المغتربون طهوا برلماناً لن يتذوّقوا طعمَه

مشاركة:

عبارة تـــــــــردّدت عـــلـــى أفـــــواه ذوي الــعــائــديــن عشية الانــتــخــابــات، فأتى واقــع الأصــــــوات لــيــعــلــي شــأن’ ميزان ‘الصوت الاغترابي على’ ثلة ‘عواطف خرجت في لحظة ضعفٍ وربّما في لحظة عناق أخرست كلّ اعتبار سياسي آخر.

أبــى الصوت الاغترابي أن يترك الــصــوت الــســنــي يتيمً ا فــي سلّة الــمــفــاجــآت الــتــي خلفتها نتائج الانتخابات، فكان العائدون لغزاً محيرًا لا تفكّ شيفراته ســوى إحصاﺀ ات الأيام المقبلة. كثرت آليات استقدام المغتريبن وبقيت النتيجة واحـــدة. فلم يعد خافيً ا على أحدّ أنّ الصوت الإغترابي أحدث خروقً ا مخيفة ليس فقط في الصناديق الشفافة بل على مستوى الــتــوقــعــات والاستطلاعات التي سبقت يوم الاقتراع. وإن كانت الأرقام النهائية عن عدد المغتربين المشاركين ما زالــت ضبابيّة وغير محسومة، فإن واقع الفرز أشار بوضوح الى أن عددهم تجاوز الـ 100 ألف مقترع، كما بدا واضحً ا أنّهم قلبوا كفة الــمــوازيــن لصالح فــريــق على حساب الآخر. أشهرٌ عــدّة عمد فيها الفريقان الـــى اســتــنــزاف كــامــل جهودهما و "جيوبهما" لاســتــقــدام النسبة الأكبر من المغتربين، فكانت التذاكر المجانية سلاحًا فتاكً ا ومغريً ا بالنسبة الى المغترب الذي مضت على غيابه سنون طويلة، وها هي الفرصة اليوم تلوح أمامه للعودة الى ذويه مجانً ا ولو ليوم واحد مقابل عمليّة لا تكلّفه ســوى دقائق معدودة والقليل من الحبر الذي لم تعهده أصابعه في بلاد "الرقي." إلاّ أن تلك الدقائق كانت حاسمة، لا بل حاسمة جدًا في ترجيح كفة 14 آذار في دوائر عدّة وأهمها بيروت الأولى والكورة والبترون.

إذا كـــان الــمــشــهــد التصويتي الــذي رسمه المغتربون بأصواتهم متوقعً ا، فما لم يكن منتظرً ا تجسّد في أعدادهم الهائلة التي لم تكن بيضة قبّان وحسب بل أدت الى رفع نسب التصويت بشكل جنوني في الكثير مــن الــدوائــر. فسقطت كلّ الاستطلاعات ذات ليلة أحــد، وفاز المغتربون في أصــواتٍ إمّا مدفوعة سلفاً وإمّا بريئة من لعبة الدفع، وإن كــان هــذا الفوز لليلةٍ واحــدة تلاها ذات صــبــاح عــــادوا فــيــه أدراجــهــم مخلفين وراﺀ هـــم البرلمان الجديد الذي اختاروه بديمقراطية والذي لن يعيشوا عهوده المقبلة إلاّ عن بعد وعبر شاشات التلفزة. سائق أجــرة زحـــلاويٌ، كلامه عن برلمان "الــــولاد" يثبت أنــه مؤيدٌ "شرسٌ" للمعارضة، ومعترضٌ شرسٌ على مــا يطلق عليه صفة "الفئة العمرية الصغيرة الآتية الى التلاعب بدستورنا.". يروي باستفاضةٍ قصّة أخيه الذي وصل الى لبنان في آذار الــمــاضــي، والـــذي قــرر الصمود في بلده حتى حزيران للاقتراع استجابة لرغبة الأخ الباحث عن صوتٍ معارض إضافيّ. الأخ وصل على حسابه، وبقي على حسابه وغـــادر على حسابه، والسبب أنّ محاولات الأخ مع بعض زعماﺀ زحلة المعارضين لتحصيل سعر تأشيرة العودة الى فنزويلا لم تفلح رغم "قيمة" الصوت الزحلاوي في معركة بدت محتدمة من بدايتها. ومن 1500 دولار سعر العودة الى أقل من 300 د ولا ر وصل العرض النهائي. قد لا ينطبق ذاك المثال على جميع المغتربين، إلاّ أنّ الحالة مكرّرةً كفيلة بتوضيح صورة ضعف الــمــعــارضــة فــي تــوظــيــف الــعــامــل الاغترابي لصالحها.

