
مشاركة:
قد يكون القدّاس في ذكرى اغتيال بشير الجميّل مناسبة إعلانيّة مميّزة لماركة النظارات الشمسيّة «راي بن»، لكن هذا لا يُلغي البعد السياسي للمهرجان، لكونه محطّة تُظهر حجم التأييد لهذا الخط السياسي، وتُبرز حجم الفروق بين أعضاء هذا الخط
أمّا صولانج، فأسمعت الجمهور ما أراد أن يسمعه: لماذا عندما يتعلق الأمر بالموقع المسيحي الأول في الرئاسة الأولى، تقوم قوة السلاح بالتعطيل والعمل على الفراغ لأشهر وأشهر؟ لماذا عندما يتعلق الأمر بقيام حكومة لبنانية، وطنية بكل معنى الكلمة، تقوم قوة السلاح بتعطيل مهمة الرئيس المكلف، أي الرئاسة الثالثة لأشهر وأشهر؟ لماذا عندما يتعلق الأمر بالرئاسة الثانية، رئاسة مجلس النواب، يتم ذلك خلال ساعات لا بعد أشهر وأشهر؟ هل هناك ملامح في الأفق تشير إلى تولّي السلطة بقوة السلاح؟ وهل هذا ما يريدوننا أن نشعر به؟ هي أوحت بشيءٍ كُتب بوضوح على كوخ حراسة قرب مؤسسة بشير الجميّل: الأشرفيّة بتركع لَـ الله، الأشرفيّة ما بتركع لحزب الله.
قبل أن تقول زوجة بشير الجميّل كلماتها هذه، كان أحد رفاق بشير يقف على رجلٍ واحدة. ينظر إلى المحيطين ويقول: غابة من نظّارات «الراي بن»، لكن لا أحد من هؤلاء الشبّان استعمل البندقيّة. يُكمل «ابن الأشرفيّة»، الذي فقد إحدى رجليه خلال معارك عام 1977 بين قوّات بشير الجميّل والجيش السوري، حديثه عن أولئك الشبّان الذين منعه أحدهم من دخول الكنيسة، يبرر: «لأنه لا يعرفني». تسأله عن بشير، عن قيمة بشير ومعناه؟ تدمع عيناه: «ما في قيمة للحكي هلّق، إن شاء الله يكون نديم (الجميّل) قوياً بكلمته اليوم، هو يحتاج إلى دعمنا». ثم يستدرك: هناك اثنان، سامي ونديم الجميّل. يتذكّر العلاقة بين أمين وبشير، ويتمنى ألا تتكرّر بين الشابين: «عليهما أن يتوحّدا». الرجل مقتنع بأن بشير كان لكلّ لبنان، لكنّ «الطائفيّة وخلق الشرخ بين المسلمين والمسيحيين دمّرا البلد».
إذاً، منذ ما قبل الثالثة من بعد ظهر يوم أمس، امتلأت ساحة ساسين ومحيطها بمؤيّدي حزبي الكتائب والقوّات اللبنانيّة، لإحياء ذكرى راحلٍ غالٍ كثيراً على قلوب هؤلاء.
برزت هيمنة العنصر القوّاتي والهتاف الدائم لـ«الحكيم»، لكنّ ذلك لا يُلغي وجود الكتائبيّين
كان واضحاً الإصرار في عيونهم عند سماعهم أغنيّة «عدعساتك نحنا مشينا». بشير بالنسبة إليهم «قائدٌ قُتل لأنه أراد أن يكون لبنان موحّداً، لأنه إنسان وطني مات كرمالنا وكرمال الصليب»، يقول سمير نجّار الآتي من بشري وعلى صدره صليب حديدي مشطوب. لا يُمكن أن ترى سمير من دون صليبه بسبب حجمه الكبير. يبدو الفتى واثقاً من كلماته حين يقول إنه «لا أحد يملأ فراغ الكبير الذي رحل، لكن ربما الحكيم في المؤسسة، ونديم في العائلة». في نظر نجّار، لو كان بشير حيّاً «لما حصلت حروب بين المسيحيين». تسأله: وماذا عن حرب توحيد البندقيّة؟ «ميشال عون عملها».
سمير نجّار مثله مثل كثيرين، كما يقول شربل سمعان (البترون)، وبشير غانم (البراميّة ـــــ صيدا) ومي (الأشرفيّة) وغيرهم. هؤلاء متأكّدون من أنه لو لم يمت بشير الجميّل لكان لبنان في وضعٍ أفضل، لكان بلداً حضارياً، ولما حصلت الحروب، أو ببساطة «كان الكون كلّه تغيّر»، تقول مي، التي لا تستطيع أن تمنع نفسها من البكاء، «نحن عايشنا بشير وحلمنا معه، ثم خطفوه من بين أيدينا».
بشير غانم أصلب. يؤكّد: من ظن أنه بقتل «الباش» يقضي على القوّات اللبنانيّة يكن مخطئاً، «لأن القوّات هي مجرى طبيعي للتاريخ». يُضيف الشاب الحامل إجازة في التاريخ أن خطابات رئيس الجمهوريّة الأسبق (بشير) الذي يُمارس سلطته اليوم هي امتداد طبيعي لمواقف البطريركيّة المارونيّة، «وعندما أزور وادي قنّوبين وأرى الأماكن التي اختبأ فيها الموارنة، ثم يُخبروننا كيف اختبأ الموارنة في المغاور في حرب المئة يوم، نجد أنه لا فرق في الاضطهاد، فهو مستمر منذ أن وُجد الموارنة». لذا، يرى الرجل أن ما قام به بشير الجميّل هو بلورة الفكرة لا اختراعها ووضعها في سياق سياسي وديني وكينوني.
