الحريري يسحب اليد الممدودة ويهدّد بالسنيورة

مشاركة:

«فوازير رمضان» هو الوصف الأفضل لمسلسل تأليف الحكومة المستمر منذ أكثر من شهرين، دون أيّ نجاح يذكر، إلا في ابتكار

العقد وتكرار المشاهد وإطالة بعضها إلى درجة الملل… إلى أن يأذن المخرج بإعلان النهاية

بعد أسبوعين من التوتير ومحاولة الإيحاء بأن الحل السحري لعُقد تأليف الحكومة يكمن في لقاء الرئيس المكلف سعد الحريري والنائب العماد ميشال عون، حصل اللقاء منذ يومين، وعادت الأمور أمس إلى ما كانت عليه قبل اللقاء، لا بل أكثر. فسقط وقف إطلاق النار الكلامي، والمفاوضات على خط الرابية ـــــ قريطم عادت إلى آليتها الأولى، أي التفاوض مع ممثل التيار الوطني الحر الوزير «الصهر» جبران باسيل، الذي التقى الحريري أمس في حضور ابن عمته نادر الحريري.

وفي الخبر الموزَّع من قريطم، اكتفى المكتب الإعلامي للحريري بالإشارة إلى أن الأخير بحث وباسيل «آخر ما توصلت إليه الاتصالات الجارية بشأن تأليف الحكومة المقبلة»، واضعاً اللقاء في إطار استقبالات الرئيس المكلف التي شملت: الوزير ريمون عودة، النائبين محمد كبارة وروبير غانم، الوزيرة السابقة نايلة معوض ونجلها ميشال وقائد الجيش العماد جان قهوجي.

إلا أن تلفزيون «الجديد» ذكر في نشرته المسائية أن اجتماع الحريري وباسيل «تميّز بالفشل، حيث لم يقدم الرئيس المكلف أي طروحات جديدة أو جادة، بل اكتفى بعرض جزئيات حكومية يدرك أنها مرفوضة سلفاً». وبحسب أجواء اللقاء «فإن العقد لا تزال على حالها، ولا جديد تحت الشمس الحكومية سوى استشعار البعض بأن هذا المكلَّف لا يريد أن يؤلِّف، بدليل أن محفظته من الطروحات الوزارية ظلت بدون ملاءة. لم يفتش عن حلول للثُّغَر، ولم يدوّر زوايا. وهو سأل الوزير باسيل: «هل ما زلتم عند مطالبكم؟ إذاً أنا لا أستطيع تلبيتها».

كذلك نقلت المحطة عن الأجواء نفسها، أن الحريري «بدأ للمرة الأولى التفكير في البدائل ودرس الخيارات، ومن بينها التنحّي عن المهمة التي أُوكلت إليه»، مرجحة أن يكون التلويح بالاعتذار ورقة للمناورة وكسب العطف السياسي والابتزاز، والدليل قوله لباسيل: «هيئتكن بتفضلوا السنيورة».

وبحسب «الجديد» أيضاً، فإن الحريري لم يطرح حكومة أقطاب «لأنه حسبها جيداً، فمثل هذه الحكومة ستحتّم عليه إشراك قطب سني له وزنه السياسي، وعليه فإنه كمن يدخل الدب إلى كرمه، فأي شخصية سنية ستتمثل بصفة القطب ستنافسه على زعامة رئاسة الحكومة، من نجيب ميقاتي إلى محمد الصفدي وليس انتهاءً بعمر كرامي. وهذه خطوة لن يقدم عليها الحريري كما أسرّ لبعض زائريه».

لكن ما نقلته الأجواء، قاله الحريري صراحة في إفطار قريطم غروب أمس، إذ أقر بوجود صعوبات، وأتبع قوله «إن شاء الله نكمل الحوار» مع عون، برفض شروط الأقلية فـ«المنطق يقضي بأن هناك أكثرية ربحت الانتخابات وهناك أقلية»، مردفاً «ليست الاقلية هي التي تفرض على الاكثرية شروطها، وتقول إنها تريد كذا وكذا. لقد مددنا يدنا وأظهرنا انفتاحاً واضحاً للتوصل الى تأليف حكومة وحدة وطنية، ولكن هذا لا يعني أن يصبح الأمر بأن يقولوا إننا يجب أن نقوم بما يريدونه وإلا…، فهذا منطق مرفوض بكل صراحة وبكل وضوح، وأنا سعد رفيق الحريري لن أقبل بهذا المنطق».