فــي الــمــقــلــب الآخــــر، رفـــع الــيــوم الانتخابي الغشاﺀ عن حضور إغترابي عــايــش عملية الاقـــتـــراع فــي كــلّ مراحلها. فمن دون البحث عنهم، كانت أشكالهم ولكنتهم المكسورة تشير اليهم والى كثافة وجودهم. حتى في الدوائر التي كانت محسومة، لم يقصّر المغتربون في تسجيل حــضــورهــم الــفــاعــل كــالــشــوف على سبيل المثال لا الحصر، وعكار التي شهد المطار على وصول الكثيرين مــن أهــلــهــا الــعــائــديــن وحــتــى من عائلاتٍ مسيحية تبنت جهاراً عبارة "زيّ ما هيّ" الأشهر من أن تُعرّف. وأينما كانت الفرنسية والإنكليزية واللغات الأخرى التي يمكن تمييزها بوضوح عن الأرمنية كان المغتربون. وأينما كان الإعتراض على "سخافة حبر لا يُستخدم في فرنسا او كندا أو سواها" كان المغتربون. وأينما كانت المعركة محتدمة كان المغتربون. لــم تــتــصــدّر مــســألــة الــصــوت الاغـــتـــرابـــي صـــــدارة الــتــحــلــيــلات اللبنانية على المستويين الرسمي والشعبي فحسب، بل حضرت بقوّة على لائحة الإعـــلام الغربي حتى قبيل الانتخابات. ففي مقال نشرته صحيفة "تايمز" البريطانية عشية الانتخابات، أكدت فيه أنّ الساحة اللبنانية مــشــرّعــة عــلــى الــرشــوة الانتخابية قبيل ساعاتٍ من موعد الاقــتــراع، وأنّ عــددً ا غير مسبوق من المغتربين اللبنانين أتوا إلى البلاد للإدلاﺀ بأصواتهم، وتقاضى بعضهم مبالغ طائلة مقابل هذه الأصوات". والصحيفة التى وضعت رقم 25 ألف دولار كمعيار لشراﺀ الصوت في بعض المناطق، أشارت الى 19 ألف مغتربٍ أتوا الى لبنان فقط يــوم السبت وقبله بيومين للمشاركة في الانتخابات، معظمهم تقاضى ثمن تذاكر رحلات السفر ووسائل الاستجمام والراحة". إذا كــان الصيت لــلأرمــن، فإن الفعل في هذه الانتخابات لم يكن لهم وحدهم، بل انضمّ الى قافلة "قالبي" الأرقام مغتربون صنعوا الفوز ولكنهم لن يتذوقوا طعمه فعلاً… والــى الـ 2013 لن يكونوا حينها فــي حاجة الــى "جميل" المال الانتخابي وزعاماته، سيّما أنّ فرصة الاقتراع من وراﺀ البحار قد تكون عملياً متاحة لهم. كثرٌ من المغتربين شاركوا في عملية الاقتراع بمستنداتٍ تثبت هويتهم غير بطاقة الهوية (التذكرة) أو إخراج القيد، واستعاضوا عنهما بجواز السفر.