‘الحوار الوطني’ متواصل حتى ‘إشعار آخر’ بغياب ‘نتائج ملموسة’.. ومراقبون يرجّحون ‘ترحيل’ النقاش لما بعد الانتخابات!

مشاركة:

ويواصل ‘الحوار الوطني’ مشواره مع ‘استراتيجية دفاعية’ لا يبدو أنها باتت على وشك ‘الولادة’ في ظل انقسام يتزايد ‘حدة’ يوماً بعد يوم

فمع انتهاء "الحلقة الرابعة" من مسلسل الحوار الطويل، لا يبدو الحديث عن "إنجاز" للمتحاورين الأربعة عشر وارداً بعد أن تكرر "السيناريو" عينه في أربع جلسات "ماراتونية" فصلت بينها مدة زمنية طويلة نسبياً.

 

لكنّ المشهد كان في الجلسات الأربع "واحداً" مع اختلاف "بسيط" في المضمون: جلسات تبدأ بالسلام والقبلات قبل أن تتطور لـ"استماع" لدرسات "مستفيضة" من هذا الفريق وذاك حول أفضل السبل لحماية الوطن من الاعتداءات المحتملة لتنتهي بـ"اتفاق يتيم" على تأجيل الحوار أكثر لعلّ الظروف "تنضج" وتصبح الأجواء مستعدة لـ"حوار جدي" ينتهي باتفاق طال انتظاره على "المضمون".

 

أربع جلسات ولا نتائج ملموسة.. أيّ "إنجاز" تحقق؟

إذاً أربع جلسات لمؤتمر "الحوار الوطني" والنتيجة واحدة، أو بالأحرى، لا نتيجة!

فجلسة تلو أخرى، يتكرر "المشهد" نفسه ويبقى اللبناني في قاعة "الانتظار" مترقباً تطوراً من هنا و"فرجا" من هناك يهبّ على المتحاورين فيحمل معه "الاتفاق الموعود".

اتفاق لا يبدو أنه "سيتحقّق" في القريب كما تؤكد كل المؤشرات مع غياب أي "إنجاز ملموس" للحوار رغم مرور أشهر على "احتفالية" انطلاقته ورغم كل الاستحقاقات التي واجهها هنا وهناك دون أن "تفعل فعلها" على أرض الواقع أقله تحفيزاً للمتحاورين للوصول لنتيجة معينة.

وفي هذا السياق، يعتبر المستشار السياسي لرئيس حزب "الكتائب" سجعان قزي أنّ أعمال لجنة الحوار سجّلت تراجعاً في الجلسة الرابعة عوض أن تسجّل إن لم يكن تقدماً فعلى الأقل مراوحة مشيراً إلى أنّ دليل التراجع هو أنّ المتحاورين لم يتفقوا على تنفيذ ما سبق أن قرّروه في مؤتمر الحوار السابق عام 2006 ومن بين تلك المقررات نزع السلاح الفلسطيني خارج المخيمات فأشاروا في بيانهم إلى خلق ظروف مناسبة لمعالجة هذا الموضوع عوض إعطاء الأوامر للجيش اللبناني بتنفيذ القرار من خلال مجلس الوزراء. ويرى قزي أن ما حصل خلال هذه الجلسة كان انعقادا لجلسة حوار دون حوار إذ اكتفى المتحاورون بالاستماع إلى عرض مشروع النائب بطرس حرب والذي يفترض أن يعلق عليه ممثل حزب الله الذي "اعتصم بالصمت كممثل جزر القمر في القمم العربية" على حدّ تعبيره. وبحسب قزي، فإنّ هذا التصرف إن دلّ على شيء فعلى أمرين على الأقل هما أولاً عدم جدية حزب الله في موضوع الاستراتيجية الدفاعية ما دام يعلن قادته بأنّ لا خطة دفاعية سوى المقاومة العسكرية في لبنان وفلسطين والعالم العربي بأسره وثانياً الاستخفاف بالمشاركين في مؤتمر الحوار وعدم اعتبار طروحاتهم.

النظرة "التشاؤمية" لقزي والتي يفضل وصفها بـ"الواقعية" تقابلها نظرة أكثر "تفاؤلية" لدى مسؤول الاعلام والعلاقات العامة في "التيار الوطني الحر" ناصيف قزي الذي يؤكد لـ"النشرة" أنّ أهم شيء تحقق بعد أربع جلسات للحوار هو انعقاده بحدّ ذاته لافتاً إلى أنّ مجرّد انعقاد الحوار شيء إيجابي ويخلق جواً من التهدئة والاستقرار. ويرفض ناصيف قزي الحديث عن "استخفاف" من قبل "حزب الله" بالمشاركين باعتباره لم يقدّم طرحاً خطياً حتى الآن لافتاً إلى أنّ الحزب قد يتبنى رؤية استراتيجية مشتركة ومشيراً في الوقت عينه إلى أنّ لا شيء يفرض على مجمل المتحاورين تقديم استراتيجيات "لكن للحزب استراتيجيته الواضحة وخياره هو خيار المقاومة وهو خيار حق طالما هناك أرض محتلة".

