
مشاركة:
يسود انطباع عام في مدينة طرابلس بأن الانتخابات النيابية المقبلة مختلفة في الشكل والمضمون عن سابقاتها، ممّا يجعل مهمة الطبقة السياسية في هضم طبيعة المعركة القادمة أصعب وأكثر تعقيداً،
ولا سيما أن غالبية النواب الحاليين ركبوا موجة «الحقيقة» في الدورة السابقة ولم يتكلّفوا عناء المنافسة السياسية، فحصلوا على مقاعدهم بسهولة وفق نظام المحدلة.
هناك مشكلة كبيرة عند ثلاث قوى رئيسية في طرابلس بعد إقرار قانون 1960، هي تيار المستقبل والوزير محمد الصفدي والرئيس نجيب ميقاتي، وتتجلى بعدم إمكان التأكد من وفاء أنصارهم لهم كلّ على حدة.
يقول أحد مرشحي طرابلس إن «العصفورية السياسية شغّالة»، إذ إن تسريبة واحدة أحدثت ضجة كبيرة، وهي تسريبة احتمال تأليف ثلاث لوائح، وقد «دسّها» مستشارو أحد نواب المدينة رداً على الاستفراد الذي يتعرّض له، وللقول إن بإمكانه خلق حالة «وازنة» في طرابلس.
أما الرئيس نجيب ميقاتي، فيبدي رغبته في انضمام محمد نديم الجسر والنائب السابق عبدالمجيد الرافعي إلى لائحته إذا تألّفت، دون توريط نفسه في وعد قاطع، بسبب الائتلاف المنتظر الذي لا يزال البحث فيه جارياً حتى اللحظة، فيما طبخة التحالفات الحادة لم تنضج بعد. ويحاول محمد الصفدي من جهته الخروج من تأثير صدمة انفصال محمد كبارة وانفراط عقد التكتل الطرابلسي، والدائرة المحيطة به تشيع أجواءً تفاؤلية مفادها أنها قادرة على إنتاج تكتل سياسي ثلاثي جديد بإبدال كباره بمرشح سنّي هو على الأغلب محمد عيسى (سفير لبنان في الكويت) من الميناء، ونقيب المحامين الأسبق فادي غنطوس، أرثوذكسياً.
يصف أحد وجهاء المدينة إمكان تأليف الصفدي تكتلاً برئاسته بأنه وَهْم. فالصفدي أصبح مدركاً أن قواعد كبارة وفئة من المستقبل ومصباح الأحدب ستعمل على شطب اسمه واسم من يدور في فلكه، فيما مؤشرات بقاء النائب الأحدب مرتفعة في لائحة المستقبل، مما يخلق أزمة متجددة للصفدي نظراً إلى الحساسية المفرطة بين الرجلين، ولأن قواعد المستقبل تشعر بالإحباط من أداء كوادره وحدّة تشنّج الأحدب في خطابه السياسي قد يشّد عصب الحريريين.
لا يبدو حتى الآن شغور الباص الانتخابي من أي مرشح «إسلامي» على لوائح قوى 14 آذار، رغم الحملات الإعلامية للتيار السلفي، من ملصقات داعمة لداعي الإسلام الشهال وغيرها، وآخرها رسائل قصيرة على الهواتف المحمولة تتحدث عن عودته من السعودية وعن استقباله للزوار والمهنئين.
من جهة المعارضة (السابقة) لم تتّضح الصورة بعد، ويروي أحدهم أن فيصل كرامي يُبدي استغرابه عند الكلام عن عدم ترشّح والده عمر للانتخابات، في إشارة واضحة إلى عدم حسم مرشح العائلة بعد.
ويبدو القريبون من الرئيس كرامي الأكثر ارتياحاً في المدينة لما ستؤول إليه التحالفات، وهم يعتقدون أن تلاقي الحريري والصفدي وميقاتي في لائحة واحدة شبه مستحيل، مما يعني أن أحد الثلاثة على الأقل سيكون إلى جانبهم إن لم يحصل توافق في المدينة. وكعادتهم، يتكتّم هؤلاء على الخلفيّة الحقيقية لارتياحهم، التزاماً منهم بسلوك كرامي التقليدي القاضي بتخبئة الأوراق الانتخابيّة حتى اللحظة الأخيرة. مع العلم أنّ ثمّة أطرافاً معارضة، غير كرامي، لم يتضح بعد موقعها وخيارها. ويفترض أن يعلن هؤلاء قريباً مواقفهم، وسط كلام عن نيّة فتحي يكن ترشيح أحد أبنائه في طرابلس باسم جبهة العمل الإسلامي.
حسب ما يقول بعضهم هنا في طرابلس، ميزة الانتخابات المقبلة هي التشطيب ضمن اللائحة الواحدة، بسبب فقدان الثقة بين عدد من المرشحين. أما على صعيد الأقليات، فهناك من يرى فيها ميزة إضافية هذه الدورة، لما تمثّل من قيمة في ظلّ الاحتدام السنّي ـــــ السنّي. لكنّ أحد المرشحين يعتبره غير حاسم للمعركة، وأن التحالفات بين القوى الأساسية هي الفاصلة. فالأصوات العلوية معروف اتجاهها، أما مسيحياً فيستعين بمَثَل عن الدورة الانتخابية السابقة حين وظّف أحد المرشحين المسيحيين كمّية هائلة من المال في الزاهرية التي أعطت بدورها أكثرية أصواتها لمرشح المعارضة حينها رفلي دياب، رغم جهل غالبية المقترعين له.
لا يمكن الكلام عن بدء دوران عجلة الماكينات الانتخابية في طرابلس. فهذه المدينة في هضم مستمر لخدمات السياسيين على طول السنة، والماكينات في حالة استنفار دائم، والانتخابات المقبلة لا تمثّل سوى المحطة التي يبسط فيها الجميع طاقاتهم كاملة… فلننتظر ونرَ.