إسرائيل تثأر لحرب لبنان: أكثر من ٣٠٠ قتيل وألف جريح … والمقاومة لن ترفع الراية البيضاء

مشاركة:

بغزارة لم يسبق لها مثيل، لا يزال قطاع غزة، ينزف من دماء ابنائه، جراء واحدة من أعنف حملات الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على الشعب الفلسطيني، والتي تعيد الى الأذهان المذابح الأولى التي افتتحت بها الصراع العربي الإسرائيلي،

والتي لم تنقطع يوما، وكان هدفها الدائم إنهاء الوجود الفلسطيني، حينا، أو انهاء مقاومته التي كانت ولا تزال هويته الوحيدة، وخياره الأوحد.

بضراوة شديدة، تذكر بالحرب الاخيرة على لبنان في تموز من العام ،٢٠٠٦ انهالت اسرائيل على قطاع غزة شبه الأعزل، بغارات جوية وحشية لا تزال متواصلة منذ ظهيرة أمس الأول السبت، أدت الى حصيلة دموية هي الأكبر منذ احتلال غزة في العام ،١٩٦٧ فاقت الـ٣٠٠ قتيل والألف جريح، وشملت دمارا هائلا للمقرات الرسمية والمساجد والمساكن، غطى شوارع القطاع من أقصاه الى أقصاه بالدم والركام.

وبدا ان شراسة اسرائيل تهدف الى الثأر من هزيمتها في حرب لبنان، والى تعزيز شعبية قادتها المتوجهين بعد ستة أسابيع الى انتخابات عامة، والى شفاء غليل جمهورها المتعطش أبدا للدم الفلسطيني… كما تهدف ايضا الى إرضاء بعض الحكام العرب الذين عبروا عن ضيقهم من القطاع المتمرد، وعن شعاره المقاوم، وأعطوا ما يشبه الضوء الأخضر للعدو الاسرائيلي كي ينفذ تلك الحرب، التي لا تواجه حتى الان سوى بعض الغضب الشعبي العربي، المتفاعل مع غضب إيراني وتركي مماثل، والمتقاطع مع حملة تضامن دولية محدودة مع الشعب الفلسطيني.

وبينما كان قرار المقاومة الفلسطينية في غزة هو عدم رفع الراية البيضاء والصمود والبقاء مهما كلف الامر، كان القرار الرسمي العربي بتأجيل اجتماع مقترح لوزراء الخارجية بعد غد الأربعاء، ثم بالتحفظ على عقد قمة عربية منشودة يوم الجمعة المقبل، يعادل إعطاء اسرائيل المزيد من الوقت لكي تنهي المهمة التي بات الجميع يعرف كيف بدأت لكن أحدا لا يعرف كيف تنتهي، ولا يستبعد ان تكون نهايتها شبيهة بنهاية حرب لبنان.

في المقابل ظهرت تصدعات في جدار الإجماع الاسرائيلي على الحرب الراهنة، وطرحت تساؤلات حول ما إذا يمكن لإسرائيل ان تسقط حركة حماس وحكمها للقطاع، أم أنها تحتاج الى إعادة احتلاله، وهو ما حذر منه معلقون إسرائيليون غداة اعلان حكومتهم استدعاء الاحتياط… أم ان الامر يستدعي اشعال غزة مرة أخرى من الداخل.

وبدا ايضا ان لعبة الخداع والتمويه التي مارستها اسرائيل في مستهل هذه الحرب، وتمكنت من خلالها من إسقاط هذا العدد الهائل من الضحايا الفلسطينيين، وكذلك لعبة التخفيف من أهداف الحملة العسكرية على غزة، كانت تستهدف فقط الجمهور الاسرائيلي وتحضيره للخطوة التالية، التي قد لا تكون مجرد اتفاق جديد تهدئة أمنية، برغم الانطباع العام بان اسرائيل ستكون مضطرة للتوصل الى مثل هذا الاتفاق، كي لا تصاب بخيبة اخرى تضاف الى خيباتها من حرب لبنان الاخيرة.

