المعارضة في الجنوب وبعلبك: الديموقراطيّة القاتلة للتغيير

مشاركة:

يقترب حزب الله وحركة أمل من إعلان نهائي للوائحهما الانتخابية في أقضية الجنوب والبقاع.

وسوف يقوم بينهما وبين التيار الوطني الحر والحزب القومي تفاهم على المقاعد غير الشيعية. وتعبئة الجمهور لأجل رفع نسبة التصويت والتأكيد للقريب والبعيد، أن الخيار الأول عند سكان هذه الاقضية هو مع المعارضة أوّلاً ومع المقاومة ثانياً ومع صيغة التمثيل الرسمي الذي يعكسها الرئيس نبيه بري ثالثاً.

وسوف يظهر التصويت، كما في كل مرة، رغبة هذا الطرف أو ذاك في التمايز لجهة نسبة الأصوات التي حصل عليها فلان أو علان. وسوف تتنافس قوى محلية في ما بينها لأجل إبراز قوّتها التجييرية استعدادا للانتخابات البلدية المقبلة، وسوف ينشط من هم في موقع المفاتيح للتأكيد على مبرر وجودهم والحاجة إليهم.

ومن جانب الذين سوف يصوّتون لمصلحة هذا التحالف، سوف يخرج من يرى في التصويت إعلان ولاء أو وفاء لهذه الجهة السياسية، وسوف يعمد كثيرون إلى التصويت للوائح كما هي، فيما ينشط آخرون لاظهار تمايزهم كأفراد شكّلوا لوائحهم، كما سوف يستفيد الآخرون من دورة الانفاق التي ترافق الانتخابات، تلك التي تشمل كل شيء من بونات البنزين واستئجار السيارات، إلى الزفت الذي سوف ينتشر ولو ترقيعا في الأزقّة. أو معالجة بعض المعاملات المتوقفة في بلديات أو وزارات أو مؤسسات عامة أو خاصة. مرورا بالمطاعم ومتاجر الألبسة والقبّعات وما يقترب منها من مطابع وناشري إعلانات.

كذك، سوف ينشط آخرون، على خصومة مع هذا الائتلاف، بهدف تسجيل الحضور، وثمة سعي ليكون التسجيل أكبر من السابق، والاستفادة من أموال كبيرة تنفق على هؤلاء من جانب خصوم المقاومة الذين يريدون أن يثبتوا لأصحاب المال والقرار في السعودية والولايات المتحدة أن في لبنان شيعة ومسيحيين معارضين لتحالف المعارضة. وسوف يسعى هؤلاء إلى تنشيط ذاكرة عائلية عند العشرات من الجنوبيين والبقاعيين بغية ادخال أسماء في لوائح مركّبة، وسوف يتجاهل كثر من هؤلاء خصومات سابقة، فلا تعود هناك مشكلة بين يساريين قام حضورهم عى منافسة الاقطاع السيء، وبين ورثة هذا الاقطاع من الذين جرى تلقينهم عبارات عن التغيير والمستقبل الواعد والحداثة.

بين هؤلاء كافة سوف تقف فئة صغيرة، تختار ما تختار من اسماء ومرشحين، لأسباب شخصية أو عائلية أو سياسية. وبين هؤلاء غالبية تدعم المقاومة لكنها لا ترحب بالسياسة الداخلية لحزب الله. ومن هؤلاء من هو معجب بالحضور الشخصي لرئيس المجلس، لكنها غير معجبة ابدا بمرشحيه أو بحركة أمل نفسها. وهؤلاء سوف يكون صوتهم مجملا لعملية انتخابية لن تحقق تغييراً كبيراً لا في السياسة ولا في الأشخاص. علما أن تبدلات ممكنة قد تحصل على صعيد الترشيحات عند هذا الفريق أو ذاك.

على أن كل هؤلاء مجتمعين، لن يشكّلوا أكثر من سبعين في المئة من المسجلين على لوائح الشطب. وهي نسبة عالية، ولا تعني أن كل من لم يشارك هو معارض لهؤلاء المتنافسين، إذ لطالما حالت أسباب شخصية او لوجستية دون تصويت عشرات الالوف في لبنان، لكن البقية التي لن تخرج من منازلها يوم الاقتراع، او هي مترددة في ما تفعله، فهي المجموعة التي تعيش تناقضات لا تقل قسوة عن تلك التي يعيشها لبنان.

فبين هؤلاء من لا يجد لنفسه وافكاره وطموحاته مكانا في السوق الانتخابية، وبين هؤلاء من فقد الأمل بالتغيير على ايدي المتنافسين الذين جددوا لصيغة الحكم الطائفي في البلد، وتحول الترقي الاجتماعي في اوساط الناس إلى سلم يقوم على قيم النظام الطائفي والفاسد نفسه، وبين هؤلاء من لا يريد تغطية مثل هذه المسرحية التي لن تقدم ولن تؤخر في إدارة لبنان، وبين هؤلاء من يعتقد أن المقاطعة سوف تعني موقفا قد يلفت انتباه الآخرين من أصحاب الشأن إلى وجود من هو غير راضٍ عن سلوك القيمين على المقاعد البرلمانية في هذه المناطق منذ توقف الحرب الاهلية في لبنان.

لكن، هل هناك من معنى سياسي أو برنامجي أو اصلاحي لكل هذه الاتجاهات بين المصوتين أو المقاطعين أو الانتهازيين.

ليس في المتداول والمتاح ما يشير إلى ذلك، بل ليس هناك حافزية عالية سوى عند خصوم التحالف المعارض الذين يعتقدون أن عدم خوض المعركة يعني انهزاما كاملا، وأن خسارة الانتخابات تعني فوزا بثقة مجموعة من الناس قابلة لأن تتعزز مع الوقت. أما المقاطعون فهم يلجأون إلى التصويت السلبي الذي لا يغير في الواقع شيئاً، لكن ما هو أخطر أنه لا يتم وفق آلية تتيح تحول عدم التصويت الى موقف ملموس عند الجمهور وعند المعنيين في الطرف النافذ، لان قسم كبير من المحتجين على التحالف المعارض هم الذين لم يعثروا على مكان في هذا القطار، ولم يجرّبوا في الدعوة للالتحاق بهذا التحالف. او انهم من اذين تعودوا على لقب المرشح الدائم، أو مشروع النائب، لكن كلامهم التعبوي لا يضيف جديداً على الذي نعرفه منذ عقدين تقريبا.

مرة جديدة، يلجأ تحالف الأقوياء إلى استخدام الديموقراطية لاجل بناء جسم انتخابي متكامل، ومرة جديدة يستخدم هؤلاء الديموقراطية لاعدام فرصة الآخرين في الحصول على تمثيل حقيقي، بحيث لا يكون منة من أحد، ولا فائضا على موائد الكرام. فلا بأس من مقاطعة اساسها: أن من ليس بيده تغيير الأمر، فليعلن رفضه التجديد لطبقة ليس أكيداً أنها سوف تغير في الواقع الداخلي شيئاً.. إنه أضعف الايمان!