مشاركة:
الشيخ راغب حرب، السيد عباس الموسوي، الحاج عماد مغنية:
ثلاثة قادة.. ثلاثة شهداء.. شكّلوا عناوين أساسية في مسيرة المقاومة الإسلامية
ضد الاحتلال الصهيوني في لبنان، وتركوا بصماتهم الفاعلة على ثلاث مراحل من عمر هذه المقاومة، وطبعوا ميّزاتهم الخاصة على تفاصيلها، فكان لها نتائجها الميدانية المؤثرة وأبعادها الاستراتيجية التي لا بد أنها ستجد ترجمتها الفعلية في أي منعطف يشهده لبنان والمنطقة..
لم يكن الحديث عن هؤلاء الخالدين ليحجز له مكاناً خاصاً واستثنائياً في السرد التاريخي لمسار المقاومة في لبنان، لولا أنهم لم يختموا حياتهم بتاج الشهادة، ولولا أنهم لم ينقشوا أسماءهم بأحرف من نور في سجل العظماء الذين تجاوزوا المكان وقهروا الزمان وكسروا حدود الصمت والقعود، فمشوا وسار وراءهم الخلق فرادى فجماعات فسيلاً هادراً أطلق الصرخة بموازاة الرصاصة، وبذل الدم بموازاة العرق، وجاد بالنفس بموازاة الحرث والنسل، فكان أن جرف معه كل أصنام السياسة وبنى الصروح المتهاوية وأعاد كتابة التاريخ.
مرحلة الانتفاضات
وبعيداً عن الوجدان واقتراباً من الحقيقة والأثر، وفي ذكرى استشهاد القادة بين شباط 1984 إلى شباط 1992 إلى شباط 2008 خط غير منقطع من الزخم المقاوم بدأ بالشيخ راغب حرب الذي اختط بمقاومته الشعبية نهجاً تماهى مع السلاح واستنهض البنادق المدفونة في بساتين الهروب أمام جحافل الجيش الإسرائيلي، وأطلق سلاح الموقف ورفع شعار رفض مصافحة المحتل لأن "الموقف سلاح والمصافحة اعتراف"، فكانت الانتفاضات عنوان المرحلة الأولى من مسيرة المقاومة، بحيث فرضت على الاحتلال أن يعيش حالة رد الفعل على العمليات التي استهدفت جنوده وتجمعاته البشرية والآلية، ومن ثم الاندفاع نحو خيارات يائسة تمثلت بالمداهمات والاعتقالات وفرض أحكام تعسفية لتضييق الخناق على الناس وضرب وتيرة حياتهم اليومية كأحد الأساليب الترهيبية، ولكن هذه الممارسات أنتجت مفاعيل عكسية على العدو، حيث رد الناس باعتصامات وتظاهرات واحتجاجات شكلت احتضاناً وتبنياً شعبياً لخيار المقاومة.
المقاومة معجزة العصر
قتل الاحتلال الشيخ راغب بعد أن يئس من كسر شوكته، لكن دمه امتد ونما وتضخم، وتحوّل إلى ثورات عارمة تصاعدت معها عمليات المقاومة لينسحب العدو من العاصمة بيروت ومعظم المناطق اللبنانية ويتقوقع داخل ما سمي بـ"الشريط المحتل". وبلا شك فإن شهادة الشيخ راغب قد أسقطت المشروع الإسرائيلي الذي كان يستهدف باجتياحه في العام 1982 تغيير المعادلة الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط انطلاقاً من لبنان، في ظل سقوط عربي وإسلامي شامل، وإحباط عام نتج عن يأس الشعوب من المراهنة على أنظمتها. فكان دم الشيخ راغب صدمة وصفعة للمتخاذلين الذين رأوا أن مجموعات قليلة العدد والعدة استطاعت أن تجبر أعتى قوة في المنطقة على الانسحاب بدون قيد أو شرط، واستمرت المقاومة واستعاد الناس الثقة بالنصر والقدرة على غلبة الاحتلال. وعن هذه المرحلة يتحدث سيد شهداء المقاومة الاسلامية السيد عباس الموسوي فيقول إن "المقاومة الإسلامية استطاعت وحدها أن توقف الناس على أقدامهم بوجه العدو الإسرائيلي.. وانتقلت بالأمة من مرحلة الهزائم المتكررة إلى مرحلة النصر، ومن مرحلة الهروب إلى مرحلة الهجوم.. فكانت المقاومة الإسلامية معجزة تاريخنا المعاصر".
الحرب المفتوحة في العام 1985
"الحرب المفتوحة هي مفتوحة من العام 1948، وعندما فتحت لم أكن موجوداً ولا الحاج عماد كان موجوداً ولا السيد عباس ولا الشيخ راغب".. هذه الكلمات قالها الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله في كلمته في ذكرى أسبوع المقاومة الاسلامية وأسبوع الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، وقد استمرت هذه الحرب مع العدو في لبنان، وكان العام 1985 وما بعده عنواناً لمرحلة جديدة، تحولت فيها المقاومة الشعبية إلى فعل عسكري مسلح ومنظم بعدما أعاد العدو نشر قواته داخل منطقة "الشريط المحتل"، وكان أن اختار السيد عباس الموسوي الجنوب مستقراً له، وأن يتولى مسؤولية قيادة المقاومة ويشرف على أدائها ويشارك في التخطيط لعملياتها ويودع المجاهدين ويستقبل العائدين ويزف الشهداء، ويصدح بقوله على المنابر، ويحضر بعمله متنقلاً من بلد إلى بلد مستنهضاً النفوس وشاحذاً الهمم، وكان في كل ذلك يجهد لترسيخ فكر المقاومة ونهجها في أي موقع تولاه، إلى أن تولى مسؤولية الأمانة العامة لحزب الله.