ويبدو أنّ المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل في غزة لن تقف عند حدود الـ٣٠٠ شهيد الذين سقطوا خلال اليومين الأولين من العدوان، فحتى فجر اليوم كانت الغارات ما زالت متواصلة على طول القطاع، متزامنة مع تهديدات لقادة الاحتلال أكدت بأنّ ما جرى »ليس إلا البداية«، وسط حديث عن تصعيد ميداني عززته معلومات تحدثت عن حشود مدرعة على طول الحدود مع غزة، واستدعاء لقوات الاحتياط.

وحوالى الساعة الحادية عشرة والنصف من صباح أمس الأول، انطلقت آلة الحرب الإسرائيلية بسلسلة من الغارات استهدفت خلالها ٦٠ طائرة من طراز »أف ـ ١٦«، في أقل من خمس دقائق، عشرات المراكز على امتداد القطاع بعشرات الصواريخ التي قدرت زنتها بمئة طن.

 

وأعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي آفي بنياهو أن العملية، التي أطِلق عليها اسم »الرصاص المسكوب«، »ليست إلا في بدايتها، وقد تستغرق وقتا«، مضيفاً »لم نحدد مهلة ونحن نتصرف تبعا للوضع على الأرض«، فيما لم يضع وزير الدفاع ايهود باراك سقفاً زمنياً للعدوان حيث أكد أنّ »العملية مستمرة طالما اقتضى الأمر ذلك«.

وكان الغدر الإسرائيلي قد بلغ ذروته في حملة الخداع التي سبقت العدوان، فقبل ٤٨ ساعة على بدء الغارات، توعدت وزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني من القاهرة بـ»تغيير الوضع« في غزة، لكن على الأرض لم يحرّك الجيش ساكنا، فيما ذهب باراك في اليوم التالي الى حد السماح بدخول قوافل إنسانية الى غزة، في حـــين أبلغ مكتب رئيس الوزراء إيهود أولمرت الصحافيين بأن الحكومة  ستجتمع الأحد »لمناقشة« عملية مكثفة محتملة على غزة، في الوقت الذي خرج فيه قائد المنطقة الجنوبية في إجازة.

وواصل الطيران الحربي الإسرائيلي، أمس، هجماته على مناطق مختلفة في القطاع، ما رفع عدد الشهداء إلى أكثر من ٣٠٠ فيما فاق عدد الجرحى الألف، بينهم العشرات في حال الخطر، في الوقت الذي تعاني منه مستشفيات غزة من نقص في الأدوية والتجهيزات نتيجة للحصار، ما يجعلها عاجزة عن استقبال هذا العدد الكبير من الإصابات.

وأدى القصف الإسرائيلي إلى تدمير عشرات المنازل والمباني الرسمية والمقرات الأمنية في القطاع، بينها مقر السرايا، ومبنى بلدية رفح، ومبنى محطة »الأقصى«، إضافة إلى مسجد محاذٍ لمستشفى الشفاء في غزة، إضافة إلى الجامعة الإسلامية وعدد من المراكز التربوية، فيما شن الطيران الحربي الإسرائيلي غارات جوية استهدفت الأنفاق بين مصر وغزة مما أدى الى سقوط  قتيلين على الأقل، وأكثر من عشرين جريحا، في وقت استهدفت غارات ليلية مواقع عدة بينها ميناء الصيادين في غزة.

وفيما أعلنت اسرائيل، من الوجهة الرسمية، عن هدف محدود  لعدوانها، وهو وقف إطلاق الصواريخ على المستوطنات، فإنّ مستشار وزير الدفاع للشؤون السياسية والأمنية عاموس جلعاد أوضح أنّ هدف العملية هو »التوصل الى تهدئة جديدة« بشروط تحددها اسرائيل، فيما رسم باراك صورة أكثر غموضاً بقوله، إنّ العملية تستهدف »تغيير الوضع على الأرض  بصورة جذرية«، وهو ما أكدته ليفني التي أشارت إلى أنّ الهجـــوم سيستمر حتى »يتسنى تغيير الحقائق على الأرض«.

