العوامل المناخية والأمراض تفرغ سنابل البقاع من حبوبها

مشاركة:

لم يعد وصف اهراءات روما التي عرف بها سهل البقاع قديما لاشتهاره بزراعة القمح يتطابق مع الواقع الحالي للسهل الكريم

 

مزارعو القمح منكوبون بالعوامل المناخية للسنة المطرية المنصرمة، التي فعلت فعلها في تدني انتاج القمح وتقلصه الى مستويات لم يعرف المزارعون لهل مثيلا من قبل، إضافة إلى الآفات المرضية الزراعية التي تسببت بها عوامل الطقس.

مع بداية السنة الحالية، وعد المزارعون أنفسهم بموسم زاهر ومربح من القمح بعد قرار مجلس الوزراء استمرار دعم هذه الزراعة وشراء محاصيلها على اساس تسعير الكيلو بـ450 ليرة، بعد سنتين من غياب الدعم. لكن حسابات الحقول لم تتوافق مع حسابات بيادر العوامل المناخية التي تكفلت بالحاق الاذى الكبير في انتاجية حقول القمح، فاهترأت السنابل وفرغت من محتوياتها من الحبوب نتيجة الصقيع والحرارة القوية في آن معاً، وبذلك تدنت إنتاجية القمح التي كان يقدرها المزارعون بستين الف طن الى حدود اربعين الف طن.

تمتد الأراضي المذهبة والمتلألئة بسنابل القمح على طول البقاع من اقصى شماله الى غربه مرورا بالبقاع الأوسط. لمئات المزارعين قصصهم التي يروون فيها عن آلاف دونمات القمح التي «سفحها» الصقيع في نيسان، أو أغرقتها السيول وكثرة الامطار «فصدئت»، وعن مرض «الرهوب» في سهل بر الياس.

«كل الآفات تجمعت في موسم واحد»، وفق ما يقول المزارع مارون الياس من سهل عميق، معللاً الأسباب بالعوامل المناخية التي تكفلت بخفض انتاجية دونم القمح من ستة «شوالات» إلى ثلاثة، علما بأن رأسمال مزارع القمح يتطلب إنتاجية ستة «شوالات» على الأقل في الدونم الواحد.

وللدلالة على فداحة خسارة المزارعين وتدني انتاجية القمح، «يقتلع» الياس عدداً من سنابل القمح من حقله ويفرط حبوبها التي لا تحتوي سوى على قشور فارغة من الحنطة، لان «سفحة» نيسان اي «الصقيع» تكفلت بتلفها وتجميدها وايقاف نموها.

ويصف كثير من مزراعي القمح في البقاع الاحوال المناخية التي تأثر بها لبنان خلال فصلي الشتاء والربيع بالغريبة والكارثية. ويشكو المزارع محمد الموسوي من طوفان مياه نيسان التي اغرقت السنابل في بدايات نموها فـ «حومرت» وصدئت واسودت اليوم، في حين ان الموعد الطبيعي للأمطار يفترض تساقطه خلال الكانونين اللذين تميزا بانحباس الامطار.

يقدر الموسوي خسارته الموسمية بالملايين لان اكثر من نصف انتاجه تلف قبل الحصاد، «إلا أن الطامة الكبرى»، وفق الموسوي، جاءت بتحويل بعض حقول القمح في سهل حشمش في خراج رياق إلى مراع للماشية لان كلفة بيع انتاجها المتدني لن تغطي كلفة حصادها.

لكل منطقة من سهل البقاع وباؤها ومرضها الذي فتك بحقول القمح. «ففي بر الياس فتك مرض «الرهوب» بمئات الدونمات وحوّل حبوب القمح الذهبية الى حبوب سوداء فارغة من محتواها»، وفق ما يقول المزارع ياسر الميس الذي يتنبأ بمشاكل للكثير من المزارعين مع لجنة استلام القمح التي ترفض استلام اي كميات دون المواصفات المطلوبة التي يفرضها اصحاب المطاحن.

يصف الميس موسم القمح الحالي بالكارثي وخصوصا ان اغلب المزارعين في سهل البقاع توجهوا في بدايات موسم الزرع نحو القمح كزراعة بعلية خوفاً من انحباس الأمطار الذي كان سمة العام الماضي والذي سبقه. ولم يجد المزارعون سوى هذه الزراعة التي اهلكت الارض الزراعية في البقاع بسبب عدم انتظام الدورة الزراعية التي تتطلب تنويعا بالمواسم من قمح الى خضار وبطاطا. ويلفت الميس إلى أن ارتفاع مساحة الاراضي المزروعة بالقمح كان احد اهم اسباب تفشي الامراض الزراعية في الحقول.

تتأتى مأساة المزارعين في سهل رياق من رؤيتهم لـ «الحصادة» في أراضيهم لا تحصد الا غبار السنابل الفارغة وما تم حصده ينتظر القرار الرسمي بتشكيل لجنة استلام القمح من المزارعين، والتي لم تبصر النور حتى اليوم.

كان يتوقع المزارع علي منذر، من سهل رياق، أن يجني 350 ألف ليرة لبنانية من كل دونم زراعي. لكن على ما يبدو اليوم فإن صاحب الحظ «السعيد» سيحصل على مئتين وخمسين ألف ليرة كسعر مبيع لانتاجية الدونم، وفق ما يؤكد منذر نفسه، آملاً أن تسارع وزارتا الاقتصاد والزراعة إلى تشكيل لجان استلام القمح للبدء بتسليم المحصول الحــــالي من الحقل الى مستودعات الوزارتين حتى لا يتكبد المزارع خسائر اخرى ناتــــجة عن كلفة تحميل وتنزيل وإيجار مستودعات التخزين.

من مآسي البقاعيين المتتابعة أن تتحول الطبيعة بمتغيراتها الى مسبب لنكباتهم وكوارثهم الزراعية التي ادمنت الدولة على تكريسها والتسبب بها، ولم يكن يعوزهم سوى التغييرات المناخية لتنضم الى قافلة الأعداء.