التعقُّل يَخْتم جرح حادث كفرحيم

مشاركة:

جرت يوم أمس الأول مصالحة سياسية وعائلية في دار بلدية كفرحيم، برعاية لجنة من مشايخ الطائفة الدرزية، بين الحزب الاشتراكي ممثّلاً بعضو مجلس القيادة ناصر زيدان، وتيار التوحيد اللبناني ممثّلاً بنائب رئيس التيار سليمان الصايغ،

وبحضور حشد من المشايخ والفاعليات والمواطنين.

جاءت المصالحة لتثير أسئلة وتوحي استنتاجات في ظل واقع متجدد في الجبل، وتحديداً العلاقة بين تيار التوحيد والحزب الاشتراكي، بعد الاعتراف الجنبلاطي المدوي بـ«حالة وئام وهاب السياسية»، وهي المرة الأولى التي تسجّل مثل هذا الاعتراف بحالة سياسية من خارج الأطر التقليدية أو الأحزاب المتجذرة تاريخياً في الجبل. وتيار وهاب يحمل سمات الحالة الدرزية الناهضة، وله علاقات عميقة داخل أوساط رجال الدين، ويضع معاييره تحت سقف القوانين اللبنانية وأجهزتها الأمنية حكماً ومرجعاً. وفي المقابل، يُلاحظ ارتفاع نبرة «درزية جنبلاطية» جديدة تقول «نحن أقلية، وعلينا الاعتراف بعضنا ببعض» رداً على موقف جنبلاط الأخير، وهي نبرة لم تكن قائمة حتى في الماضي القريب، وخاصةً إبان الانتخابات النيابية الأخيرة، ومن ثم إنشاء المجلس المذهبي، وفي طريقة التعاطي مع المعارضين داخل الطائفة وفي قضاءي عاليه والشوف.

وشهدت بداية العلاقة تجاهلاً كاملاً من الاشتراكي في ظل هجمات حادة من وهاب على جنبلاط شخصياً، ثم تطورت سريعاً إلى خوف وشائعات عن حالات فردية تستفيد من بعض المال «الإيراني السوري وبحماية أمنية من حزب الله». وإذ بدأت هذه الحالة تتشكل شهدت محطات عدة من الحوادث الدموية، إلى أن أثبتت الوقائع أن هناك حالة درزية ما يستفيد منها تيار التوحيد بالتعاون مع القوى «المعارضة» الأخرى مثل الحزب الديموقراطي والسوري القومي.

هل تنسحب الوقائع الأخيرة على الاستحقاقات القادمة؟ هل هي ترجمة عملية لسقوط مشروع قوى 14 آذار وينعكس مباشرةً في أقضيتها ومناطقها؟ أم أنها فترة الهدوء ما قبل عاصفة الانتخابات؟

أمام الحاضرين من ذوي الموقوفين في حادثة كفرحيم، رحّب الشيخ سليمان أبو ضرغم بالحضور في «كفرحيم بوابة الشوف، وهذا اللقاء ليس للمصالحة بل للمعايدة». وكانت مناسبة لتأكيد ما سبق أن قاله جنبلاط ووهّاب. وجاء في كلمة ممثّل جنبلاط ناصر زيدان أنه «بين الأهلية والسياسة وبين الأهلية والحزبية والتفرقة، بالتأكيد نحن إلى جانب الأهلية، ونحن قوم أبناء بيئة واحدة ومنطقة واحدة نتشارك الأفراح والأتراح. مصيرنا أن نكون بعضنا مع بعض جميعاً، وسنكون كذلك. ما تفرّقه السياسة والاختلاف في الرأي ضمن الضوابط لا يفسد للود قضية. تراثنا وتقاليدنا التي اكتسبناها من آبائنا وأجدادنا هي قدوة الطريق بالنسبة إلينا. أما حرية العمل السياسي والحزبي فهي مصانة للجميع بحكم الدستور والقانون. الدولة تحفظ هذا الأمر بقوانينها وأجهزتها ومؤسساتها، ونحن في الحزب التقدمي الاشتراكي نؤمن، وفي صلب عقيدتنا، بحرية الرأي وحرية التفكير والتعبير والمعتقد، وهذا ما نتمسّك به اليوم أكثر من أي وقت مضى. أما ما حصل في كفرحيم، فنكتفي بما قاله رئيس الحزب وهو ملزم لنا».

وكذلك كان موقف نائب رئيس تيار التوحيد الشيخ سليمان الصايغ. إذ أكد «أن ما حصل في كفرحيم هو عمل مدان نرفضه جميعاً، وهذا خارج عن تقاليدنا، ونحن إذ قدّرنا موقف النائب جنبلاط برفعه الغطاء عن المسبّبين لوأد الفتنة في مهدها ومنع انجرارنا إلى ما لا تحمد عقباه، نشكر جهود المشايخ والقوى الأمنية والجيش، وخاصةً العميد أنور يحيى (قائد الشرطة القضائية)».

وعاد ليؤكد «حرية العمل السياسي في الجبل، وأن تكون الدولة بأجهزتها كلها هي مرجعيتنا، ونحتكم إلى القضاء والقانون، ونحن نرفع الغطاء عن أيّ مخلّ بالأمن أو أيّ متواطئ ضد أمن الجبل، وكرامتنا واحدة، والخلاف السياسي يبحث في الغرف المغلقة وفي ما بين العقلاء مع المرجعيات الدينية لتحديد الإطار والخيار لطائفة الموحدين الدروز، وهي الطائفة العربية الفاطمية الوطنية المقاومة منذ ما يزيد على ألف سنة، وتحديد خياراتها ضرورة ملحّة ومن مصلحتنا جميعاً، وهذا بالطبع يجب ألا يصار إلى ترجمته في الشارع بشكل يعيث فساداً ويسبّب الكوارث على قرانا وأهلنا، بل علينا الاحتكام إلى العقلاء والمسؤولين.

تتكاثر الأسئلة والتوقعات، ولكن في النهاية ثمّة حالة درزية مختلفة وواقع جديد ناشئ.