واستدعت إسرائيل ٦٥٠٠ عنصر من الاحتياط، فيما حشدت دباباتها ومدفعيتها على طول الحدود مع القطاع، مما يوحي بان عملية برية باتت وشيكة، فيما تولت وزارة الخارجية حشد الدعم الدولي للعدوان، حيث طلبت ليفني من المسؤولين في وزارتها الشروع في حملة دبلوماسية لهذه الغاية، وأوكلت لمندوب إسرائيل السابق لدى الأمم المتحدة دان غيلرمان قيادة هذه الجهود.

وفيما لم تخرج المواقف الدولية عن نطاق الدعوة إلى »ضبط النفس«، كان الموقف الأميركي أكثر وضوحاً حيث حمّلت واشنطن حركة حماس مسؤولية ما جرى، أمّا العرب فلم يتفقوا على موقف واضح، عدا خطابات الاستنكار والتنديد، فيما حالت خلافات دون انعقاد اجتماع لوزراء الخارجية كان متوقعاً أمس، وسط شكوك تحوم حول انعقاد قمة عربية طارئة كانت قطر وسـوريا قد دعت إليها.

وكالعادة، تحوّل العدوان الإسرائيلي إلى مادة سجال بين الأنظمة العربية، حيث ذكرت مصادر دبلوماسية شاركت في اجتماع المندوبين الدائمين لدى الجامعة العربية، انه »تم الاتفاق على عقد قمة عربية طارئة في الدوحة الجمعة المقبل لبحث الاعتداءات الإسرائيلية على قطاع غزة«، ولكن القاهرة تبدو متحفظة على عقدها.

وأثارت الغارات على غزة، والتهديدات التي أطلقت ضد القطاع من القاهرة، جملة من التساؤلات حول الموقف المصري، خصوصاً في ضوء تصريحات وزير الخارجية أحمد أبو الغيط أن بلاده حذرت من إمكانية وقوع هجوم إسرائيلي وإن الذين تجاهلوا التحذيرات مسؤولون عن العواقب، وهو ما ردده الرئيس الفلسطيني محمود عباس، من المنبر ذاته الذي أطلقت فيه ليفني تهديداتها يوم الجمعة الماضي، حيث قال »تكلمـــنا معهم (حماس) بالهواتف وقلنا لهم نرجوكم، نتمنى عليكم، لا  تقطعوا التهدئة فلتستمر التـــهدئة ولا تتوقف حتى نتفادى ما حصل وليتنا  تفاديناه«.

ووصف الرئيس الليبي معمر القذافي رد القادة العرب على الهجمات الإسرائيلية بـ»الجبان والمتخاذل والمنبطح«، متهماً الدول العربية بأنها »تتاجر في هذه القضية«، فيما أعلن مسؤول سوري أنّ دمشق علّقت محادثات السلام غير المباشرة مع اسرائيل، معتبراً أنّ العـــدوان يوصد الباب دون التحرك من اجل تحقيق تسوية سياسية سلمية. 

أما غزة، فقررت »ألا ترفع الأعلام البيضاء«، حسبما أعلن رئيس الحكومة المقال اسماعيل هنية، حيث توعدت فصائل المقاومة برد قاس على العدوان، مطلقة عشرات الصواريخ على المســتوطنات، أصاب بعضها، وللمرة الأولى، أهدافاً على بعد ٣٣ كيلومـــتراً من القطاع، بحيث بات حوالى »نصف مليون إسرائيلي تحت النار« وفقاً لما عنوت أمس صحيفة »يديعوت أحرونوت«.

وقال المتحدث باسم حماس فوزي برهوم إن »إسرائيل ترتكب محرقة ومجزرة تحت سمع وبصر العالم أجمع من دون ان يحرك أحد ساكنا«، مشدداً على أنّ هذه المجزرة »لم تكن لتحدث لولا الصمت العربي والتواطؤ الأوروبي والدعم الأميركي«.

إلى ذلك، خرج العديد من عواصم العالم في تظاهرات ضد العدوان، فيما اشتبك متظاهرون فلسطينيون مع قوات الاحتلال في مدن وبلدات الضفة الغربية والقدس المحتلة وأراضي العام .١٩٤٨ وتوعد مسؤول أمني إسرائيلي فلسطينيي ٤٨ برد صارم، وحثهم على الهدوء وضبط النفس«.