مشاركة:
إنها ‘السجالات’ و’المماحكات’ تُحكم سيطرتها على الوطن مرة أخرى فاتحة الأبواب أمام المزيد من الأزمات ‘المتنقلة’ هنا وهناك وموصدة الأبواب أمام أي أمل بـ’انفراج’ ما..
وهكذا، لم يكن اللبنانيون قد وجدوا "الدواء الشافي" لـ"مرض التنصت" بعد حتى انقضت مهلة الأيام العشرة التي خصصتها حكومتهم المسماة من قبل أعضاء فيها بـ"حكومة التعطيل الوطني" (!) دون تحقيق أي تقدم لـ"تتقدّم" إلى واجهة الأحداث "سجالات" تخطّت الخطوط الحمر مستهدفة المؤسسة العسكرية التي وُصِفت يوماً بـ"الجامعة"..
إذاً، لم تنته تداعيات الحديث التلفزيوني لرئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط حتى اللحظة وهو الحديث الذي أكد فيه "البيك" رغبته بالتهدئة ولم يترك أحداً إلا وهاجمه وبين هؤلاء وزير الدفاع وقائد الجيش وضباط الجيش. الردّ أتاه سريعاً وإن بشكل غير مباشر ليس من قائد الجيش فحسب بل من رئيس الجمهورية "التوافقي" أيضاً فكان "الرد على الرد" بأن أعلن جنبلاط سحبه ممثله بلجنة الاستراتيجية الدفاعية المنبثقة عن مؤتمر "الحوار الوطني" الذي يقام برعاية رئاسة الجمهورية اللبنانية.
وإذا كان جنبلاط حظي بـ"تضامن الحلفاء" الذين فُتحت "شهيتهم" جراء الحملة المستجدة، فإنّ لا مؤشرات تدلّ على نيته "التراجع" أو أقله "وقف" الحملة. وفي هذا السياق، كان لافتاً ما نقلته صحيفة "الاتحاد" الاماراتية ومفاده أنّ جنبلاط بدأ يدرس "خطوته التالية" وهي خطوة لا يبدو أنها تقلّ "جدية" أو "خطورة" عن سابقتها. فجنبلاط، وعلى ذمة الصحيفة الاماراتية، يدرس إمكان مقاطعة مؤتمر طاولة الحوار المقرر في الثاني من شهر آذار المقبل لاستكمال مناقشة مشروع الاستراتيجية الدفاعية في القصر الجمهوري في بعبدا… موقفٌ يطرح مما لا شك الكثير من التساؤلات خصوصاً أنه يهدّد بـ"تفجير" طاولة الحوار برمتها عشية استحقاق انتخابي "مصيري" كانت هذه الطاولة "تناضل" لجعله لا "ينفلت"..
وسط ذلك، وبدل أن يسمع اللبنانيون "بشرى" وصول حكومتهم إلى اتفاق حول الموازنة العامة بعد انقضاء مهلة الأيام العشرة، سمعوا ما يطمئنهم على أنّ الخلافات إلى "تفاقم" خصوصاً مع بدء العدّ العكسي للانتخابات النيابية التي تمنع ممثلي الشعب من أي "تنازل" قد يُحسب عليهم في "الحسابات الانتخابية". وهكذا، لم يكن غريباً أن يتبادل "أعضاء الحكومة الواحدة" الاتهامات على خلفية الموازنة ليس على تفاصيلها فحسب وإنما على "شكل" الحكومة التي يفترض أنهم "زملاء" فيها. وانطلاقاً من كل ذلك، لم يستغرب اللبنانيون أن يصف أحد الوزراء حكومته بـ"حكومة التعطيل الوطني" وأن يدعو آخر أحد الوزراء لـ"الاستقالة" من حكومة هي بالمسمى الرسمي "حكومة وحدة وطنية".
وفي هذا الاطار، تواصل السجال بين حركة "أمل" وفريق رئيس الحكومة فؤاد السنيورة المالي وعلى رأسه وزير المال محمد شطح الذي اتهم وزراء المعارضة بتعطيل الحكومة كما اتهم مجلس الجنوب بتعطيل الموازنة ليأتيه الرد عبر جمعية حماية البيئة السياسية في حركة امل التي دعت شطح الى الاستقالة متهمة اياه بالجهل في الديمقراطية وفقا لتجاربه في الدوائر الاجنبية ليعود شطح فيردّ ويعرب عن "استغرابه اشد الاستغراب أن تلجأ حركة أمل، بمجرد إثارة قضايا خلافية تهم الرأي العام، إلى استخدام أسلوب التجريح والتخوين والاتهام للهروب من النقاش السياسي والمالي والاقتصادي، ولكن يبدو أن الحقيقة تجرح من لا يريد تقبلها".
