الجميّل: «ارفعوا أيديكم عن شعب فلسطين»

مشاركة:

أبى بعض اللبنانيين إلا أن يكون اليوم الرابع للحرب على غزة عوداً على بدء واقع الانقسام في المبدأ والموقف والرؤية، فبدأوا ــ بعدما فرض هول مشاهد مذابح اليومين الأوّلين نوعاً من «الإجماع التكتيكي» على الاستنكار، واستخدموا الإدانة لإطلاق العديد من «ولكن»، من باب «الخوف» على لبنان و«الحرص» على الأشقاء والعروبة

لبنان في اليوم الرابع للحرب على غزة كان على موعد مع نوعين من التحضيرات: إجراءات لتسهيل حركة السير ليلة رأس السنة، اليوم، وأخرى لإنجاز ترتيبات عقد المؤتمر الاستثنائي للاتحاد البرلماني العربي تحت عنوان «العدوان الإسرائيلي على غزة وسبل دعم صمود الفلسطينيين»، والذي يفتتح قبل ظهر غد في مدينة صور، بكلمة لرئيس مجلس النواب نبيه بري، ثم تلي جلسة الافتتاح أخرى تتضمن كلمات رؤساء البرلمانات والوفود المشاركة ومناقشة خطوات الدعم والمقررات. وكان الوفد العراقي أول الواصلين، أمس، للمشاركة في المؤتمر، برئاسة نائب رئيس البرلمان خالد العطية الذي أمل في المطار «ألا يقتصر دور البرلمانيين العرب على الاستنكار وكلمات التأييد للشعب الفلسطيني، بل أن تكون هناك قرارات فاعلة ومؤثّرة تغيّر هذا الواقع».

الجميّل وجعجع يتكاملان

وفيما كان وزير الدفاع إلياس المر يلتقي أمس قائد الجيش العماد جان قهوجي ويعرض معه «جهوزية الجيش والوضع في الجنوب، في ضوء تطورات العدوان على غزة»، كان بعض ردود الفعل المنددة بالعدوان ينطلق من التنديد لتسجيل مواقف داخلية. فاستعار الرئيس أمين الجميّل شعار «ارفعوا أيديكم عن لبنان»، للقول «ارفعوا أيديكم عن شعب فلسطين»، وتحدث عما اعتبره «جريمة استغلال قضية الشعب الفلسطيني العادلة وتحويلها إلى مادة مزايدة وابتزاز وورقة في الصراعات الإقليمية والمذهبية، فيما تسفك يومياً دماء هذا الشعب الباسل والمضطهد». ورأى أن التضامن الحقيقي يكون بتشجيع هذا الشعب «على سلوك طريق المفاوضات». وفي ردّ على الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، طالب لبنان بـ«أن يرفض سلفاً الانسياق وراء لغة المزايدات التي هزمت العرب ودمّرت لبنان»، كما طالب الحكم اللبناني «بتوخّي الحذر، فلا يدفعه البعض نحو محور عربي ضد آخر»، قائلاً إن «الرئيس التوافقي هو من يعبّر عن موقف كل اللبنانيين، لا عن موقف فريق واحد». ومن بكركي، ذهب رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع مباشرة إلى موقف نصر الله، الذي رأى أنه «يوزّع الاتهامات بالداخل والخارج يميناً وشمالاً»، متحدثاً عن «قلب الأنظمة العربية». وقال إنه لم يعد يعرف «إذا كنا في صدد محاولة بذل جهود لتخليص فلسطينيي غزة مما يجري بهم، أو نحن في صدد إحداث ثورة وانقلاب كامل وشامل في منطقة الشرق الأوسط». وبعد استذكاره مقولة «طريق تل أبيب تمر في جونية»، أردف: «هذه المرة طريق تل أبيب تمر في القاهرة أو في دبي أو في الرياض أو في عمان أو تونس أو غيرها من العواصم العربية».

ونددت لجنة المتابعة في اللقاء الوطني المسيحي بالمجازر في غزة وبتخلّي العالم عن مليون ونصف المليون فلسطيني محاصرين دون طعام ودون عناية طبية، وبانعدام الحماية للمدنيين مع إقفال المعابر الستة مع إسرائيل واستمرار إقفال المعبر اليتيم مع مصر، ما يذكّر بالسيناريو اللبناني مكرراً في غزة».

فلسطين لا تعود بالمفاوضات وانما بالجهاد

وقال النائب وليد جنبلاط، في حديث مع «برس تي في» الإيراني: «إن الوقت ليس لمهاجمة مصر أو أنظمة عربية أخرى، لأن ذلك سيدفعنا أيضاً إلى التذكير بأن النظام السوري الذي لا تزال أرضه محتلة وجبهته هادئة منذ عقود طويلة يخوض مفاوضات مع إسرائيل، وهو حتى أثناء العدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 2006 كان يفاوض إسرائيل». ودعا الدول التي تدعم حركة حماس إلى الدفع في اتجاه توحيد الموقف الفلسطيني «عوض تغذية الانقسامات والخلافات الفلسطينية». وإذ أكد أن لبنان «حتماً سيدافع عن نفسه إذا تعرّض لعدوان إسرائيلي جديد»، استبعد أن «يحصل أي تصعيد من جانب لبنان»، متسائلاً عن «الجدوى من تصعيد كهذا من الجنوب الذي تحرر، فيما لا يحرّك النظام السوري ساكناً وأرضه لا تزال محتلة، لا بل هو يفاوض إسرائيل».

