مشاركة:
«تساقط» قادة المحاور في طرابلس دفعة واحدة. واحدٌ تلو الآخر اصطفوا في طابور استخبارات الجيش لتسليم أنفسهم. الصفقة أُنجزت على مراحل لتُرسم بشكل مسرحي. فهل يخرج هؤلاء قريباً وتذهب دماء ضحاياهم هدراً
أبرمت الأجهزة الأمنية صفقة مع «قادة المحاور» في باب التبّانة. اتّفق رجال الأمن مع المطلوبين على صيغة تسوية تقضي بتسليم أنفسهم «شكلياً»، مقابل ضمان خروجهم من السجن خلال وقت قصير. بشائر هذه التسوية لاحت إثر تسليم قائد محور البداوي عمر ابراهيم المعروف بـ«عامر أريش» نفسه لاستخبارات الجيش قبل ثلاثة أسابيع.
ورغم أن الموقوف متّهم بالضلوع في ملفّين رئيسيين (مهاجمة موكب الوزير فيصل كرامي وتشكيل عصابة إرهابية مسلّحة، فضلاً عن التورّط في حوادث خطف وفرض خوّات وإحراق صهاريج مازوت في طريقها من سوريا وإليها)، إلّا أن التحقيقات التي أجريت معه وصلت، أو تكاد، إلى خواتيمها. فيما نقل أريش، على عجل، وبوساطة من أحد الضبّاط البارزين، إلى سجن القبّة. في موازاة ذلك، أسقط الوزير كرامي حقوقه الشخصية ضدّه، بل ويعمل على إقفال الملف نهائياً، فيما ترجّح المعلومات أنّ تُهم الإرهاب وتشكيل عصابة مسلّحة المتّهم بها قائد محور البداوي قد جرت لفلفتها، في انتظار الإفراج عنه قريباً.
وعلى خطى أريش، سار بقية أبرز قادة المحاور. وبحسب المعلومات، بعد الضمانات التي حصّلها هؤلاء جرّاء التسوية المبرمة، اتّخذ كل من سعد المصري وزياد الصالح المعروف بـ«زياد علّوكة» وخالد القوّاص وعمر المحيش وحسان سرور وعلي شركس، ليل أول من أمس، قرار تسليم أنفسهم لاستخبارات الجيش ظهر أمس. ولحقهم في وقت متأخر من ليل أمس، نجل قائد محور بعل الدراويش محمد الحلوة المعروف بـ «أبو دعاس»، ومطلوب ثالث يدعى أحمد العبود، جميعهم سلّموا أنفسهم للاستخبارات أيضاً.
وبحسب المصادر، «معظم هؤلاء في الجيبة»، أي إنهم تحت السيطرة. يبقى التمايز بينهم في حجم التورّط ونظافة الكف من الإشكالات الفردية والمسلّحة في عاصمة الشمال. وفي المفاضلة، يفوز المصري لكونه أقل المتورطين، على الأقل شخصياً، في معظم الحوادث التي شهدتها طرابلس خلال الأحداث الأخيرة. وفي مقابل هؤلاء، تبرز مجموعة تُعد الأشد خطورة، بحسب الأمنيين. وعلى رأسها يتربّع أسامة منصور المعروف بـ «أبو عمر». يليه كل من محمود النحيلي المعروف بـ «أبو جمال» ومحمود الحلاق وخالد الراعي وشادي المولوي، وهم لا يزالون طلقاء.
وتخلص المصادر إلى أن التسوية كانت مجّهزة سلفاً، ولا سيما أن الاستنابات القضائية التي سُطّرت لم تلحظ اسم القيادي في تيار المستقبل، العقيد المتقاعد عميد حمود. أو على الأقل، لم يُصَر إلى مجرّد استدعائه لسؤاله عن بعض الحوادث الأمنية التي «زُجّ» فيها اسمه بعد انفجار مستودع الأسلحة في أبي سمراء في شباط ٢٠١٢، والذي تردد آنذاك عن علاقة له به. وفي هذا السياق، تنقل المعلومات أنّ عدداً من الموقوفين لدى فرع المعلومات أجابوا لدى سؤالهم عن مصدر المال والسلاح الذي كانوا يحصلون عليه بالقول: «المال من أشرف ريفي والسلاح من عميد حمود». وقد تكرر ذلك مع أحد قادة المحاور حاتم جنزرلي الذي أوقفه الجيش في وقت سابق، وذكر في إفادته حصوله على المال من كل من ريفي والشيخ سالم الرافعي.
من جهة أخرى، تنقل المصادر وقائع اجتماع عُقد في منزل وزير العدل في حضور أحد أبرز المطلوبين فيصل الأسود، إضافة إلى كل من عضو بلدية طرابلس خالد صبح والشيخ خالد السيد والشيخ كمال البستاني وآخرين، تطرّق فيه المجتمعون إلى مصير المطلوبين، فردّ ريفي بأنّ «هؤلاء أبناؤنا ولن نتركهم مهما حصل».
هكذا تطوي طرابلس صفحة قادة المحاور، لكن حتى حين. قرار وقف المسرحية، كان ولا يزال، في يد الأجهزة الأمنية. هذه الأجهزة نفسها التي تترك هؤلاء ورقة قابلة للاستغلال في أي وقت، فيما لسان حالها يخاطب المطلوبين: «بوركتم على جهدكم. آن الأوان أن تتوقفوا، لكن أبقوا أصابعكم على الزناد جاهزة متى احتجنا إليكم».
وقد أحدث الخبر «صدمة» في طرابلس، سواء بالنسبة لأهالي المدينة الذين تلقوا النبأ بارتياح، أو بالنسبة لبقية المطلوبين الفارّين، الذين رأوا أن تسليم أبرز قادة المحاور أنفسهم، يعني أن من هم أقل منهم حجماً وتأثيراً ليس أمامهم إلا تسليم أنفسهم بالطريقة نفسها، أو البقاء فارّين من وجه العدالة.
مصادر سياسية تحدثت الى «الأخبار» رأت أن «إقفال صفحة الاشتباكات والمطلوبين في طرابلس على هذا الشكل، لم يكن يحتاج إلى أكثر من قرار سياسي، وأن هذا القرار لو كان متخذاً منذ البداية لوفّر على المدينة المآسي والخسائر البشرية والمادية التي تكبدتها على مدى 5 سنوات، ما يثبت أن العناوين والشعارات التي رفعت سابقاً لإبقاء التوتر الأمني قائماً في المدينة، كانت مجرد فقاقيع صابون».
وعلّق مصدر إسلامي على الحدث مشيراً الى أنّ «قادة المحاور المذكورين ليسوا سوى جسر يجري العبور فوقه تمهيداً لتوقيف مطلوبين إسلاميين، معروفين بالأسماء، مطلوب القبض عليهم أحياءً أو أموات».
في غضون ذلك، ألقى عناصر الاستخبارات القبض على مصطفى رمضان الملقب بـ«الرانج»، وهو قائد محور في منطقة جبل محسن. فيما ادعى مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر أمس على عشرة أشخاص من باب التبانة، بينهم خمسة موقوفين شاركوا في أحداث طرابلس الأخيرة، تبعاً للادعاءات السابقة، وأحالهم على قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا.
الاخبار