة ائتلاف وطني اصطدمت مع الأسف الشديد، بقائمة من الشروط التي انتهت إلى تعطيل العملية الديموقراطية ووضعت خيار الأكثرية بالانفتاح وحسن النية ومد الأيدي أمام الحائط المسدود». وتمنى «التكتل» أن «تكون المرحلة المقبلة مختلفة عن سابقاتها من حيث قدرة المكونات السياسية اللبنانية على التفاهم لتشكيل حكومة».

وقررت باقي مكونات فريق الأكثرية تسمية الحريري بما في ذلك «اللقاء الديموقراطي» بزعامة النائب وليد جنبلاط، مع استثناء وحيد يتمثل في إصرار الأخير على التمسك بحكومة الوحدة الوطنية والصيغة، وهو أمر يفترض أن يعبر عنه بعد الاستشارات النيابية الملزمة في القصر الجمهوري.

وقال الحريري في إفطار أقيم في قريطم، عشية بدء الاستشارات، انه «إذا أراد أحدهم أن يسمّيَني فليفعل وإن لم يرد فهو حر في تصرفه هذا وأنا حر في كيفية تصرفي، وهذا ما ينص عليه الطائف والدستور، ولكن هذا لا يعني إن كنت أريد أن أشكل حكومة وحدة وطنية أو عدم تشكيل مثل هذه الحكومة(…) ومن حقي الدستوري أن استخدم الأسلوب الذي أريده في المفاوضات. ومن هذا المنطلق علينا أن لا نأخذ الأمور بتحدٍّ، أنا لن أمسك على أحد أي أمر في التسمية، ولكن لا يحق لأحد أن يقول لي ما يجب أن أقوم به(…).

هم يريدونني أن أقول ما هي الصيغة الحكومية وطبــيعة هذه الحكــومة منذ الآن. حين أكلف وأبدأ بالتــفاوض نرى مدى تعاون سائر الأطراف في تشكيل الحكومة».

وعلى صعيد فريق المعارضة، فان المشاورات تكثّفت بين مكوناتها الأساسية، خاصة الرئيس نبيه بري و»حزب الله» والعماد ميشال عون، حيث تعذرت صياغة موقف موحد، خاصة بعد موقف النائب الحريري الملتبس، أمس الأول، والذي حاول التراجع عنه عبر إعادة صياغته «بطريقة مختلفة ولائقة»، مساء أمس.

وهذا التراجع الجزئي من الحريري استوجب على ما يبدو صياغة ملتبسة أيضا من جانب الرئيس بري حيث سيبادر، اليوم إلى تسمية حكومة الوحدة الوطنية والصيغة السياسية (15+10+5) و«الضمانات»، تاركاً فسحة للمشاورات مع الرئيس المكلف قبيل بدء شريط الاستشارات، من أجل تثبيت ما كان قد تم التفاهم عليه، بعد «التكليف الأول»، حتى يصار إلى تسمية الحريري مجددا.. وإلا فسينضم إلى حليفه «حزب الله» وحليف حليفه العماد ميشال عون في عدم التسمية، فيما قرر «الطاشناق»، أن يسمّي الحريري.

وكان لافتا للانتباه أن الرئيس بري فاجأ حلفاءه عندما صعّد نبرة خطابه، أمس، من خلال كتلته النيابية بعدما كان قد وجد في خطاب سعد الحريري، أمس الأول، منحىً تصعيدياً «يمكن أن يقود البلد إلى ما لا تحمد عقباه، وهذا لا يفيد لا الحريري ولا المعارضة ولا أي لبناني عاقل».

وقالت مصادر في «تكتل التحرير والتنمية» إن قرار التروي في التسمية في انتظار إعادة تأكيد الحريري على «الصيغة» و«الضمانات»، كان القصد منه تجديد التأكيد على ثابت أساسي للمعارضة بأننا «ندخل معا ونخرج معا».

وعقد «تكتل التغيير والإصلاح» جلسة برئاسة العماد ميشال عون، تقرر خلالها عدم التسمية حيث سيعلن «التكتل» بلسان عون من القصر الجمهوري أن الذهاب إلى حكومة اللون الواحد هو بمثابة دعوة مجانية لإسرائيل للقيام بعدوان جديد ضد لبنان.

أما «كتلة الوفاء للمقاومة»، فقد عقدت جلسة مداولات في مجلس النواب، برئاسة النائب محمد رعد وخلصت إلى القرار ذاته الذي اتخذته في الاستشارات السابقة بعدم تسمية أي شخص لتشكيل الحكومة، وقالت مصادرها لـ«السفير»: «لولا كرامة رئيس الجمهورية الذي تجري الاستشارات عنده لكانت الكتلة قاطعت الاستشارات، بسبب الكلام التهديدي الأخير للحريري حول «المعاملة بالمثل».

وذكرت مصادر رئاسة الجمهورية لـ«السفير» إن رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ما يزال على موقفه برغم كل التطورات الحاصلة، بأنه «لن يوقع مرسوم حكومة لا تتوافر فيها مواصفات الحكومة الميثاقية وحكومة الوحدة الوطنية، ولأنه رئيس وفاقي لا يوقع مرسوم حكومة من لون واحد».