
مشاركة:
كان محمد رميتي يصلّي عندما استشهد. ومحمد هو الابن الأكبر، وواحد من ثلاثة وعشرين فرداً افتقدهم أبو محمد رميتي في مجزرة
حي الحجاج في الشياح، التي أودت بـ67 فرداً ضمن قافلة شهداء حرب تموز.
منذ ثلاثة أعوام، رمت الطائرات الإسرائيلية دفعةً من صواريخها على مبنيين مأهولين بالسكان والنازحين الآمنين، ووضعت حدّاً لأملهم بنهاية الحرب. ثلاثة أعوام مرّت على أهالي الشهداء، حارقةً كلهيب الصواريخ أو ربما أكثر. لم يتبدّل شيء في المكان، إلا البناء الجديد الذي يشيّد بدلاً عن المبنيين المدمرين.
هكذا، قرب هذين المبنيين، وفي ساحةٍ صغيرة لا تتسع لأحزان مجزرة، أحيا أهالي الشهداء الذكرى السنوية الثالثة لرحيل أحبّتهم. كل شيءٍ من أثر الشهداء كان حاضراًً. ملأت رائحة أيامهم عيون جيرانهم. هنا رجل يرفع نظارته، يستعيد لحظة المجزرة، ويبكي. وهناك أطفال يستذكرون أترابهم الشهداء، بصمتٍ لا يشبه صوت لعبهم.
لم ينبش الحاضرون ذاكرتهم، فالمجزرة ما زالت أكبر معلمٍ في الشارع الضيّق. اثنا عشر طفلاً قمراً زيّنوا اللوحة التي سندت المبنى الجديد، فأضاؤوا بضحكاتهم ساحة الاحتفال بالذكرى. عيونهم تنظر إلى الحاضرين، وتطمئنهم، نحن في مكانٍ آمن الآن، لا تقلقوا. أبو محمد رميتي وأم محمد وابنهما حسين «نجوم» إحياء الذكرى. كيف لا وكل من يصادفك يشير بإصبعه إلى رجلٍ أثقل موت عائلته لحيته بالشيب.
أمّا الجسد الغض لحسين، الناجي الوحيد من بين إخوته، فمليء بطعنات المجزرة، وسؤال أم محمد إذا كانت لا تزال تذكره من أبنائها، يبدو أخرقَ، فهي لم تنس شيئاً كي تتذكر. الاحتفال كان بسيطاً. كلمة لأبي محمد، والد الشهداء وأخوهم وابنهم، مجلس عزاء، ودموع كثيرة.
وفي مدافن شهداء المجزرة، عائلات أخرى، بكت قرب أضرحة شهدائها. أسمعت الأمهات نحيبهن لإلى أبنائهن في التراب، وألقى أطفال وروداً تشبه عيونهم الذابلة على أضرحة أمهاتهم. استعاضوا عن الماء، وغسلوا قبور أحبّتهم بالدموع.