مشاركة:
بينما يتقدم الصراع بين قوى المقاومة وإسرائيل من جهة، وقوى المقاومة والاحتلال الأميركي في المنطقة من جهة ثانية، نحو مستويات جديدة تتجاوز كل
ما سبق أن عرفه العرب في تاريخهم
فإن جهات عدة دبلوماسية وسياسية وإعلامية لا تزال غارقة في أدبيات ونظريات تعكس خيالاً فقيراً لناحية التقدير والتوصيف والتحليل، وبالتالي، الاستنتاج.
مثلاً هناك من يصرّ على القول إن إيران إذا أرادت مناقشة الملف النووي الإيراني مع الغرب فإنها تعمد إلى توجيه رسائل من خلال إطلاق صاروخين على شمال فلسطين المحتلة من لبنان، أو أن سوريا تريد توجيه رسالة إلى الأميركيين أيضاً فتطلب من جهات موالية لها في لبنان إطلاق صواريخ بالية نحو المستعمرات الشمالية، أو أن حزب الله يريد أن يعبّر عن غضبه من فريق 14 آذار فيعمد إلى إطلاق هذه الصواريخ.
بالتأكيد لا الولايات المتحدة ولا إسرائيل يفكران بهذه الطريقة، حتى قوات الطوارئ الدولية المنتشرة جنوبي نهر الليطاني لا تعتقد بذلك، لكن هؤلاء إنما يفعلون ذلك لسببين:
الأول لجهة النقص الكبير في المتابعة والمواكبة وقياس الأمور من حولنا على طريقة إدارة جلسة ما يسمّى الأمانة العامة لفريق 14 آذار، أو الاجتماعات الفولكلورية التي تعقدها الكتل النيابية والمكاتب السياسية والتنفيذية للقوى المكوّنة لهذا الفريق. وهذا أمر حقيقي لا يجوز تجاهله عند الغالبية من مفكري هذا الفريق وكتبته.
الثاني لأن هذا الفريق لا يملك أجندة واقعية مستندة إلى برنامج متكامل، ولا يجد أمامه سوى ما يفيده في ما يعدّه عملية التعبئة الداخلية من جهة، وعملية التحريض على الآخرين من جهة ثانية. ويبدو أن هذا الفريق لا يفهم أن استخدام هذه اللغة لم يعد يفيد لا في إبعاد جمهور المقاومة عن خيارها، ولا في جعل جمهورهم يرفض المقاومة كمقاومة، باعتبار أن التحريض الفعلي على المقاومة يأخذ الآن شكلاً سياسياً ـــــ مذهبياً أكثر منه تناولاً لموضوع المقاومة بحد ذاته، لأن أولياء نعمة هذا الفريق يعرفون أن المقاومة لم تعد مجرد خيار يمكن الأخذ به أو رفضه بل تحولت إلى واقع يملك عناصر ذاتية وعامة لحمايته بأقوى مما لدى هذه الحكومات أو القوى من إمكانات للعيش طويلاً.
ورغم أن البحث الميداني عمّن يطلق الصواريخ لم يصل إلى نتائج نهائية أو معلنة على الأقل، فإن قوات الأمم المتحدة أبلغت إسرائيل ما تراه خلاصة تحقيقاتها، وفيها أنه «لم يظهر أي معطى يدل على علاقة مباشرة لحزب الله بالمجموعات التي تطلق الصواريخ، وأن طريقة إطلاق هذه الصواريح ونوعيتها لا تعكسان احترافية حزب الله، لكن ذلك لا يمنع أن حزب الله ربما يوفّر الأرضية أو يغضّ الطرف عن الذين يقومون بهذا العمل». وفي مكان آخر يقول المشرفون على هذه القوات، ولا سيما الفريق الأمني الذي يعمل لأجلها من سفارات أجنبية في بيروت، إنّ «مجموعات فلسطينية أصولية قد تكون وراء هذه العمليات لأغراض كثيرة من بينها زعزعة الاستقرار في المنطقة الحدودية».
ووفق هذه الخلاصات يفترض بالقوات الدولية أن تمتنع عن أي عمل من شأنه المس بالمقاومة استطلاعاً أو خلاف ذلك، وأن يقتصر عملها على التنسيق مع قوات الجيش اللبناني الموجودة هناك، إضافةً إلى التنسيق القائم في ما بينها، ولكن يبدو أن القوات الدولية سواء من تلقاء نفسها أو بطلب من حكوماتها أو تلبية لرغبات إسرائيلية مستمرة تضع أمامها جدول أعمال من نوع مختلف، إذ بالنسبة إلى إسرائيل وإلى جهات بارزة في هذه القوات، فإنه بمعزل عمّن يقف خلف إطلاق الصواريخ، يجب الاستفادة من هذا الأمر لتحقيق سلسلة من المطالب ذات الطابع الأمني والعسكري التي عجزت إسرائيل قبل حرب تموز وأثناءها وبعدها عن تحقيقها، ولا سيما ما يتعلق منها بعملية المسح الكاملة لمناطق واسعة في الجنوب اللبناني، سواء شمالي نهر الليطاني أو جنوبيه.
وعلى هذا الأساس بادرت جهات في القوات الدولية إلى إثارة الأمر من زاوية أن تكرار إطلاق الصواريخ من جانب مجهولين وفي مناطق غير مسكونة تقع في معظمها في القطاع الغربي من الجنوب يوجب الانتقال من العمل اللاحق الذي يهدف إلى معرفة ما الذي يحصل إلى العمل السابق الذي يمنع حصول هذه الأعمال، وبالتالي فإن هذه الجهات تريد الآن القيام بعملية مسح لكل هذه المناطق، والدخول إلى أمكنة خاصة بالمواطنين للتفتيش والدهم، وكل ذلك لا يقع ضمن مهمّات القوات الدولية ولا ضمن الاتفاقيات التنفيذية للقرار 1701، ثم إن وجود القوات الدولية هو حصراً لدعم السلطات العسكرية والأمنية اللبنانية للقيام بمهمّاتها منعاً لزعزعة الاستقرار في المنطقة.
وبحسب مطّلعين فقد جرت مناقشات منذ مدة طويلة بشأن هذا الأمر، وثمة مناقشات تقنية جرت مع الجهات المعنية في القوات الدولية، حتى إنّه جرى إبلاغ جهات غربية معنية بالأمر بأنه يصعب تعديل مهمّات القوات الدولية بحجة انطلاق صواريخ بالية من مناطق جنوبية. يبقى أن في القوات الدولية من ضباط عسكريين ورجال أمن من لم يفهم بعد أن ثمة دوائر حمراء قامت حول المقاومة وسلاحها لا مجرد خطوط حمراء، وأن تجاوزها أمر صعب للغاية وكلفته باهظة بأكثر مما تتحمّل هذه القوات دفعه.. فهل من يفهم ويشرح لهؤلاء؟