كلهم طالبوا بتعديل الطائف، إلا عون

مشاركة:

لم يطرح ميشال عون، في ملاحظاته إزاء عمل النظام، ما يمس دستور الطائف، أو يقتضي تعديله.

ذلك أنه تناول مسألتين اثنتين: أولاً، إلزام كل أعضاء مجلس الوزراء، بمهل زمنية محددة، لتوقيع المراسيم وأعمال المجلس المختلفة. وهو أمر يكفيه إقرار النظام الداخلي لمجلس الوزراء بقانون عادي. وثانياً، الفصل بين مرجعية المؤسسات التنفيذية، ومرجعية الهيئات الرقابية في الدولة. وهو أمر تفرضه أبسط قواعد المنطق الإداري السليم، وتكفيه بضعة تعديلات في أنظمتها، غير الدستورية.

أما الحديث عن الطائف، فشأن آخر، لم يغب عنه أي من المتنطّحين اليوم، لمساجلة عون.

والمدخل الصحيح لهذه الإشكالية، هو المنطوق الطبيعي لموقع رئيس الجمهورية كما نص عليه الدستور الحالي نفسه. وهي ليست بعيدة عن تفكير معظم القوى السياسية الأساسية. فالبطريرك الماروني، الذي أُلبس صفة أحد عرّابي اتفاق الطائف، أشار مرات عدة إلى أن التطبيق العملي لهذا الاتفاق كشف في الواقع وجود ثغر عدة فيه، من الضروري العمل على سدّها. والمسألة نفسها كانت ملازمة لنشوء الطائف وهاجسة لأهله أنفسهم قبل سواهم. فالكل يتذكر أنه عند إقرار التعديلات الدستورية المنبثقة من الاتفاق المذكور، صيف عام 1990، أبدى سمير جعجع تحفظات واضحة حيال الأمر. حتى إنه نجح في تأجيل الجلسة الأولى التي كانت مقررة للمجلس النيابي لإقرار تلك التعديلات. قبل أن يتحرك محسن دلول على خط دمشق ـــ الرملة البيضاء ـــ الكرنتينا.

حتى إلياس الهراوي نفسه، أول رئيس لدستور الطائف، حرص على تأخير توقيعه لقانون التعديلات حتى اليوم الأخير من المهلة المعطاة له لذلك.

ويذكر الجميع كيف حاول الهراوي بعد الأسابيع الأولى على قيام حكومة الرئيس عمر كرامي، تطييرها وإسقاطها. وكيف نجح رئيس المجلس النيابي في حينه حسين الحسيني، في تعطيل تلك المحاولة. تلك الحادثة التي خالفت طمأنة الهراوي نفسه لناحية الدستور وصلاحياته ورجاله، واجهها يومها سمير جعجع بانتقاد عنيف للحسيني، لجأ فيه إلى مراجعة للمادة 49 من الدستور نفسها، سائلاً عن صلاحيات رئيس الجمهورية المذكورة فيها، ومتسائلاً عن مضمون عبارة «عندما يقبض رئيس الجمهورية على أزمة الحكم» التي ترد في المادة 50 من الدستور أيضاً، وكيف للرئيس أن «يقبض» على سدة العهد والحكم؟

والإشكالية نفسها، عادت فطرحت إعلامياً في شباط 2006، من زاوية «التوازن»، بعد انسحاب الجيش السوري واستعادة السيادة. فطرحها البطريرك صفير، وأفاض جعجع في الإشارة إلى أنها موضع بحث بينه وبين محور الحريري ــ جنبلاط.

ثمة عطبان أساسيان في النظام اللبناني، لا يمكن الانتقال إلى مرحلة السيادة، من دون معالجتهما. الأول، يتمثل في كون نظام الطائف عاجزاً عن ذاتية الحركة والأداء، في شقه التنظيمي الوظائفي دستورياً. والثاني يتمثل في كون هذا النظام بالذات عاجزاً عن تأمين التوافق المتوازن بين جماعاته، ميثاقياً.

ففي الشق الأول هناك فجوات فاضحة في دستور الطائف، تترك ألف سيناريو وسيناريو للفوضى والشلل والعرقلة والتعطيل، ولبنان اليوم في واقع مثلٍ من أمثلته. فماذا إذا لم يتمكن رئيس الجمهورية من تسمية رئيس حكومة مكلّف؟ وماذا إذا تمّ التكليف ولم يتمّ التأليف؟ وغيرها الكثير من النقاط الضرورية لحسن عمل النظام، والتي أبقاها «الطائف» من دون إجابات واضحة أو شافية. الواضح أن تلك الفسحات، لم تُترك لأعرافنا العريقة، بل لضابط خارجي يشرف على النظام ويسدّد عمله ويسدّ ثغره. وهذا ما أدته دمشق في لبنان طيلة 14 عاماً ونيّف، ويحاول آخرون تأديته من بعدها. أما في الشق الميثاقي لنواقص الطائف وهنّاته، فيكفي ما كشفه «العارف» الفرنسي ألكسندر أدلر في 17 شباط 2005، من أن الرئيس الراحل رفيق الحريري كان قد طرح في حواره مع السيد حسن نصر الله قبل اغتياله، فكرة التناوب على رئاسة الحكومة بين السنة والشيعة. ما يؤكد، لمجرّد الطرح، أن ثمة إشكالية ميثاقية مقابلة، مع توازنات نظام الطائف أيضاً. ثمة جماعة لبنانية راضية عن تركيبة السلطة دستورياً، تسعى إلى حماية هذا الستاتيكو في النظام. وثمة جماعتان، أخريان، تتبرّمان من التركة السورية، وتسعيان كل على طريقتها إلى عدم تحولّها إلى لاتوازنٍ داخلي ثابت ونهائي.