صيف الجنوب .. أهلاً وسهلاً بكم والدار أمان

مشاركة:

للعمر محطات عدة من أهمها وأبرزها ساعات يقضيها المرء بعيداً عن روتين يوميٍّ اعتاد عليه

فتبقى ساعات الاستجمام عالقة في الأذهان

والقلوب لأنها تحاكي روح الإنسان المتعبة والتي أرهقها البقاء حبيسةً لجدران مكتب أو ورشة عمل أو صخب معمل..

يحلّ الصيف فتتوجه أنظار المغتربين وقلوبهم إلى بلدهم، والمقيمين الى ربوعه الغناء، لأنه صاحب المناخ المعتدل والطبيعة الرائعة الدائمة الاخضرار، فلا ضير أن تحمل متاعك أيها المغترب أو المواطن العربي أو حتى اللبناني وتعبر المسافات لتحط رحالك عند شاطئ الناقورة..

ذاك البحر الأزرق الصافي الذي أثبت أنه من أروع شواطئ لبنان وأنظفها، وإذا لم ترغب باكتساب سُمرة من أشعة الشمس، فيجذبك نهر الليطاني بمتنزهاته الأنيسة الممتدة من الدلافة والخردلي مروراً بالقعقعية والزرارية، وصولاً حتى القاسمية، حيث تشدّك رائحة الشواء ونفس نرجيلة وأنت تتفيأ تحت ظلّ شجرة حور باسقة وإلى جانبك شجيرات الدفلى المزهرة، ولعل صوت خرير الماء وحفيف أوراق الشجر أشعرك بالنعاس، فتأخذ قيلولة تذهب عنك أرق اللّيالي الحارّة، وإذ لم يعد لحفر الطرقات مكان للاهتمام لأن معظمها بات من الماضي بعد شق وتوسيع وتعبيد غالبية الأوتسترادات بتمويل من الهيئة الإيرانية.

وإن كنت قد غبت عن الوطن لأعوام طويلة وجذبتك أخبار الملاحم البطولية التي سطرها أبناء وطنك البواسل، فإنك ستشدّ الرحال نحو المناطق الحدودية المحررة التي أذاقت المحتل طعم الهزيمة مرات ومرات بصمودها وعزيمتها.. فها هي تحضرت لاستقبالك "بسياحةٍ مقاوِمة" ولعل أبرزها تلك الحدائق التي أنشئت في مارون الراس وبنت جبيل وعلى بوابة فاطمة ومعتقل الخيام وغيرها من أماكن معالم الانتصار، عندها ستشعر أنك مطلٌّ مرفوع الرأس فوق مستعمرات العدو وأنت تشم عبير الحرية والانتصار، بين أهلك وأطفالك الذين يلهون أمام عينيك على برج دبابة مدمرة هنا، ومدفع غنمه المقاومون هناك، أو أنك تقف على بعد أمتار من السياج الحدودي ترتشف فنجان قهوة فيما الجنود الصهاينة أمامك أسرى تحصيناتهم ودشمهم المغلقة، وكم هو جميلٌ لو أنك اصطحبت معك أحد أصدقائك العرب أو الأجانب ورحت تعتزّ بالشرح له عن كل نقطة وفاصلة قائلاً: "هنا أَسرنا وهنا قَتلنا  وهنا انتصرنا"، وبعد أن تنتهي قد يميل بك المشوار او الرحلة الى ذلك النبع او النهر الذي تحدى به بلدك أسطورة جيش كان لا يقهر حيث بنيت المتنزهات مجدداً على ضفاف نهر الوزاني صاحب المياه الصالحة للشرب وليس للسباحة فقط، فهنا تحاكي بجلستك تراب ومياه فلسطين الأسيرة والجولان السوري المحتل فتجذبك تلك الورود الحمراء والشجيرات التي اخترقت السياج المصطنع..

وتغيب الشمس ولا يغيب سحر الطبيعة الجنوبية حتى يطلع صباح اليوم الثاني وانت تعتلي ترّاساً من تحت دالية معمرة تطلّ عبرها على قرى إقليم التفاح..

هنا عين بسوار وهناك 365 نبعاً  متفجراً في بلدة جباع عروس الإقليم، أو ربما تبحث بين جنبات تلك القرى فتجد أحراج اللويزة والعيشية ومليخ والريحان حيث رائحة الصنوبر لا تقف عند حدود.

عناء السياحة في الجنوب لا طعم له سوى الراحة.. هذه الراحة قد يكون ختامها عشاءً قروياً ثم سهرة مسائية عند مرتفعات قلعة الشقيف ومدينة النبطية وبيادرها التي تعج بالأماكن الخلاّبة المخصصة لاستقبال العائلات، وكذا مطاعم واستراحات مدينة صور.

هي دعوة الى أُنس الجمال.. والى حكاية الطبيعة المتجددة بخضرتها مع كل إشراقة شمس وطلوع قمر.. هو نداء يتردد صداه مع زقزقة العصافير عبر نسيمات الهواء.. لتيمم شطرك نحو جنوب لبنان.. فهو بالانتظار.