
مشاركة:
لم يستوعب مجرى نبع الطاسة ومحطة التكرير والتحويل كثافة أمطار الميلاد التي غذّته على مدى يوم كامل. ولأن السد الذي أنشئ بعد النبع بخمسين متراً لم يحتو على الكمية الكافية من الحديد حسب المواصفات الفنية المطلوبة على ما يبدو،
فقد اجتاحته المياه عند أول سيل. وعلى الرغم من التحذير الذي أطلقته جريدة «الأخبار» في عددها الصادر بتاريخ 25 أيلول 2008 على لسان رئيس بلدية جرجوع محمد مقلّد، في حديث تناول فيه هشاشة بناء السدّ، مرجحاً «أن تجرفه سيول أول موسم غزير الأمطار، إذ بدأت تظهر فيه التّشققات منذ الآن»، فإن الجهات المعنية في وزارة الطاقة والمياه ومصلحة مياه نبع الطاسة لم تُعر الأمر الاهتمام اللازم، فكان أن صدقت التوقعات وأطاحت السيول السد الواقع أسفل النبع.
وبينما يشهد مقلّد اليوم، آسفاً، صدق توقعاته، يشرح للأخبار مجدداً قصة السد الذي «بني بمساعدة مجلس الإنماء والإعمار بمئة ألف دولار أميركي. عند أول زيارة إليه، لفت نظري أن الأشغال لا تتفق مع أبسط الاعتبارات الفنية، فأرسلت كتاباً إلى المهندس المشرف وصارحته بذلك، وقلت إن بلدية جرجوع لن تتسلّم السد ولن تكون مسؤولة عن صيانته، كما أرسلت كتاباً إلى مجلس الإنماء والإعمار شرحت فيه ما يجري مع شريط فيديو يحدّد الخلل، مؤكداً للقيّمين أن بناء الجسر أوهن من بيت العنكبوت، تلقّيت بعدها كتاباً منهم يؤكد تسلّم التقرير».
ويروي مقلّد تحرّك المجلس إثر ذلك. إذ «أتى المهندس المشرف فاكتشف فيه فسوخاً، وحين حكّ الإسمنت بحجر، تفتّت، لأن كمية الباطون المستخدمة في بنائه غير كافية».
يومها، تمتم المهندس «يا حرام الشوم، يا عيب الشوم»، كما يروي مقلّد، مضيفاً «المطلوب ليس البكاء فوق رأس الميت، بل محاسبة الملتزم وإرغامه على إعادة بناء السد على أسس متينة وصيانته لاحقاً. فلو كنا في بلد يحاسب السارق، لكان هذا الملتزم قد دخل السجن. بدنا نخلص من السرقة، وهذه أموال ناس، عيب».
من جهة ثانية، استغربت رئيسة جمعية نداء الأرض، السيدة زينب مقلّد «كيف أن وزارة الطاقة والمياه ومصلحة مياه نبع الطاسة لا تباليان بالكميات الغزيرة من مياه نبع الطاسة التي تتفجر شتاءً وتذهب سدى نحو البحر، بدلاً من إقامة سدود منيعة لتخزينها، بينما تحاول هاتين الجهتين خلال الصيف مصادرة كل مياه النبع وبعض الينابيع الصغيرة الرافدة لنهر الزهراني، من أجل قتل الحياة فيه وعلى جانبيه»، لافتة إلى أن «قيام المصلحة بمهمة نقل المياه على مدى ستة أشهر بين فصلي الخريف والشتاء غير كافية ولن تحل المشكلة المتفاقمة، لأن المياه الباقية والفائضة عن النبع كبيرة جداً، وحرام أن تذهب هدراً. لذلك وافقنا على فكرة إقامة سدود توفّر المياه للمنطقة صيفاً وشتاءً، مع العلم أن الحاجة إلى المياه تتفاقم خلال الصيف، بينما تتراجع كثيراً في الشتاء. إذ يغادر قسم كبير من أبناء المنطقة إلى العاصمة بيروت وتتوقف عملية ري الأراضي».