وأضاف إن موقفه هذا «ليس من باب التحدي ولا من باب إقفال الباب أمام الفرص، ولكن كما يقول المثل «إذا أردت أن تطاع فاسأل المستطاع». لديهم الحق بأن يطالبوا بما يشاؤون، ولكن هناك منطق يجب أن يصب في مصلحة الناخب في نهاية الامر». وأمل «بجهود الجميع» تأليف الحكومة قبل توجه رئيس الجمهورية إلى الأمم المتحدة «لأن البلد لا يحتمل عناداً ولا تحديات، ومن يرد أن يتحدّى فعليه أن يتحمل مسؤولية التحدي».

وقد جاء موقف الحريري المسائي، تتويجاً لتصعيد «أكثري» نهاري، كان أعنفه من النائب سامي الجميّل الذي قال «إن البلاد رهينة في يد حزب الله المعرقل الحقيقي لتأليف الحكومة بسبب تأثيره السلبي، إن عبر سلاحه أو عبر تهديده بـ7 أيار جديد، في بعض القادة والمجموعات التي نأت بنفسها عن أخذ الخطوات الضرورية التي من شأنها تأكيد سلطة الدولة». ومن عضو كتلة القوات اللبنانية النائب فريد حبيب، الذي بدأ بوصف عون بأنه «مشكلة المشاكل» و«يطلب شيئاً يفوق حجمه»، ليصل إلى تحميل المسؤولية لـ«الفريق السياسي التابع له» الذي «يقول إنه يريد أن يسهل ولا يريد شيئاً، ويدعم عون بمطالب تعجيزية ويسانده فيها».

وكذلك النائب أنطوان سعد الذي رأى أن «لا أجواء توحي بحلحلة قريبة أو انفراج قريب في تأليف الحكومة»، وقال إن «العقد المصطنعة باتت واضحة المعالم، والعماد عون يشكل حصان طروادة للاقلية النيابية»، آملاً «أن تزال العقبات من أمام الرئيس المكلف الذي يحمل المبادرات للجميع، وهمّه على لبنان، ولا يجوز أن يفرمل البلد لأهواء شخصية، ولا يمكن للشعب اللبناني أن يبقى دون حكومة تدير الأزمات، وتجد الحلول للمشاكل».

وبعد لقائه السفيرة الأميركية ميشيل سيسون، أعلن النائب بطرس حرب، عدم تفاؤله بتأليف الحكومة بسرعة «نظراً للشروط التعجيزية التي لا يمكن تلبيتها وتتعارض مع نتائج الانتخابات والديموقراطية». وبعدما سأل: «إلى متى يتحمل اللبنانيون حال الفلتان؟»، رأى أن «من واجب الشعب اللبناني كله أن يرفع صوته اليوم، ويعلن رفضه تقديم المصالح الفئوية والشخصية على مصلحة البلاد».

وفي المقابل، قال أمين سر تكتل التغيير والإصلاح إبراهيم كنعان، إن مطالب التكتل «واضحة، وإذا لم يتم التوصل الى تسوية يكون الحوار فقط لتسجيل المواقف ويصبح مجرد تقطيع للوقت بدل أن يكون عملية تقدم الى الأمام»، مردفاً أنه لا «أحد يستطيع أن يتحاور في ظل مواقف جامدة، لأن الحوار يحتاج إلى مرونة وإلى مناخ إيجابي ونية في التوصل إلى الاتفاق على نقاط مشتركة».

وذكر عضو كتلة التنمية والتحرير النائب أنور الخليل، أن عوامل إقليمية «شديدة التأثير على مسار التأليف، لم تحل بعد أو هي في طريقها إلى الحل»، ولذلك رأى «أن موضوع التأليف لا يزال في فترة لم تنته بعد وقد تأخذ بعض الوقت»، آملاً استكمال التقارب السوري ـــــ السعودي. وقال إن من حق عون «أن يطالب بما يراه مناسباً لحجم كتلته النيابية التي تشكل ثاني أكبر كتلة في مجلس النواب».

وفي ظل هذه الأجواء، بقي رئيس مجلس النواب نبيه بري، معتصماً بالصوم عن الكلام السياسي، ولكنه سجل خرقاً نوعياً في لقاء الأربعاء النيابي، إذ خرج النواب من عنده قائلين إن «الأوضاع المعيشية الضاغطة تحتاج إلى حكومة طوارئ»، مشيرين إلى أنه تناول معهم «الوضعين الاقتصادي والمعيشي والامور المعيشية الضاغطة على المواطنين». ورغم تأكيدهم أن رئيس المجلس لم يتطرق إلى موضوع الحكومة، تحدثوا عن انطباع بـ«أن لا جديد» على هذا الصعيد «لكنه يشدد مرة أخرى على الإسراع في تأليف الحكومة لمواجهة كل الاستحقاقات».