وفي السياق عينه، نقل تلفزيون "المنار" عن أوساط المعارضة قولها أنّ تصريح وزير المال يأتي ضمن مخطط أعدّه رئيس الحكومة فؤاد السنيورة للتهرب من إقرار الموازنة كما كان يفعل في الحكومة اللاشرعية السابقة، وذلك بهدف العودة للعمل بالقاعدة الاثني عشرية في ادارة امور البلاد المالية مع انطلاقة شهر شباط ليبقى متحكما بعملية صرف المال السياسي على ابواب الاستحقاق الانتخابي من خلال معاقبة الخصوم، لاسيما اهل الجنوب واجزال العطاء على حلفاء السراي وزيادة كميات الزفت الانتخابي دون رقابة .
ووسط كل هذه "الأزمات" التي لا يبدو أنها وجدت طريقها لـ"الحلحلة"، كان مشهدٌ واحدٌ يجمع مجدداً أقطاب السياسة اللبنانية على اختلافهم وتنوّعهم وذلك لمناسبة عيد مار مارون التي كانت مناسبة لتأكيد أهمية ترسيخ الوحدة الوطنية للتغلب على كل الصعوبات. وفي هذا الاطار، وبعد أيام من تصريحات لا تزال "الشغل الشاغل" للبنانيين حذر فيها من فوز المعارضة في الانتخابات النيابية، شدّد البطريرك الماروني نصرالله صفير على أنه "آن الاوان لنحزم امرنا ونجمع رأينا وننظر ملياً في ما آلت اليه امورنا لنخرج من الدوامة التي ندور فيها". واذ حذر، في عظة ألقاها في بكركي، من أنّ "هكذا وضع يعود بنا القهقرى ويدفع الكثيرين من بيننا الى الهجرة التي لا عودة بعدها"، نبه من انه "كلما انقسم الموارنة على ذاتهم واختلفوا في ما بينهم دارت الدوائر عليهم. وكلما جمعوا صفوفهم ووثقوا عرى التعاون في ما بينهم صلحت احوالهم وازدهرت واكتسبوا احترام مواطينهم على اختلاف مذاهبهم". ودعا صفير الى المحبة وممارستها "واذ ذاك يصير بامكاننا جميعا ان نطلق الخوف لنقبل على العمل المجدي"، كما دعا الى "التعاون لاخراج نفوسنا وبلدنا مما يتخبط فيه من محن".
بدوره، اكد رئيس اساقفة بيروت المطران بولس مطر في قداس عيد مار مارون في حضور رئيس الجمهورية ميشال سليمان واركان الدولة في كنيسة مار مارون في الجميزة "اننا معنيون، لا بحماية البلاد على حدودها الخارجية وحسب، بل وفي داخل الحدود ايضاً". وقال: "قد تكون حماية الداخل شرطاً اساسياً للنجاح في حماية الحدود، فالوحدة الوطنية هي خط الدفاع الحقيقي عن لبنان داخل الاسوار، ومن دون هذه الوحدة لا وطن يبقى ولا دفاع يفيد". وفي حين رأى انه "لا يحق لنا ان نخترع كل يوم وطناً جديداً على قياسنا"، دعا الى العمل "للبنان الواحد وللحرية التي ميزت شعبه.. وللعيش المشترك" وقال: "همنا في الاستحقاق الآتي ان تجري العملية الانتخابية بصورة حضارية تليق بلبنان وبالتنافس من اجل الافضل، فتتحول الى فرصة ذهبية لانتظام الحياة العامة ولننقل البلاد من حال التخبط المقلق الى حال الوضع الطبيعي الخلاق". مشدداً على "التآلف بين قاعدة الاكثرية المتبعة بصورة عامة والقواعد التوافقية المناسبة لنا بصورة خاصة، على ان نرسي في نهاية الامر نظاماً قابلاً للحياة".