وأكد مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار أن ما يحصل في غزة معركة لاستئصال حركة الجهاد ومعنى الجهاد في الأمة الإسلامية كلها. وتساءل: «هل نتضامن مع إخواننا في غزة بالكلام وكفى؟ هل نناشد حكامنا ورؤساءنا أن يوقفوا شلال الدم، وكفى؟ لا، بل ينبغي أن تتحرك عقيدة المسلمين في وجودنا لنعلن أن فلسطين لا تعود بالمفاوضات، بل بالجهاد. ولن تعود القدس إلا إذا أدرك المؤمنون أن النصر لا يوهب، بل يحتاج إلى سواعد وقلوب وإيمان». وحذر رئيس جبهة العمل الإسلامي فتحي يكن من عدوان إسرائيلي انتقامي على لبنان إن سقطت غزة. ونبّه إلى أن أميركا «كانت قد زوّدت إسرائيل بصواريخ ذات تقنيات حديثة مضادة للأسلحة الصاروخية التي قد يطلقها حزب الله أو الجمهورية الإسلامية في إيران»، معتبراً «أن العدوان الوحشي على غزة هو أشبه بعمليات اختبار لمدى جهوزية المؤسسة العسكرية الإسرائيلية للقيام بعملية انتقامية من المقاومة الإسلامية في لبنان».

بدوره، جدّد الرئيس إميل لحود إدانته واستنكاره للعدوان الإسرائيلي، معتبراً أن استمرار الهمجية الإسرائيلية ما كان ممكناً لولا التواطؤ والتحريض اللذين أبداهما ويبديهما بعض الأنظمة العربية، تماماً كما فعلت خلال عدوان تموز 2006 على لبنان. وقد زار الرئيس لحود، أمس، وفد من جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية برئاسة النائب السابق عدنان طرابلسي. فيما بشّر نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان أهالي غزة الصامدين الصابرين المتمسكين بحقوقهم وأرضهم بالنصر، داعياً العرب والمسلمين إلى اتخاذ موقف موحّد وعدم الاكتفاء ببيانات الاستنكار في الصحف ووسائل الإعلام، بل إلى قطع العلاقات مع العدو الإسرائيلي ومن يدعمه في عدوانه. وطالب قبلان رئيس الجمهورية بعقد مؤتمر القمة العربية في قصر بعبدا.

أما الرئيس سليم الحص، فاعتبر، باسم منبر الوحدة الوطنية، أن الهجمة الإسرائيلية الوحشية على غزة انما تنفّذ بضوء أخضر أميركي واضح، والأسلحة التي تستخدمها إسرائيل في عدوانها الهمجي، وفي المجازر التي ترتكبها، هي من آخر ما توصّلت إليه التكنولوجيا الحربية الأميركية، وبتمويل من الإدارة الأميركية». وأشار إلى أن إبقاء الدولة العظمى بمنأى عن الحدث الجلل وتحميل المسؤولية إلى إسرائيل وحدها مع إغفال المحرّض والمموّل والراعي، أمر في غير محلّه. داعياً إلى تحميل الإدارة الأميركية ما ينبغي أن تتحمّل من المسؤولية عملياً.

فلسطينياً، قال رئيس لجنة الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني السفير خليل مكاوي إن العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة جريمة ضد الإنسانية يجب وقفها فوراً، تضاف إلى سلسلة الجرائم التي ترتكبها آلة القتل الإسرائيلية منذ أكثر من 60 عاماً، داعياً المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته كاملة في توفير الحماية للشعب الفلسطيني، كما إنفاذ قرارات الشرعية الدولية كلها، وفي مقدّمها القراران 181 و194.

ومن أبرز المواقف، أمس، اعتبار الشيخ صبحي الطفيلي، في مؤتمر صحافي عقده في منزله في عين بورضاي عند مدخل مدينة بعلبك، أن المشكلة الحقيقية هي مشكلة فلسطين، «فهناك أمة تتعرض للزوال تحاول أن تحمي نفسها ومستقبلها، وهناك شعب يتعرّض للعدوان»، معتبراً أن الأمة ما كانت تلتف حول عبد الناصر لشخصه أو لأنه حاكم مصر، بل لأنه رفع شعار الدفاع عن الأمة، وعندما يُتخلّى عن قضية الأمة، ستفرز الأمة من يدافع عنها، لأنها لا تريد أن تستسلم ولن تركع. ودعا السلطات المصريّة إلى فتح الحدود وعدم المشاركة في الحصار، معتبراً أن أميركا هي صاحبة القرار في غزو غزة وقتل أطفالها. ورداً على سؤال عن رأيه في فتح جبهة لبنان، قال: «هذا الأمر يتحمّل مسؤوليته أناس هم يعرفون ويقدّرون ظروفهم ووسائل خدمة المعركة في غزة. وتقدير هذا الأمر يعود إلى المكلّفين شرعاً تقدير الأمر الميداني».