 

قراءة في الاستراتيجيات المقدّمة: هل "حسم" النقاش؟

عديدةٌ هي الاستراتيجيات التي طُرحت منذ انطلاقة مؤتمر "الحوار الوطني" قبل عدد من الأشهر وحتى اليوم بحيث بات لكلّ شخص على طاولة الحوار "رؤيته" الخاصة التي "يطمح" لابلاغها لزملائه على الطاولة ويطمح لتكون هي "الرؤية النهائية" التي تشكل "الخلاص" للبنان.

وهكذا، تناوب على "نجومية" كل جلسة عدد من الأفرقاء أدلى كل منهم بـ"دلوه" في هذا الاطار وعرض لدراسته الخاصة للاستراتيجية التي يمكنها أن "تحمي" الوطن من "الشر المستطير" ولم يعد الانقسام بين أكثرية ومعارضة بحيث بات لكل منهما العديد من النظريات التي تتفق وتتناقض في العديد من النقاط حتى يتخيل المراقب أن طاولة الحوار، لو كانت في المجلس النيابي مثلاً، لتوجّب الاستماع إلى 128 دراسة مختلفة حول الموضوع.

لكنّ مسؤول الاعلام في "التيار الوطني الحر" ناصيف قزي لا يرى مشكلة في تعدّد الطروحات المقدّمة على طاولة الحوار قائلاً "فليكن هناك أوراق عدة ولتناقش الأمور بشكل علمي وتقني" ملاحظاً أنّ تشكيل لجنة تقنية مفيد داعياً لقراءة الامور بشكل مترابط خصوصاً مع التبدلات بالسياسة الدولية والموقف الدولي تجاه لبنان. ويرى قزي أنّ تجربة غزة هي استكمال لتجربة عدوان تموز 2006 موضحاً أنها "تضيء بشكل أساسي على المنطق العدواني الذي يعتمده الكيان الصهيوني منذ العام 1948 وحتى اليوم وهذه المسألة لا يمكن التعامل معها بالمنطق الكلاسيكي". وإذ يلفت إلى أنّ "كل التجارب أثبتت أنّ من غير الممكن القول بأننا دخلنا منطق السلام مع إسرائيل" مشدداً على أنّ المسار العدواني واحد، يكشف أنّ رؤية "التيار الوطني الحر" ورئيسه العماد ميشال عون للاستراتيجية الدفاعية انطلقت من ذلك ومن إدراك عدم القدرة على مقاومة جيش مجهز بكل الوسائل وأحدث الأسلحة. ويشير قزي إلى أنّ مفهوم الشعب المقاوم هو مفهوم بديهي أتى من شخص هو صاحب اختصاص ومدرك لخلفيات الأمور ويستشرف ما يجب أن يكون. لكن قزي يشدد في حديثه لـ"النشرة" على تأكيد انفتاح "التيار" على كل الطروحات طالما هي طروحات تخدم القضية اللبنانية "وتخدم لبنان كما نريد لهذا اللبنان أن يكون" مشيراً إلى أنّ "لدينا هم أساسي هو أن نتفق على من هو العدو ومن هو الصديق ومن يأتي بالخطر على لبنان" مؤكداً أن "حسم ذلك يؤدي لقبول استراتيجيتنا من الجميع". ويوضح قزي أنّ خيار المقاومة الذي يؤيده يكون بغياب الدولة القادرة والعادلة داعياً للعمل لقيام الدولة التي لم تقم منذ الطائف وحتى اليوم مشيراً إلى أن الجماعة التي استلمت السلطة بدت وكأنها قوة مالية عملت بشكل فئوي ومنحاز حتى خلال مرحلة ما بعد الوصاية.

أما مستشار رئيس حزب "الكتائب" سجعان قزي فيعتبر أنّ مجرد أن يُطلب من كل فريق أن يقدّم في كل جلسة مشروعه هو بحد ذاته خطة تسليف إذ كان بإمكان كل الفرقاء أن يقدّموا في جلسة واحدة مشاريعهم كافة على أن تحال إلى لجنة خبراء عسكريين تشرف عليها قيادة الجيش اللبناني وتخرج بتوصيات ملخصة تكون محصّلة مجموع المشاريع المقدّمة. وتعليقاً على عدم اكتمال لجنة المراقبين التي أقرّها الحوار في جلسته الثالثة، يعتبر قزي أنّ الطريف في الأمر هو أن رئاسة الجمهورية كما حزبي "الكتائب" و"القوات اللبنانية" سموا ممثليهم في حين أنّ حزب الله لم يقدّم بعد مشروعه إلى لجنة الحوار ولم يعيّن ممثلاً له في لجنة الخبراء. ولا يقبل قزي بالمنطق القائل أنّ الحزب ينتظر الاستماع إلى مختلف الدراسات قبل عرض رؤيته ويشير إلى أنّ الدولة هي التي تستمع إلى الجميع وليس الحزب فالدولة هي المرجعية "بالاذن من حزب الله" على حدّ تعبيره.

