
مشاركة:
كعادته إثر كل جريمة، لا يهتم تيار المستقبل بنتائج التحقيق في الجريمة نفسها بقدر اهتمامه بالثمن السياسي أو الأمني الذي سيقبضه نتيجة هذه الجريمة
بعد أحداث عائشة بكار ومقتل زينة الميري، حاول تيار المستقبل إحراج المعارضة في تفاوضها مع رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، ونجح إعلامياً في القول إن المعارضة تستخدم مرة أخرى الترهيب الأمني لتحقيق مطالبها السياسية، ليتبيّن لاحقاً أن الجريمة تحتمل توظيفاً إضافياً، ولا يفترض أن تنتهي مفاعيلها عند حدود توقيف مفتعلي المشكلة يومها ومطلقي النار على الميري.
بعدما شيِّع جثمان زينة ميري في 30 حزيران، وأعلنت قيادة الجيش في 1 تموز توقيف جميع المشاركين في أعمال الشغب وإطلاق النار التي حصلت في منطقة عائشة بكار نتيجةً لتضافر الجهود بين مديرية الاستخبارات في الجيش وفوج المغاوير، خرج النائب في تيار المستقبل نهاد المشنوق في تصريح إعلامي ليتّهم «مسؤولين في استخبارات بيروت» بثلاث تهم:
1. إثبات هؤلاء المسؤولين منذ ما قبل الانتخابات النيابية انحيازهم للمناوئين لتيار المستقبل.
2. تراخي هؤلاء المسؤولين أو حيادهم غير المبرر في أحداث عائشة بكار، ما أدى إلى تفاقم الأمور.
3. إطلاق المسؤولين أنفسهم قتلة الضحية زينة الميري بعدما كانوا موقوفين».
وأكد المشنوق أن لدى وزير الدفاع تعليمات حازمة من رئيس الجمهورية لاتخاذ الإجراءات اللازمة في حق الضباط المقصّرين، كما يصرّ نواب بيروت، رافضاً «التهاون أو التسويات من أيّ جهة كانت، سواء أكان من قيادة الجيش أم أي جهة سياسية أخرى».
عمّن يتحدث المشنوق؟
المطّلعون يقولون إن الهدف الرئيسي للحملة هو رئيس فرع استخبارات بيروت العقيد جورج خميس، واثنان من ضباط الفرع نفسه. ولكن لماذا؟
لن يكون في الإمكان الحصول على تعليق خميس. لكن المطّلعين على الموضوع يرون أن السبب الرئيسي هو أن خميس لا يعود إلى تيار المستقبل ويرفض تلقّي الأوامر من قصر القنطاري حيث الإدارة الأمنية لتيار المستقبل، بدل اليرزة حيث قيادة الجيش ومديرية الاستخبارات.
ما إن أعلنت التشكيلات الأمنية في بعض المراكز العسكرية بعد نحو أسبوعين من تعيين العماد جان قهوجي قائداً للجيش، وتعيين العقيد جورج خميس رئيساً لفرع استخبارات بيروت، حتى بدأ احتجاج بعض تيار المستقبل ورئيس الحزب الاشتراكي وليد جنبلاط على مجمل التعيينات وعلى خميس خصوصاً، على اعتبار أن الأخير قريب من العماد ميشال عون، ما دفع قيادة الجيش يومها إلى التدخل داعية مكثري الاتهامات إلى النأي بالمؤسسة العسكرية وضبّاطها عن التجاذبات السياسية، مؤكدة أن «التشكيلات التي تمّت تعتمد الكفاية والأقدمية ومصلحة الجيش والوطن قبل أي شيء».
لكن عشية الانتخابات، سارع الموقع الإلكتروني الرسمي للقوات اللبنانية في 14 أيار 2009 إلى نشر خبر «خاص بالموقع» يفيد بأن «عدداً من مخاتير الدائرة الأولى في بيروت شكوا من اتصالات تلقّوها من مسؤول فرع الاستخبارات في الجيش اللبناني في بيروت العقيد جورج خميس الذي طلب منهم بالترغيب والترهيب العمل لدعم لائحة التيار الوطني الحر في الدائرة الأولى وحضّ الناخبين على التصويت لها».
ومرّ الخبر من دون متابعة جدية حتى جاء كلام المشنوق الأخير ليبني عليه اتهاماً. فيما يعتقد مصدر أمني أن المشنوق يقوم بحركة استباقية، ويسارع إلى الهجوم ليحمي ضباطاً آخرين في فرع بيروت كانوا الحجر الأساس في الماكينة الانتخابية للمستقبل، ووزّعوا الحلوى عندما أعلن فوز تيار المستقبل سواء في دائرة بيروت الأولى أو الثالثة، معتبراً أن المشنوق يريد «مساواة الأحذية بالقبعات للضغط على قائد الجيش أثناء عملية التحضير للتشكيلات».
