مشاركة:
أما السؤال الذي ترددت أصداؤه يوم أمس في الوسطين السياسي والدبلوماسي فهو:
متى اللقاء بين الأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله،
مع كلّ من رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري، ورئيس اللقاء الديموقراطي النائب وليد جنبلاط؟ بعدما أصبحت المسألة ـ بنظر البعض ـ وكأنها قد أصبحت مسألة وقت، أو مسألة إنجاز الترتيبات، وأيضا الإجراءات الأمنيّة التي لا بدّ منها.
وهناك الكثير الذي يمكن البناء عليه، انطلاقا من خطاب جنبلاط الذي انطلق من ساحة الشهداء في الذكرى الرابعة لاستشهاد الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، ثم ازدان بالروية والحكمة وروح التسامح بعد استشهاد المواطن لطفي زين الدين.
ويقول دبلوماسي عربي متابع: لقد أدار الرؤوس اليه، وهو يتحدث وسط جمهوره الغاضب، وأدار في الرؤوس الكثير من علامات الاستفهام والتعجب حول الأبعاد والخلفيات التي أملت كلّ هذا الاعتدال، وكل هذا الانضباط لتلافي ردود الفعل الانفعالية.
ويضيف ـ في توصيف أدق ـ أن اللافت في الذكرى الرابعة كان الخطاب المسيحي المتشنج، سواء عند الرئيس أمين الجميّل، أو عند سمير جعجع، فيما أمارات التمايز كانت واضحة وجليّة في كل من خطابي الحريري وجنبلاط، خصوصاً في مخاطبتهما الداخل اللبناني، والرسائل التي وجهاها الى الشريك الآخر في الوطن، وربما الأمر يعود الى المناخ الانتخابي المتشنج في الدوائر ذات الغالبيّة المسيحيّة، حيث تشير كل التقارير المتوافرة على أن لا معركة انتخابيّة حقيقيّة إلا في هذه الدوائر.
ويطلّ الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصر الله، في الذكرى الثانية لاستشهاد القيادي عماد مغنيّة، ليردّ على التحيّة بأحسن منها، من دون التفريط بالثوابت التي تنادي بها المقاومة، وهذا ما عمّق الغوص في البحث عن الأبعاد والخلفيات التي غلّبت لهجة التهدئة، على الرغم من تعثّر مسيرة المصالحات، وتنامي حجم المواضيع والملفات الخلافيّة، وظهور بعض المؤشرات المقلقة من عودة نغمة الخطف، الى نغمة الإشكالات الأمنيّة المبنية على ترسبات سياسيّة ومذهبيّة، والتي حصدت شهيدا جديدا.
وفي سياق ما هو متداول، أن الزبد التهدوي الظاهر في بحر بيروت، إنما هو انعكاس للتموجات العربيّة ـ الإقليميّة، وما تشهده دمشق والرياض والقاهرة من حركة ناشطة تحت شعار إعادة توحيد الصف العربي، لإيجاد الإطار الفاعل والمتمكن من توحيد الصف الفلسطيني الذي يشكّل إحدى أبرز أولويات هذه المرحلة على الصعيد العربي.
وليس سرّاً القول إن لهجة الاعتدال التي خرجت مدوّية من ساحة الشهداء، جاءت متزامنة مع وصول رئيس جهاز الاستخبارات السعودي الأمير مقرن بن عبد العزيز الى العاصمة السوريّة، حاملاً رسالة انفتاح من الملك عبد الله بن عبد العزيز الى الرئيس بشّار الأسد، ومتزامنة مع وصول الأمين العام لجامعة الدول العربيّة عمرو موسى الى دمشق الرئيسة الدوريّة للقمة العربيّة، وحديثه الإيجابي عن القمة الواعدة التي ستعقد نهاية آذار المقبل في الدوحة، والتي ستكون ـ حسب قوله ـ قمة المصالحة وإعادة توحيد الصف العربي.