في مهرجان يوم أمس، برزت هيمنة العنصر القوّاتي، والهتاف الدائم لـ«الحكيم»، لكنّ ذلك لا يُلغي وجود الكتائبيّين الذين يرون الأمل في «سامي الجميّل، الذي يشبه عمّه في التماهي مع الشباب»، يقول ألكسي الشمالي من غوسطا (كسروان). يُضيف الشاب أن سامي يملك كاريزما عمّه وقدرته على التأثير على الناس. لذا، هو يخاف عليه «كي لا يُقتل مثل أخيه (بيار الجميّل)، وخصوصاً أنهم وضعوا له سيّارة مفخّخة في الصيفي (مقر حزب الكتائب)، لكن أكيد سيتعلّم سامي من تجربة أخيه». ويفرح الشاب لأن ابن أمين الجميّل لا يُريد أن يبتعد عنه وعن رفاقه، «لذلك، لم يقبل أن يكون وزيراً»، وخلال كلامه تدخل نورا جنبلاط، قبل انتهاء القدّاس بوقت قليل.
رغم الاختلافات بين جمهور الكتائب وجمهور القوّات، وهذا كان واضحاً في حجم الهتاف لـ«الحكيم» لدى دخوله إلى الكنيسة، مقارنة بحجم الهتاف للرئيس أمين الجميّل، بينما تعادل الهتاف لسامي ونديم الجميّل، فإن هناك شيئين يجمعان الجمهورين: بشير الجميّل وحلمه، والكره لميشال عون، إذ لم يُضيّع الجمهور فرصة ليهتف: آه آه ميشال عون، أو ميشال عون كلب سوري وغير ذلك. بالنسبة إلى هؤلاء، أن تكون في حزب الله فهذا يعني أن هناك قدرةً على نقاشك، «وخصوصاً أن حزب الله يخاف من إرادتنا»، كما يُردّد عدد من الشباب، لكنّ النقاش مع العونيّين لا يوصل إلى نتيجة، لكونهم كما قالت صولانج الجميّل: كثيرون ممن كانوا حولك، أقربين وأبعدين، صمدوا ولم يتبدّلوا. لكنّ بعضهم غيّر وتغيّر، تراجع وتجابن، انقلب وتنكّر للمبادئ والقيم. ومنهم من عدّ نفسه هو الخلاص.
أضافت الجميّل: «لقد قدمنا تضحيات كبيرة حتى الشهادة من أجل إعادة قيام الدولة، من بشير إلى عدد من الرؤساء والنواب والشخصيات، وصولاً إلى شهداء ثورة الأرز، ولن نسمح بجر لبنان إلى أزمة جديدة تعيده إلى الوراء لكي تعود الأيادي الخارجية الخبيثة لتعبث به من جديد. سننتصر، وهكذا نكون قد حققنا حلم بشير».
ولفتت الجميّل إلى أنها لم تكن في وارد التحدث في السياسة، «لأنني واثقة مِن أن مَن يتابع النضال ويحمل المشعل «مكفّى وموفى»، لكن ما شهدناه وعشناه في الأسابيع الماضية، وبخاصة في الأيام الأخيرة، حتّم علينا الكلام. بشير ناضل واستشهد من أجل قيام دولة واحدة وقوية، وخضنا معاركنا السياسية والانتخابية من أجل تثبيت حق الدولة وتفعيل مؤسساتها الدستورية. كذلك، قبل 7 حزيران وبعده، حذر غبطة البطريرك صفير، كما حذرنا، من فوز الفريق الآخر، كي لا تتعطل عملية استعادة الدولة سلطاتها وصلاحياتها ودورها. أما ما نراه اليوم، فهو تعطيل متعمّد لقيام الدولة، لمنعها من أن تبسط سيادتها وحريتها على كامل الـ10452كلم2. لقد عشت شخصياً هذه التجربة مع زملاء لي، خلال الأربع سنوات الماضية، وعشت التهديد والتهويل. لم نخف ولم نتراجع، رغم استشهاد كبار منا، أصدقاء وقادة ونواباً».
وأشارت الجميّل إلى أن هذه الكنيسة شاهدة منذ 27سنة على هتافاتكم: «بشير حيّ فينا». وهذا يعني أنكم ما زلتم مؤمنين بمبادئ بشير، وتقدّرون استشهاده من أجل قيام الدولة القوية، الفاعلة والعادلة».
ورأى النائب البطريركي العام، المطران رولان أبوجودة، في عظته، أن ما ينقصنا، منذ 1860 و1958 و1975 حتى هذه الساعة، هو «الثقة بأننا نستحق رحمة السماء، وأننا شعب له عزيمة وطموح وأحلام، توجه جميعها نحو بناء الخير وتحصين الإنسان والمجتمع، لا نحو تكديس الثروات وتجييش الأنانيات وتنشيط المذهبيات وتفكيك وحدة الداخل، بالتطلّع إلى المصالح الإقليمية والدولية قبل مصالحنا المشتركة وتطلعاتنا المرتبطة بهويتنا وتراثنا وتقاليدنا».
بعد انتهاء القدّاس، سار المشاركون لوضع أكاليل في مكان الانفجار، بمشاركة أمين الجميّل وصولانج ونديم ويمنى الجميّل، والنائب جورج عدوان ممثّلاً القوات اللبنانية في وضع الإكليل.