
مشاركة:
في إطار موازنة القدرة بين الجيش اللبناني والوسائل القتالية الموجودة لديه، والجيش الإسرائيلي المقتدر عسكرياً
من الصعب التعامل مع «هبة» طائرات الميغ الروسية للبنان، على أنها معطى يقلب الموازين العسكرية بين الطرفين، رغم أن «الالتفاتة» الروسية، إن قُدّر لها أن تبصر النور، ترفع من قدرة الجيش اللبناني وفاعليته، التي افتقر إليها طويلاً.
أثارت الهبة الروسية إسرائيل، التي عبرت عن «قلق خجول»، بعد صمت ابتدائي لافت. والإعراب عن هذا النوع من القلق، دون أن يصحبه صراخ، ودون تسابق مسؤولي إسرائيل على إطلاق التصريحات، يشير إلى أن الموقف الإسرائيلي قد جاء في أعقاب دراسة وموازنة للمصالح. وتتحرك إسرائيل حيال الساحة اللبنانية ضمن محددات ووسائل خاصة، تهدف بمجملها إلى رفع التهديد العسكري المتعاظم في أعقاب حربها على لبنان، وإعادة ميزان القوة فيها (حزب الله) إلى مستويات لا تشكل خطراً على خططها ومشاريعها في هذا البلد. وما دامت المقاربة العسكرية الكبرى في حرب تموز 2006 قد انتهت إلى الفشل، ولا يُقدّر لمجازفة عسكرية أخرى أن تؤتي ثمارها أيضاً ـــ على الأقل في الآجال القريبة ـــ تعمل إسرائيل على إيجاد بدائل للوصول إلى غاياتها أو للاقتراب منها، من بينها بدائل من داخل البيت اللبناني نفسه، وخاصة أن هناك إطرافاً لبنانية تسارع إلى التطوع «لملء الفراغات» الإسرائيلية، ما يمكّن إسرائيل من المراهنة عليها، في الوقت المستقطع.
يترتب على ذلك، إسرائيلياً، التمييز بين البدائل العملية الموجودة فعلياً في الساحة اللبنانية ـــ وقد ثبت قصورها وعدم نجاعتها أيضاً، إلى الآن ـــ وبين بدائل «متصورة» ومأمولة. والأخيرة، إن لم تكن بالفعل قادرة على «معالجة» حزب الله، فعلى الأقل يراهن من خلالها على إشغاله. من هنا، تنظر إسرائيل إلى تطورات الساحة اللبنانية والأحداث الواقعة فيها، كمعطيات يمكنها أن تخدم أو أن لا تخدم استراتيجيتها حيال حزب الله. و«معطى» طائرات الميغ الروسية، وغيرها من المعطيات المشابهة، يدخل كـ«طارئ»، في هذا الإطار.
من ناحية، تشكل عملية تزوّد الجيش بطائرات حربية متطورة، من النوع المشار إليه، فرصة لإسرائيل ولقوى لبنانية «تتقاطع» معها في المصالح والغايات، لأن في مقدور هذه القوى، تقديم الجيش كأداة كافية لتوفير الأمن والدفاع عن لبنان حيال «أعدائه»، وبالتالي تأمين أداة للاستراتيجيا الدفاعية المطلوبة، بعيداً عن حزب الله و«خطره»، الذي سيفقد دوره المقاوم.
من ناحية ثانية، تكتنف هذه الفرصة عقبات، عبرت عنها إسرائيل في الأيام القليلة الماضية، في سياق تعليقها على هبة الميغ الروسية، إذ تخشى إسرائيل من تغيير الإمرة على الجيش و«التغيير في أهدافه»، فبحسب تعبير مصادر عسكرية إسرائيلية «الصفقة لا تتساوق مع المهمة الأساسية الموكلة إلى الجيش اللبناني، أي الحفاظ على أمن جنوب لبنان».
مشكلة أخرى تحول دون ترحيب إسرائيل بـ«هبة» الميغ، وتعزيز قدرات الجيش اللبناني عموماً، وهي ما أشارت إليه صحيفة «معاريف» قبل أيام، إذ «تنتمي أغلبية عناصر الجيش اللبناني إلى الطائفة الشيعية، وتصل النسبة إلى ما يفوق الستين بالمئة من عديده، وهذا الواقع مرشح للزيادة إذا ما توصل (الحوار اللبناني) إلى نزع سلاح حزب الله، واندماج عناصره في المؤسسة العسكرية اللبنانية، الأمر الذي يحوّل جيش الدولة إلى قوة شيعية».
بناءً عليه، يتحدد الموقف الإسرائيلي من الهبة الروسية، ومثيلاتها، في الموازنة ما بين «الفرصة» الكامنة في تسليح الجيش اللبناني بسلاح متطور، كبديل «متصوّر» عن خيارات إسرائيل غير القادرة على تفعيلها في الأمد المنظور «لمعالجة» حزب الله، وبين عراقيل «الفرصة» المتمثلة بإمرة الجيش وعقيدته وعديده الطائفي المخشى منه.
على ذلك، يمكن فهم «قلق» إسرائيل الخجول الذي لا يصل إلى حد الاعتراض الكامل، ما دامت نوعية التسليح المراد تزويد الجيش اللبناني بها، هي في مستويات لا تشكل خطراً حقيقياً على إسرائيل، لكنها في الوقت نفسه، تسبّب إشغالاً داخليّاً لحزب الله، يتكفل به بعض من شركائه في الوطن.