
مشاركة:
لقي عدد من الشباب حتفه بسبب الهجرة غير الشرعية، وعادوا بنعوش تحمل جثامين الشباب الذي ألهب ظهره سوط البطالة وخيبة
الأمل وتردي الأوضاع الأمنية والمعيشية.
مهربون يحملون الجنسيات العربية والأجنبية يهربون الشباب والعائلات عبر البحر، من لبنان بلد الإقامة إلى تركيا بلد المحطة التي تستقبل المهاجرين غير الشرعيين، ومن ثم إلى اليونان بوابة الجنة إلى أوروبا أرض اللجوء.
5200 دولاراً أمريكياً هو المبلغ الذي يحصل عليه المهرّب كأجرة لعملية التهريب، أما الضحيّة فيواجه بالمقابل ابتزاز المهربين في تركيا بعد سرقة جوازاتهم أو تركهم فريسة للمافيات وشرطة السواحل، والأفجع من ذلك إغراقهم عبر سفينة الأحلام التي ليست في الحقيقة سوى قارب صيد قديم غير صالح وغير مجهز لإجتياز المياه التركية اليونانية.
وسيم عبد الله لاجئ فلسطيني من مخيم نهر البارد في العقد الثاني من العمر، عاطل عن العمل، أراد أن يهرب من دوامة البؤس والحرمان وقساوة العيش والبطالة فانتهى جثة مجهولة الهوية.
الطفل أحمد نجم لبناني في الرابعة من العمر، والده حسين نجم من مواليد شحيم سنة 1966 وأمه سعاد من مواليد برجا سنة 1971 وأخوه أمجد 14 عاماً وأخته ريما 11 عاماً. عبروا الطريق المظلم إلى جنة أوروبا وعادوا منها على متن طائرة كصندوق في الشحن.
يقول عبدالله والد وسيم ان ابنه قصد أحد المهربين واتفق معه على تسفيره من لبنان بصورة شرعية وبتأشيرات رسمية من السفارة التركية.
طلب منه مبلغ 5200 دولار أميريكي مقابل عملية التهريب، على أن يتم دفع مبلغ 1200 دولار سلفا ويستكمل البلغ الكامل بعد وصول الشاب إلى اليونان واتصاله هاتفياً ليخبرهم أنه وصل إلى الأراضي اليونانية.
غادر الشاب ليل الأثنين الواقع في 2007/11/12 إلى تركيا مع مجموعة من الشباب الراغبة بالهجرة عبر باص تابع لشركة عباد الرحمن وسبقهم المهرب إلى تركيا بواسطة الطائرة.
نهار الثلاثاء في 2007/11/13 اتصل وسيم بوالده أبلغه وصوله إلى تركيا واقامته في فندق آسيا في اسطنبول.
المهرب اللبناني يسلّم المهاجرين غير الشرعيين من لبنان الى مهربين من جنسيات مختلفة (أتراك وعراقيون وتونسيون) ويتولى هؤلاء عملية التهريب إلى اليونان بأساليب وطرق مختلفة.
هجرة فخطف فغرق بسبب خلافات مادية بين المهرب اللبناني والمهربين في تركيا، وتم حجز وسيم وحجز جواز سفره مع مدير فندق آسيا الذي نزل فيه.
إتصل المهربون الذين تسلموا الشاب في تركيا بأهله وطلبوا فدية مالية وأخذوا يهددون بقتله أو بتسليمه للسلطات التركية، وكان مبلغ الفدية التي طلبها المهربون الخاطفون 8000 دولار.
وبعد طول مفاوضات واتصالات توصل أهل الشاب الى اتفاق مع المهربين بإعطائهم 3600 دولار وتم تحويل المبلغ بواسطة الوسترن يونيون.
يوم الأثنين في 2007/12/9 تم الإفراج عن الشاب بعد احتجاز دام 26 يوماً، وبعد أيام اتصل وسيم بأهله وقال لهم أن المهربين سوف يهربونه إلى جزيرة "رودوس" اليونانية عبر جزيرة "مارمريس" وهي منتجع سياحي تركي.
بعد فترة علم الأهل عبر وسائل الإعلام والصحف أن حوالي 69 لاجئاً كانوا يعبرون من جزيرة "رودوس" قد غرقوا مع مركبهم. وأعلم المهربين الأهل أن ولدهم كان على متن المركب الغارق.
وجّه والده كتابا لمديرية الأمن التركية في جزيرة "مارمريس" طالبهم بالكشف عن مصير ولده، وحوّل الملف الى محكمة الجنايات في "أزمير".
بدورها طلبت سلطة الأمن التركية من الأهل الحضور إلى تركيا لمتابعة القضية ولكنم خافوا من المافيا فأقفل الملف وأقفلت معه توابيت الضحايا الذين جمعتهم معانات واحدة ومصير واحد.
رواية الأم المفجوعة
لقد كانت تجربة قاسية ومؤلمة سيمر وقت طويل جداً قبل نسيان تأثيرها ووقعها النفسي عليّ وعلى أولادي.
بدايتها كانت معاناةً وذلاً وعذاباً وسوء معاملة ونهايتها صراع بين الحياة والموت خضت مرارتها وقساوتها أنا وأولادي أمجد وريم وأحمد. أربع ساعات نتخبط وسط المحيط بين الأمواج العاتية في الظلام الحالك نتصارع مع الموت الذي استطاع في النهاية أن يتغلب على أحمد أصغر أولادي الثلاثة.
