
مشاركة:
تنطوي سنة 2008 على استحقاق يقتضي أن يخلفه استحقاق السنة الجديدة نتيجة حتمية لوداع استحقاق 2008، وهو اتفاق الدوحة.
وستكون الترجمة الفعلية لاستحقاق السنة المقبلة نتائج الانتخابات النيابية المقرّر إجراؤها في الربيع المقبل، سعياً إلى تكريس انتصار أحد فريقي النزاع الداخلي بحصوله على الأكثرية المطلقة في مجلس النواب المنتخب. وهذا ما تجهر به قوى 14 آذار وقوى 8 آذار على السواء، إذ تجدان في انتخابات 2009 محكاً، ليس لشعبية كل منهما في الشارع فحسب، بل كذلك لمشروعها وخياراتها السياسية التي ستقودها، بعد الغالبية النيابية، إلى الحصول على الأكثرية الحكومية في أولى حكومات ما بعد انتخابات 2009. مع معرفة كلٍّ من الفريقين أن أحداً منهما لا يسعه تحقيق انتصار كامل في الانتخابات النيابية، ولا كذلك أن يحكم لبنان منفرداً، ولا المغالاة حتى في وهم حكم مطلق ينبغي أن يسبقه حصول أحدهما على ثلثي البرلمان المنتخب، الأمر الذي يُمسي أكثر استعصاءً في معركة الصراع على السلطة.
على أن استحقاق 2009 يحمل بدوره استحقاقاً آخر كبيراً ومكتوماً يضع مسار الاستقرار الداخلي أمام الامتحان، هو مصير اتفاق الدوحة الذي تنتهي مفاعيله بطيّ صفحة انتخابات السنة المقبلة، سواء الإجرائية ـــــ وتكون قد طبقت هذه كلها عندئذ ـــــ أو الرمزية التي لا تزال تمثل حتى الآن على الأقل صمام أمان الاستقرار السياسي والأمني من خلال فك الاشتباك بين الطرفين المتناحرين في السلطة كما في الشارع.
وهو ما لا يزال يسلّم به الأفرقاء جميعاً، حتى عندما يذهبون في تشدّدهم وتصلبهم في شروطهم ومواقفهم المتبادلة إلى ذروتها، إذ يخلصون إلى إعلان تمسّكهم باتفاق الدوحة ورفض أي محاولة لانتهاك روحيته وبنوده، أو إسقاط التفاهم الناجم عنه. ولا يعني ذلك خصوصاً إلا تأكيد التزامهما التوازن السياسي الذي نشأ من مداولات الاتفاق وقراراته في 21 أيار الماضي، وعدم الاحتكام إلى السلاح والشارع مجدّداً ووضع حدّ للاستئثار بالسلطة. الأمر الذي من شأن نتائج انتخابات 2009 تجاوزه تماماً وكلياً، سواء فازت قوى 14 آذار فيها فجدّدت شرعيتها التمثيلية للغالبية الشعبية كي تستعيد مرة أخرى سيطرتها على الأكثريتين النيابية والحكومية، وتعود بالبلاد إلى ما كانت عليه طريقة حكمها ما بين عامي 2005 و2008 ـــــ وقد أدت إلى الانفجار ـــــ وهي تتحصّن بشرعية جديدة لا يقوى الفريق الآخر على نكرانها، أو ربحت قوى 8 آذار الأكثرية المطلقة في مجلس النواب الجديد، ما يحملها بلا ريب على انتزاع الغالبية الحكومية كي تقود، هي الأخرى، البلاد إلى حقبة مختلفة من الحكم لم يخبرها هذا الأخير بسبب تشعّب أفرقاء المعارضة وتحالفاتهم الداخلية والإقليمية.
وسواء ربح الموالون أو المعارضون انتخابات 2009، فإن نتائجها ستفضي حتماً إلى إعلان وفاة اتفاق الدوحة الذي يكون عندئذ قد أنجز المهمة المنوطة به، وهي توفير الانتقال الطبيعي والسليم للوضع الداخلي المتفجّر غداة أحداث 7 أيار من حرب مذهبية اندلعت ـــــ أو أوشكت ـــــ إلى سلم أهلي موقت ينتظر من خلال حوار وطني مستمر استحقاق انتخابات 2009، على أن يصار في هذه الغضون إلى إخراج البلاد من شغور رئاسة الجمهورية وتأليف حكومة وحدة وطنية تراعي التوازن السياسي الجديد الذي فرضه اتفاق الدوحة على الموالاة بتصغير حصتها في الحكومة الجديدة، وعلى المعارضة بتكبيرها في مقابل وضع سلاح حزب الله على طاولة الحوار الوطني، وضمان اتفاق الطرفين على قانون جديد للانتخاب. لم يستمهل اتفاق الدوحة الموالين والمعارضين للتفاهم على قانون الانتخاب، بل حملهم على إنجازه في مداولات العاصمة القطرية كي تكون التسوية مكتملة هناك، ويصار من ثمّ إلى وضعها موضع التنفيذ الفوري عندما يعود الزعماء إلى لبنان.
وهكذا بعد انتخاب المرشح التوافقي قائد الجيش العماد ميشال سليمان رئيساً للجمهورية، تألفت حكومة وحدة وطنية لم تعبّر في واقع الأمر عن نتائج انتخابات 2005. أعطي المعارضون في الحكومة أكثر ممّا يمثلون في مجلس النواب، وأخذ الموالون مقدار ما يمثلون في برلمان 2005. أرسى الاتفاق توازناً غير مألوف وغير مفهوم في قواعد اللعبة الديموقراطية، إلا أنه أكثر مقاربة في تبرير مقتضيات السياسة اللبنانية، بأن أنهى في ممارسة الحكم في مجلس الوزراء نصاب أكثرية وأقلية، واعترف بتشتيت الشارع على الفريقين.
بذلك، منذ 11 تموز، لم يواجه مجلس الوزراء صراع نصاب، وساده توافق على تعطيل الأكثرية المطلقة والثلث المعطل في آن واحد. لم تكن هذه حال مجلس النواب عند انتخاب خمسة أعضاء في المجلس الدستوري قبل أيام. ما كادت الموالاة تحتكم إلى أكثريتها المطلقة، حتى عدّ المعارضون تصرّفها ـــــ وهو حقها القانوني ـــــ اعتداءً على اتفاق الدوحة، فانتقلت عدوى الأزمة إلى مجلس الوزراء إذ تعذّر عليه انتخاب الأعضاء الخمسة الباقين.
لم يقل اتفاق الدوحة كذلك للأفرقاء، ولا للبنانيين، إن أمده طويل ومستمر على نحو اتفاق الطائف، ولا عدّ نفسه تسوية سياسية مستديمة تضع قواعد جديدة للحكم الدستوري وعمل المؤسسات، بل اكتفى برعاية عربية وتأييد دولي بتقديم مسار موقت هو اجتياز مرحلة انتقالية صعبة ومكلفة بين نتائج انتخابات 2005 ونتائج انتخابات 2009.