شهادة القائد وانتصار العام 2000
اغتال العدو السيد عباس في 16 شباط 1992 مع زوجته وطفلهما، وظن الاحتلال أنه نجح في توجيه ضربة قاصمة للمقاومة التي كانت قد أنهكت جنوده وعملاءه، ولكن دم السيد عباس كما دم الشيخ راغب، كان بمثابة الوقود الذي ضخ في عروق المقاومين المزيد من الزخم الجهادي، كما استطاع أن يرفع مستوى الوعي لدى المجتمع اللبناني والفلسطيني بشكل خاص والمجتمعين العربي والاسلامي بشكل عام، فكان أن ارتقت المقاومة بعملياتها وحضورها السياسي والعسكري والاجتماعي، وحققت المزيد من الانتصارات، ولا سيما في عدوان تموز 1993 وعدوان نيسان 1996 وصولاً إلى تحقيق الانتصار الأول في أيار من العام 2000 ودحر العدو من معظم الأراضي اللبنانية المحتلة منكفئاً إلى مزارع شبعا المحتلة. واستطاع السيد عباس بشهادته ان يدخل المقاومة إلى كل بيت وقلب ووجدان في لبنان وعلى امتداد العالمين العربي والإسلامي، وهيّأ للمقاومة أوسع حاضنة شعبية وأسس دمه للمرحلة الثالثة.
عماد المقاومة
لقد كان القائد الشهيد الحاج عماد مغنية، عنوان المرحلة الثالثة من مسيرة المقاومة الاسلامية ورمزها، فقد كان القائد الميداني للتحرير التاريخي في 25 أيار عام 2000، وكان القائد لعملية الأسر الأولى بعد التحرير وللعملية المعقّدة في أسر العقيد الصهيوني ألحنان تتنباوم، اللتين أثمرتا تحرير عدد كبير من الأسرى اللبنانيين والفلسطينيين وغيرهم، وكان القائد المتابع لكافة التفاصيل للتحضيرات والجهوزية للدفاع عن لبنان أمام أي حرب محتملة، بعد أن فتح آفاقاً جديدة على المستويين النوعي والكمي، ونقل المقاومة الاسلامية من استراتيجية حرب العصابات التقليدية إلى مدرسة قتالية جديدة، تقع ما بين الجيش النظامي وحرب العصابات، وحوّلها إلى مؤسسة تختزن عناصر استمرارها على مستوى النهج والتخطيط والبرامج، فكان بحق عماد المقاومة الذي أخطأ الصهاينة في قتله، فهم وإن رأوا في اغتياله إنجازاً كبيراً، فإن المقاومة وقائدها السيد نصر الله يرى فيه "بشارة عظيمة بالنصر الآتي والحاسم والنهائي".
قائد الانتصارين.. إلى زوال إسرائيل
كان السيد نصر الله واضحاً بشدة وهو يعلن في ذكرى أسبوع الشهيد مغنية أن "الحاج عماد كان من القادة الكبار في حرب تموز، وهو من خلال موقعه في حزب الله، من خلال موقعه الوارث لدماء الشهداء والوارث لدم السيد عباس والشيخ راغب، كان "قائد الانتصارين" بحق، الانتصار في 25 ايار عام 2000 والانتصار في حرب تموز 2006".
وبالنظر إلى نتائج حرب تموز وتداعياتها الآنية التي أثمرت سقوطاً ذريعاً للمشروع الأميركي الذي كان مرسوماً لمنطقة الشرق الأوسط، وبالنظر إلى تردداتها التي بدأ يشهدها العالم والمنطقة، ولا سيما بعد الانتصار التاريخي للمقاومة الفلسطينية في غزة، التي لا يمكننا أن نقفل الكتاب بل الأجدر بنا أن نبدأ بعد صفحات جديدة من كتاب نظم الحاج عماد حروف أبجديته وأعد فقراته ورسم مساره، فقد "رحل الحاج عماد شهيداً وقد أنجز المهمة.. وأصبح عنواناً ورمزاً لمرحلة متقدمة جداً من مراحل المقاومة وحضورها وتطورها وقدرتها على مواجهة الهجوم والعدوان.. وكما أخطأوا في قتل الشيخ راغب وكما أخطأوا في قتل السيد عباس، إلى دم الحاج عماد مغنية في شباط العام 2008، يجب ان نؤرخ لمرحلة بدء سقوط دولة إسرائيل.. وإذا كان دم الشيخ راغب حرب أخرجهم من أغلب الأرض اللبنانية، وإذا كان دم السيد عباس، أخرجهم من الشريط الحدودي المحتل باستثناء مزارع شبعا، فان دم عماد مغنية سيخرجهم من الوجود إن شاء الله".