في هذه الأثناء، وفيما انشغلت فعاليات الرابع عشر من آذار بالدعوة للمشاركة بالذكرى السنوية الرابعة لاغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري ورفاقه مذكرين بـ"الانجازات" التي حققتها ثورة الأرز ومحذرين من "التراجع"، كان رئيس لجنة التحقيق الدولية في الجريمة دانيال بلمار يدلي بأول حديث صحافي له مخصّصاً به صحيفة "الأخبار" اللبنانية. وقد شدّد بلمار في حديثه على تمسكه بقرينة البراءة، مؤكداً أن أي إدانة لن تتم بالتراضي، بل طبقاً لما تمليه الأدلة والإثباتات التي جمعت بشكل قانوني والتي ستكون مقبولة طبقاً للمعاير التي سيحددها قضاة المحكمة. ورأى بلمار أن اللجنة راضية عن تعاون الحكومة اللبنانية معها، وأنه لا مشكلة في حصول اللجنة على المعلومات التي تطلبها. ورداً على سؤال عن الضباط الأربعة الموقوفين في قضية الحريري، أشار الى أنه كمدعي عام دولي، سيطلب من القضاء اللبناني التنازل عن صلاحية النظر في قضية الحريري "في أقرب وقت ممكن بعد الأول من آذار"، على أن يشمل ذلك نقل الملفات والأدلة والموقوفين إلى لاهاي إذا كان لا يزال هناك أشخاص موقوفون، متوقعاً أن يتقدّم وكلاء الموقوفين بطلبات إخلاء سبيل من المحكمة الدولية، مشيراً إلى أنه قدم رأيه بهذا الخصوص للمدعي العام اللبناني. وعن مدى الأخذ بما نشره الرئيس الأول للجنة التحقيق الدولية ديتليف ميليس في التقريرين الأولين للجنة، شدد بلمار على استمرارية العمل، مشيراً إلى أن ذلك لا يعني أن أولويات التحقيق ما زالت نفسها منذ ثلاث سنوات. ورداً على سؤال عن قضية "مجموعة الـ13" التي تنسب إليها محاضر التحقيق اللبنانية أنها تنتمي إلى تنظيم "القاعدة" وأنها اعترفت بتنفيذ جريمة اغتيال الحريري، قال بلمار إنه لن يعلق على هذه المسألة لأنها "فعلاُ في قلب قضية عملانية". أما عن الشاهد محمد زهير الصديق، فقال بلمار إن اللجنة لم تلتق به منذ فترة، وسيكون هناك كلام بشأنه في وقت ما.
بيد أنّ وجوه الأكثرية النيابية لا تزال "مهدّدة" و"مستهدفة" كما يؤكد أقطابها وأعضاؤها الذين جدّدوا الدعوة عشية ذكرى الاغتيال لأخذ كل التدابير. وفي هذا السياق، كشف عضو كتلة "المستقبل" النائب مصطفى علوش عن نصائح لعدد من النواب بأخذ الحيطة لاحتمال تعرضهم للاغتيال مؤكداً ان "النصائح تأتي من معلومات صحيحة، وقد اتتنا مباشرة من قيادة الجيش لوجود احتمال ان تكون هناك مجموعة من "فتح الاسلام" تحضر لعملية اغتيال في هذه الفترة".
وبعيداً عن الاهتمامات المحلية، يترقب اللبنانيون والعرب نتائج الانتخابات الاسرائيلية التي تجرى اليوم مع إدراكهم المسبق بأنّ أي حكومة إسرائيلية جديدة لن تغيّر شيئاً في السياسة المعروفة تجاه العرب وسط كلام عن "جولات حرب" جديدة يتنافس عليها المرشحون للانتخابات. وهكذا، يتجه نحو 4 ملايين و800 ألف ناخب إلى صناديق الاقتراع، لاختيار 120 عضوا في الكنيست الإسرائيلي الـ18، حيث تكتسي هذه الانتخابات أهمية خاصة، كونها تأتي في خضم تطورات تشهدها إسرائيل حول هويتها "كدولة للشعب اليهودي" وارتفاع التأييد مجددا لدعوات ترحيل فلسطينيي الـ48، إلى جانب اختيار بين العودة إلى العملية التفاوضية المتعثرة بين السلطة الوطنية الفلسطينية وإسرائيل، على أساس مؤتمر "انابوليس" وما يتضمنه من دعوة لإقامة دولة فلسطينية بحدود 4 حزيران 1967، الذي تطرحه زعيمة حزب "كاديما" وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، وبين خيار رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق وزعيم حزب "الليكود" بنيامين نتنياهو المتوقع أن يفوز وحزبه في المرتبة الاولى، والذي يضع نصب عينيه ضرب مضامين "انابوليس" بعدما كان اجهض في فترة حكمه السابق مضامين اتفاق "اوسلو".