ويدعو المصدر الأمني المشنوق «إلى تقديم دليل واحد على انحياز الضباط المذكورين»، مشيراً إلى أن صور بعض الضباط مبتهجين بنتائج الانتخابات نشرت في صحيفة المستقبل نفسها. وينتهي المصدر إلى الجزم بأن ما لا يمكن أحداً أن يشكك فيه هو أن 3 عسكريين من بيروت «يداومون في القنطاري».
■ التراخي في عائشة بكار
يحمّل المشنوق الضباط أنفسهم مسؤولية تطور الوضع الأمني في عائشة بكار ووقوع الضحايا، لكن لبعض الأمنيين رواية أخرى، إذ يقول أحد هؤلاء إن مدير العمليات العميد مارون حتي في الجيش هو من أمر قبل يومين من الحادث بسحب الجيش من نقطة تموضع شبه ثابتة في منطقة عائشة بكار رغم تمنّي فرع الاستخبارات في بيروت بقاء عناصر الجيش في موقعهم يومي السبت والأحد.
ولاحقاً، يتابع المصدر، كانت دورية للجيش تمرّ على مقربة من مكان اندلاع الاقتتال فتوجهت مباشرة وبدأ عناصرها إطلاق الرصاص في الهواء ونجحوا في تطويق الإشكال نسبياً، ورغم طلب فرع بيروت التعزيزات في الوقت المناسب، تأخرت هذه التعزيزات كثيراً ليتبيّن لاحقاً أن مدير العمليات أمر بتوجيه التعزيزات إلى الخندق الغميق لا إلى عائشة بكار، مع العلم بأن وضع «نقطة» للجيش في أحد الأحياء ليس من مسؤولية فرع الاستخبارات في هذه المنطقة.
وفي رأي المصدر نفسه أن المشنوق سيكون المبادر إلى طلب «ضبضبة الموضوع وإيجاد تسوية حين سيكتشف أن بعض الضباط في موقع المسؤولية، الذين يحبّهم، دهموا منازل لأسباب شخصية، وأحدهم أمر بتسليم موقوفين ومطلوبين إرضاءً لتيار المستقبل، كذلك سهّل الضابط نفسه تكليف عقيد التدخل في عملية دهم لفوج التدخل الرابع لمنع القبض على أحد المطلوبين».
■ المشاركة في الجريمة
ويقول المصدر الأمني إن رواية المستقبل عن إطلاق مسلحين من حركة أمل النار على زينة الميري من تحت شرفة منزلها ثبت عدم صحتها. وفي التقرير الصادر عن مصلحة الطب الشرعي والأدلة الجنائية في وزارة العدل، الذي حصلت «الأخبار» على نسخة عنه، يقول الطبيب الشرعي الدكتور كيفورك كومبه جيان بعد معاينته جثة زينة الميري إن الأخيرة «فارقت الحياة بسبب إصابة الأنسجة الرئيسية داخل القفص الصدري كالرئة والشرايين برصاصة خارقة من مسافة بعيدة جداً».
و«نظراً إلى موقع مدخل الرصاصة ومخرجها، يتابع التقرير، فإن الرصاصة حصلت من الأيسر إلى الأيمن وبخطّ متواز تقريباً بانحناء قليل جداً لا يتعدى 10 درجات إلى الأعلى ومن القسم الأمامي للجسم إلى الخلف»، ما يعني، بحسب خبراء عسكريين، أن الرصاصة أطلقت على الميري من شرفة مقابلة توازي الطبقة التي كانت تقف فيها أو أدنى منها بطبقة واحدة (كانت الميري عند شقيقتها التي تسكن في الطبقة الثانية)، وأن بعض الشهود يؤكدون أن غالبية مسلحي أمل كانوا في الشوارع فيما كان مسلحو المستقبل على شرفات المنازل.
وفي هذا الإطار، تؤكد رواية أمنية أن من أطلق النار على الميري كان في أحد المباني المجاورة.
ويذكر الطبيب الشرعي في تقريره «أن عدم وجود آثار لوشم ناري أو حروق يؤكد أن الإصابة كانت من مكان بعيد»، مع الأخذ بعين الاعتبار أن الطب الشرعي يعتبر كل إصابة تقلّ مسافتها عن متر ونصف هي من مكان قريب، وأكثر من متر ونصف هي من مكان بعيد. وقد وجدت في المنزل حيث قتلت ميري نحو 8 رصاصات حطّت في أماكن متفرقة من المنزل والشرفة، وهو أمر له دلالاته أيضاً بالنسبة إلى التحقيق.
ورداً على كلام لنواب من بيروت، يقول المصدر إن الجيش تدخّل بسرعة وأقنع الجميع بقدرته على توفير مخرج للعدالة حتى تأخذ مجراها، لكن الغريب كان تدخّل ضباط من فرع المعلومات عند أهل الفقيدة، وتأكيد بعض عناصر فرع المعلومات، من دون معرفة قيادة الفرع ربما، صحة بعض الشائعات بما يشبه التحريض المذهبي، وخاصة أن فرع المعلومات، بعد أيام على الحادث، بادر إلى توقيف مجموعة من مؤيدي حركة أمل بطريقة عشوائية واستفزازية أدّت إلى توتّر الوضع مجدداً.