
مشاركة:
بعد اكتشاف الصواريخ المشبوهة في الناقورة، وقبل يوم واحد من الحرب الإسرائيلية على غزة
تحرّكت آلة ١٤ آذار السياسية والإعلامية والفضائية، في اتجاه نسب هذه الصواريخ الى حزب الله،
وبناء على فرضية اتهامية بأن الحزب هو الوحيد الذي يملك حرية الحركة في تلك المنطقة.
ليس المريب نصب الصواريخ من الجنوب اللبناني عشية بدء الحرب على غزة، بقدر التلقف السريع لهذا الحدث المشبوه من قبل منظومة ١٤ آذار السياسية والإعلامية، ومحاولة الاستثمار عليه، وقد بدا ذلك واضحاً في تكرار معزوفة جر لبنان الى حروب غيره.
وبدا أكثر من واضح في القراءات المعدّة سلفاً لهذا الحدث، وقد أجهد سمير جعجع نفسه وهو يحاول من معراب تسويقها في الذهن اللبناني، ومن ثم التبرّع على درج بكركي في الرد على السيد حسن نصر الله من الزاوية المصرية!
وبديهي في هذا المجال، إخضاع هذا التحرّك لاستفهامات لتبيان موجباته، وما اذا كان منطلقه الضغينة السياسية التي يضمرها هذا الفريق لحزب الله، ام انه يتناغم أو يلبي إشارات تأكيدية بحصول الحدث الغزاوي وردت من مكان ما، قبل همروجة الصواريخ، وقبل الجولة الحوارية الأخيرة، التي بدا واضحا أن الحدث الغزاوي قد لفحها قبل حصوله، وانعكس قلقا حقيقيا أو مفتعلا أبداه بعض 14 آذار من رد فعل حزب الله حيال ما قد يجري! وأمين الجميل كان الأكثر اندفاعا في استحضار خطاب نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في يوم التضامن مع غزة، ومن موقع الاعتراض على اعتبار أن فلسطين هي قضية مركزية بالنسبة الى حزب الله. وعلى رفضه التسوية الظالمة وتأكيده على تحريرها. لكن أكثر ما يحمل على التوقف عنده، هو عودة زعيم الأكثرية الى إعادة استحضار منطق المغامرة والتحذير من أن يقدم أحد عليها فيما لو حصل شيء؟
بناءً على ما تقدم، يبقى السؤال: لماذا حزب الله والتركيز عليه الآن، ولماذا نسب الصواريخ اليه دون غيره؟ والأخطر لماذا إغماض العين عن كثير من القوى الأخرى، منها لبنانية وغير لبنانية، ومنها أصولية، ومنها مأجورة، ومنها مخابراتية ذات النسب الإسرائيلي؟ ولماذا التسلّح بذريعة تكاد تكون منتهية الصلاحية لإدانة الحزب، وخصوصا أن ذريعة وحده يتمتع بحرية الحركة جنوباً هي رخوة أصلا، ليس بالاستناد الى نفي حزب الله، بل الى حالات مشابهة تجلت قبل فترة، مع إقدام جهات على إطلاق صواريخ من الجنوب، وايضا باستهداف اليونيفيل في تلك المنطقة، من قبل مجموعات أصولية لا تمت بصلة الى حزب الله، بل تثار شكوك حول علاقتها بمحور الاعتدال اللبناني والعربي. وذلك مثبت في اعترافات صريحة من موقوفين لبنانيين وغير لبنانيين.
طبيعي جدا في موازاة هذا الهجوم عليه، أن يستنفر على الجبهة السياسية في الداخل، بالتوازي مع جهوزية المقاومة لمواجهة أي عدوان جنوبا. وكدلالة واضحة على مدى الخطورة، أفرد السيد حسن نصر الله زاوية استثنائية لهذا الموضوع في خطاب الاحد، لتأكيد فهم الحزب للرسالة الصاروخية وان هذه الصواريخ المشبوهة بزمانها ومكانها وتوقيتها السياسي، المقصود منها بالدرجة الأولى جرّ المقاومة الى فخ مكين. ما يعني دفع المقاومة الى التورّط الصاروخي في المكان والزمان اللذين لا تريدهما، بما يسهّل منطق الفخ، وما قد يليه؟!