وترتفع حرارة التفاؤل نسبيّا مع الأجواء المؤاتية التي نقلتها المفوضة الأوروبيّة للعلاقات الخارجية وسياسة الجوار بينيتا فيريرو فالدنر من دمشق الى بيروت حيث تفيد مصادر لبنانية مطلعة بأنها كانت في غاية الارتياح، إذ سبق لها أن زارت سوريا مرّات عدّة، لكنها لم تحصد نتائج واعدة كتلك التي حصدتها خلال هذه الزيارة، وقد ردّت ذلك الى اعتبارات أبرزها:
اولا: جدوى وفعاليّة سياسة الانفتاح التي انتهجها الرئيس نيكولا ساركوزي على دمشق عندما كانت فرنسا الرئيس الدوري للاتحاد الاوروبي، والتي استكملها بعده العديد من الزعماء الأوروبيين، الأمر الذي أدى الى فكّ العزلة الدوليّة عن سوريا.
ثانيا: تنامي سياسة الحوار والانفتاح بين دمشق وواشنطن مع وصول الإدارة الأميركيّة الجديدة برئاسة باراك أوباما الى مراكز القرار، وهو حوار وانفتاح كان قد دشّنهما وزير الخارجيّة وليد المعلّم في لقائه الشهير مع نظيرته الأميركيّة السابقة كوندليسا رايس في نيويورك على هامش الدورة العادية للجمعيّة العامة للأمم المتحدة.
ثالثا: استكمال مسيرة المصالحة التي تمّت على أبواب القمة العربيّة في الكويت بين الملك عبد الله بن عبد العزيز، والرئيس الأسد، والرئيس المصري حسني مبارك، وأمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة، والانتقال من مرحلة كسر الجليد الى مرحلة تذويبه بعد زيارة الأمير مقرن بن عبد العزيز الى سوريا.
رابعا: الإقرار بدور سوريا المحوري في إنجاح المصالحة الفلسطينيّة ـ الفلسطينيّة من جهة، وإنجاح الجهود التي يبذلها الرئيس التوافقي في لبنان من جهة أخرى بعد قيام العلاقات الدبلوماسيّة بين البلدين.
وتؤكد المصادر أن السيدة فالدنر قد تركت وديعتين برسم المسؤولين والقادة اللبنانيين قبل أن تغادر بيروت: الحرص على الانتخابات، وبأعلى نسبة من الاستقرار الأمني، والحرص الأوروبي على مراقبة مدى احترام معايير الشفافيّة أثناء العملية الانتخابيّة. إلا أن المهمة الرئيسيّة كان عنوانها مختلفا وينحصر بدعوة سوريا للانخراط أكثر في مسيرة سياسة الجوار بين الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة، والمشاركة بفعاليّة في المؤتمر الذي ستستضيفه بروكسيل الأسبوع المقبل، وأيضا دعوة لبنان للاستفادة أكثر من هذا المناخ المؤاتي بعد الانفتاح الأوروبي على سوريا، وانفتاح كلّ من سوريا ولبنان على علاقات تكامليّة انطلاقا من التبادل الدبلوماسي، وفتح السفارات.
وكانت فالدنر قد طرحت أسئلة محددة عن التحديات التي يمكن أن تواجه الانتخابات، وأعارت آذاناً صاغية للمسؤولين وهم يحدثونها عن أجواء التهدئة، كما أبدت اهتماما خاصا بالخطاب السياسي «التهدوي المتزن» الذي بدر من قيادات في 8 و14 آذار، وترددت أصداؤه بعيدا، خلال فترة وجودها في المنطقة، إلا أنها سمعت بالمقابل من بعض الذين التقتهم: هل سيزبد بحر بيروت بالمزيد من التهدئة والتفاهمات نتيجة التموجات المؤاتية في المنطقة، أم أن انطلاقة المحكمة الدوليّة ستشكّل إعصاراً تكون له تداعيات على الساحة؟