لم أرَ من كلام السمسار سوى سراب كأنه يتحدث عن مغامرة على كوكب السعادة، كان الإنطلاق من لبنان إلى تركيا بطريقة غير شرعية ثم تقلّنا باخرة إلى اليونان وهناك نطلب اللجوء ونعيش بعدها سعداء…
ولكن ما إن إختفى السراب بِلوعَة الحقيقة وجدت نفسي مع أطفالي في بيت مهجور في تركيا ننتظر موعد الإبحار إلى اليونان.
وبعد طول انتظار في مكان تموت فيه ألف مرّة خوفاً أن يقتلك البرد أو الجوع أو المافيا، جاء الوقت. تم تجميعنا أنا وأولادي و 23 مهاجر من جنسيات مختلفة وأقلنا باص إلى منطقة مهجورة تكثر فيها الغابات والأشجار، وبدأت المعانات تتجدد حيث تسللنا مشياً على الأقدام مدة تزيد عن الساعة وكانوا يقولون لنا بين الحين والآخر : أخفضوا رؤوسكم.. إجلسوا.. إمشوا وكان ابني أحمد في هذا الوقت نائم لأنه تناول دواءً للسعال وكان من المفروض أن يكون نائماً لئلا يفضح أمرنا.
ونتيجة الضغط النفسي والخوف والتعب والمشي مسافة طويلة وتوتر الأعصاب الذي عانينا منه لم يلحظ أحد من المهاجرين نوعية القارب الذي سينقلنا إلى اليونان ولم يبد أحد أي اعتراض.وفي مطلق الأحوال كنا جميعاً نريد أن ننهي معانات هذه الرحلة، ووحده قارب الصيد القديم هذا مع موتور في مؤخرته يتراوح طوله بين 6 و 7 أمتار سَيُقِل 23 مهاجراً على متنه عكس ما تم الإتفاق عليه بأن يختاً كبيراً ومريحاً هو الذي سيقتادنا إلى اليونان والأسوأ من ذلك أن سائق القارب ليس حتى قبطاناً بل هو أحد المهاجرين غير الشرعيين وهو جزائري الجنسية.
الساعة 11 ليلاً إنطلق القارب، وعند منتصف الليل يتصل المهرّب بأحد المهاجرين على قارب الموت للإطمئنان عنا، بعد ذلك بقليل بدأ الموج بالإرتفاع وبدأت المياه بالتسرّب إلى القارب. دَبَ الذعر فينا وبدأت بالدعاء، في تلك الأثناء كان إبني أحمد نائماً يحمله أحد المهاجرين المصريين، إرتدينا سترات النجاة ووجدنا في قعر القارب عبوات مياه فارغة قد قُصّت في الوسط وكأنها كانت مهيأة لنا لتفريغ المياه من القارب في حال امتلائه بها وكأنّ المهربون كانوا يدركون مصيرنا مسبقاً، ومما زاد في هلعنا وخوفنا هو تباطؤ سرعة القارب وانبعاث رائحة المازوت من الموتور. زاد تسرب المياه وبدأ المهاجرون يصرخون أفرغوا المياه من القارب. ونحن في هذه الحالة، موجة قويّة رفعت القارب من الخلف وقذفت بمقدمته نزولاً في المياه فتحطم وسقطنا جميعاً في الماء، وما لبثنا أن عدنا الى سطح البحر بواسطة سترات النجاة التي كنا نرتديها. لم نعد نرى بعضنا البعض إنما كنا نسمع الأصوات وكانت ريما و أمجد قريبان مني وسمعت ريما تصيح : ماما أنا عم بغرق، فأمسكت بها.
كانت رائحة الموت تنبعث من حولنا حتى قناديل البحر بدأت تهاجمنا وأدركنا أن الموت بدأ يقترب منا، بقينا على تلك الحالة حتى الساعة 6 صباحاً حيث رأينا سفينة american holland تنزل قوارب النجاة وتجوب المياه بحثاً عن ناجين، وتم انتشالنا من المياه حيث كان أمجد في غيبوبة تامة، صعدنا إلى سطح السفينة وقام طاقم صحي باسعافنا وبقي أمجد في غيبوبة حتى اليوم الثاني.
بدأت أبحث عن المهاجر المصري الذي كان يحمل إبني، والتقيت به فركضت نحوه وسألته بلهفة شديدة عن أحمد فأجابني وهو مطأطأ الرأس : الله يعوض عليك. بدأت بالصراخ والبكاء وفقدت وعيي لفترة وعندما استيقظت وجدت نفسي في مقر للشرطة التركية، وبعد التحقيق معنا ومعرفة مواصفات أحمد تم تسليم الجثة للسفارة اللبنانية. بعدها أخذنا رجال الأمن الأتراك إلى السفارة السويسرية المتعاقدة مع الشركة التركية لمساعدة اللاجئين لإعادتهم إلى ديارهم، وهناك سئلت ما إذا كنت أريد العوة أم الإنتقال إلى مكان آخر فأجبتهم جحيم لبنان ولا جنة أوروبا، وأعادونا إلى لبنان على متن الطائرة مع جثة إبني أحمد كطرد مشحون.