المسلّم به لدى مستويات سياسية مختلفة، هو رهان فرقاء في لبنان على ما سيثبت عليه وضع غزة لناحية هزيمة حماس، ومحاولة سحب هذه الوقائع في اتجاه لبنان من خلال سيناريو تدميري مشابه ينتقم من المقاومة عن كل المرحلة السابقة، بما لا يعني فقط إحداث انقلاب في المشهدين اللبناني والفلسطيني، بل في كل الوقائع الشرق أوسطية. على أن اللافت في هذا السياق ، هو أن رهان هؤلاء الفرقاء يصطدم بقراءة قيادي بارز في ١٤ آذار للوقائع الفلسطينية، ويخلص فيها الى أن الحرب الإسرائيلية على غزة لن تحقق الهدف الإسرائيلي، ومهما كان حجم التدمير، ففي النتيجة ستخرج حماس قوية لا ضعيفة، والتداعيات ستكون مثيرة، بحيث سيهرهر ما بقي من محمود عباس، وسيدفن ما بقي من مبادرة عربية، وسيقوى محور ايران، سوريا، حماس، حزب الله. وسيسود الإرباك وربما أكثر من إرباك في بعض دول الاعتدال. عمليا هناك متغيّر جذري سيحصل، وستكون إدارة أوباما بعد تسلمه الرئاسة في الولايات المتحدة الأميركية ملزمة بالتعاطي مع هذا المتغيّر، وخصوصا أن أوباما سينفتح على سوريا وايران. والواضح أن العرب أدخلوا أنفسهم في ورطة كبيرة في غزة.
وبالإضافة الى ذلك، ترى المستويات السياسية المذكورة أن في رهان حلفاء الاعتدال على انقلاب المشهدين الفلسطيني ومن ثم اللبناني، شيئاً من الحلم واللاواقعية، بالاستناد الى أساسين:
الاول: الوقائع الميدانية التي أدت في لبنان الى انتصار المقاومة ولبنان في حرب تموز ،٢٠٠٦ والتي ما زالت تحول دون تحقيق أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة.
الثاني: أن المقاومة قارئة واعية للأحداث وحاضرة في الميدان. وهي مع إدراكها للارتباط الموجود بين غزة ولبنان، فإنها واعية لمحاولات نصب الفخاخ التي تحاول أن تفرض عليها أجندة ما، وبالتالي تفشيلها لهذه المحاولات، كما حصل مع الصواريخ المشبوهة، يعكس إصرار المقاومة على اعتماد أجندتها الخاصة في زمانها وفي مكانها.
ومن هنا، تبرز ملاحظة مكمِّلة من شقين:
الاول: نجاح المقاومة من خطاب يوم التضامن مع الشيخ نعيم قاسم، وصولا الى الإطلالتين الأخيرتين للسيد حسن نصر الله، في رفع درجة التحفـز السياسي والإعلامي لجمهور المقاومة والممانعة في لبنان الى الحد الأقصى. ونجاحها ايضا في توجيه رسالة تأكيدية أن منطق المقاومة في اللحظة الراهنة، لن يسمح بأية عملية جراح داخلية، تمس بالإجماع الوطني والتوحد حول غزة.
الثاني: إن توجه السيد حسن نصر الله الى رئيس الجمهورية ميشال سليمان، بطريقة لافتة للانتباه ومخاطبته من موقعه كرئيس توافقي للبنان لاتخاذ موقف تعجيلي بالقمة العربية. وكذلك التجاوب السريع للرئيس سليمان بعد أقل من ساعة، ومن ثم ترجمة هذا التجاوب في مجلس الوزراء، أظهر أن منطق المقاومة في المسرح الداخلي لا يزال متقدما.