 

بين الاصرار على بقاء الحوار وواقعه… هل رُحّل الحوار إلى ما بعد الانتخابات؟

ووسط هذا الانقسام الذي يتزايد حدة، تبدو طاولة الحوار "الصامدة" حتى الآن على وشك "الانهيار" فالاستراتيجية الدفاعية التي تبدو "محسومة" من كل فريق وفق نظرته الخاصة تحوّلت و"بامتياز" إلى "طبق انتخابي" يجمع مختلف التكتلات السياسية وكل يستعد لاستخدامها في "معركته" بكل الأساليب الممكنة. أما مصيره فيبدو "مجهولاً" مع ارتفاع الأصوات من هنا وهناك القائلة بـ"واقعية" التأجيل المتكرر دائماً والجازمة بأنه "رُحّل" أقله لما بعد الانتخابات النيابية.

هذا "الترحيل" يؤكده أيضاً مستشار رئيس حزب "الكتائب" في حديثه لـ"النشرة" لكنه يذهب أبعد من ذلك في إطار انتقاده لـ"حزب الله" فيلفت إلى أنه لو كان مشاركاً على طاولة الحوار لاقترح تعليق أعمال الحوار ريثما يقدّم الحزب مشروعه حول الخطة الدفاعية خطياً. لكنه يلفت إلى أنه يفهم إصرار رئيس الجمهورية على مواصلة انعقاد جلسات الحوار وإن عبر فترات زمنية متقطعة وطويلة لأنه يريد من جهة أن يخلق من الضعف قوة ويخشى من جهة ثانية أن يؤدي وضع حد للحوار إلى تعليق الهدنة الأمنية الهشة القائمة في البلاد منذ أشهر قليلة علماً أنّ بوادر إشكالات أمنية وعسكرية بدأت تلوح في أكثر من منطقة منذ حوالي أسبوع وكأن لا حكومة وفاقية موجودة ولا مؤتمر حوار معقود ولا مصالحات عربية تمّت. ويخلص سجعان قزي، انطلاقاً من كل ذلك، إلى أنّ مؤتمر الحوار سيراوح مكانه ولا مجال لتنفيذ أي قرارات قديمة أو الاتفاق على قرارات جديدة قبل الانتخابات النيابية المقبلة أو قبل حدوث تغيير في موازين القوى مصدره خارجي أو داخلي.

في المقابل، يعتبر مسؤول الاعلام والعلاقات العامة في "التيار الوطني الحر" ناصيف قزي أن الحوار لا ينحصر فقط بهذه الطاولة بل هو حوار مستمر بشكل دائم والطروحات موجودة والأمور تناقَش كل يوم. ويرى أنّ من حق كل القوى أن تعرض رؤيتها وتعرض تصورها. ويشير إلى أنّ لجنة الخبراء التي أقرّت طاولة الحوار إنشاءها من شأنها أن تؤمن استمرارية الحوار ومتابعته في مسألة شائكة ودقيقة كالاستراتيجية الدفاعية لافتاً إلى أنّ التسميات من جانب "التيار" موجودة ويتم الاعلان عنها عند اكتمالها.

ويرفض قزي القول أن الحوار رُحّل لما بعد الانتخابات حتى "يستثمره" مختلف الأفرقاء انتخابياً لافتاً إلى أن "سلاحنا الانتخابي الأساسي هو مصلحة الوطن والمواطن ولا يجب أن نتلهى بالقشور". ويوضح أنّ الاستراتيجية الدفاعية أساسية لكن القضية الاجتماعية هي الأهم. ويلفت إلى أنّ مفهوم التغيير يبدأ من الألف بعودة المؤسسات وبرؤية اقتصادية لخدمة المواطن والانسان والتنمية المتوازنة. ويردف قائلاً "نريد أن نوقف النزف والهجرة ونعيد بناء الانسان ونوفر له الشروط الموضوعية والظروف المؤاتية كي يبقى في لبنان فرؤيتنا الأساسية هي الانسان أولاً". ويختم مسؤول الاعلام في "التيار الوطني الحر" حديثه لـ"النشرة" بالتعبير عن طموحه بـ"التباري الديمقراطي المتوازن دون مال انتخابي وكرتونة إعاشة وشراء الضمائر" مضيفاً "وليربح عندها من يربح".