قلّة يسألون الحكومة في يوم مساءلتها الثاني وكثر ينظّرون

مشاركة:

في اليوم الثاني من جلسات مساءلة الحكومة، لم يقدم نواب الأكثرية جديداً، فشُغلوا في العناوين السياسية العامة، فيما بدا نواب المعارضة متأهّبين لطرح قضايا يرجّح أن تشغل ناخبيهم وتشدّهم إليهم في الشهور القليلة المقبلة

عشيّة الانتخابات، كان ينتظر من خطباء المجلس النيابي نوع آخر من النقاش يعيد النواب، وخصوصاً الذين تعبوا من المطالبة سنتين بفتح المجلس ليشرعوا، إلى دورهم كممثلين عن الشعب يسعون وراء مصلحته. لكن، فضّل نوّاب الأكثريّة والأقليّة أن يتجاهلوا العنوان الأساسي للجلسة المتمثّل بمناقشة سياسة الحكومة. وشُغلوا بتكرار معظم النواب لأنفسهم، مضيّعين فرصة وقوفهم عشرين دقيقة أمام الرأي العام لجذبهم إلى قضايا تشغل الناخبين. لا بل إن سوء التنسيق وعدم مراعاة المصالح الانتخابيّة لنواب زملاء أدى ببعض النواب إلى إلحاق ضرر بفريقهم السياسي، فيما بدا واضحاً التوزيع الذكي للأدوار بين نواب تكتل التغيير والإصلاح، وقد بدا أن هؤلاء في اجتماعهم الدوري يتقاسمون الملفات، ويجمعون المعلومات.

الاكثريّة: تشغلها السياسة والهموم الكبيرة

ولمناسبة محاسبة الحكومة، توقف النائب جورج عدوان طويلاً عند 3 إشكاليات تتعلق بتنفيذ اتفاق الدوحة، هي: التعاطي مع الحكومة باعتبارها حكومتين، التعطيل، والترهيب. أما بشأن الوضع المالي ـــــ الاقتصادي ـــــ المطلبي الذي يعني غالبية الناس، فقد دعا الحكومة إلى وضع خطة شاملة تقوم على الرصانة المالية مع تحديد الأولويات وكيفية توفيرها.

ورأى عدوان، الذي ردّ بعنف على النائب عباس هاشم حين حاول التعليق على مداخلته، أن التجربة الاستثنائية بين أكثرية وأقلية في حكومة واحدة لم تكن ناجحة، متعهّداً باسم الأكثرية ذهابهم إلى معارضة دون اشتراك في الحكومة إن خسروا أكثريتهم في

الانتخابات.

أما زميله في كتلة القوات إيلي كيروز، ممثّل بشري ـــــ أحد أكثر الأقضية حرماناً ـــــ، فلم يكن أكثر منه عناية بهموم الناس. إذ رأى أن «الكيان اللبناني بتجربته الفريدة ومشروع الدولة مهدد بالإلغاء»، معتبراً أن المصالحات… وخطابات التهدئة لا تغيّر في أسس الصراع في لبنان وفي حقيقة المشروع الانقلابي على لبنان الإنسان والمجتمع والدولة».

وقرأ كيروز في ورقته «نقاشاً في مسألة العلاقات اللبنانية السورية، الانتخابات النيابية، المسيحيون وخيارات اليوم، الإصلاحات وحقوق الإنسان».

وقد تشنّجت وجوه نواب عكار الحاضرين بوضوح مع مضي زميلهم في الأكثريّة النائب جواد بولس في الكلام عن ضرورة قيام الحكومة بواجبها لناحية ضبط الحدود ومنع التهريب. وهم يجتهدون لترميم علاقتهم مع أهالي السهل ووادي خالد في عكار الذين يعيشون بفضل التهريب.

أما محمد الحجار الذي قدّر جمال العودة إلى المجلس لمراقبة الحكومة وتقويم «الاعوجاج» فسأل الحكومة إن هي أفلحت في تحقيق ما قالته في بيانها الوزاري، ثم شُغل بالرد على معظم الانتقادات التي وُجّهت إليه.

وطلب سرج طور سركيسيان، الذي يستصعب عدم السخرية من زملائه حتى رفاقه في 14 آذار، توفير قروض تعليمية للشباب وللمتخرّجين، خفض تعرفة النقل الرسمي والخاص للطلاب، ولا سيما الجامعيين منهم، حثّ السفارات الغربية، وخصوصاً الكندية، على عدم تسهيل الهجرة إلى الخارج وبصورة خاصة للمسيحيين، منتقداً بحدة وزير الطاقة.

واستهل النائب بطرس حرب الجلسة المسائية بتلاوة خاتمة مداخلتة أمام المجلس يوم مثُلت الحكومة لنيل الثقة، منتقداً الحكومة مجتمعة، وسائلاً عما فعلته حكومة الانتخابات لتسهيل حصولها، وعما فعلته بشأن القضاء.

ودعت النائبة نائلة معوّض الحكومة إلى إيجاد آلية لمعالجة ملف «السلاح السوري» في المخيمات الفلسطينية، متسائلة عن نيّة السوريين من وراء رفض مساعدة لبنان على تحرير مزارع شبعا.

أما أنطوان زهرا، فرجّح أن يكون وزير الطاقة مشغولاً عن العمل باستمارة المراجعات التي تحتوي خانة تطلب ذكر الجهة التي تراجعه في المعاملة. فيما لم تقدّم غنوة جلول أي جديد، مفسحة المجال أمام زميلها محمد كبارة الذي طالب بإلغاء المجلس الأعلى اللبناني ـــــ السوري. وتوقّع عضو اللقاء الديموقراطي النائب إيلي عون أن يسجّل لبنان هذا العام أعلى نمو حقيقي للناتج المحلّي الإجمالي منذ أربع سنوات، فيما اشتكى نقولا فتوش من خطب بعض النواب، معتبراً أن الحكومة يجب أن تسأل عن الأمور المصيرية، لا عن الزفت وما شاكل من أمور انتخابية. واختتم ميشال فرعون كلام الأكثريّة والجلسة المسائية بدعوة إلى تحصين الاستقرار في بيروت والحفاظ على خصوصية

العاصمة.

المعارضة السابقة تعارض بشراسة وملفّاتها كثيرة

في المقابل، وزّع نواب التغيير والإصلاح في مداخلاتهم التي تركزت على هموم مناطقهم الإنمائيّة الأدوار فيما بينهم، مجمعين على التهميش الذي يطاول دوائرهم.

فقد استهُلت الجلسة بكلمة النائب عباس هاشم الذي قدّم جردة حساب شملت معظم الوزارات، سائلاً عمّا تقدمه الدولة لتحمي الشعب. فسأل عما تفعله الدولة على الصعيد الصحي، مشيراً إلى وجود 7700 حالة سرطان كل سنة، فيما كميّة الأدوية ثابتة لا تزيد ولا تنقص.

وأثار موضوع شركة «ليبان بوست»، سائلاً عن «أثمان الأرقام المميّزة للهاتف الخلوي التي بيعت سابقاً قبل تولّي الوزير جبران باسيل مسؤولية الوزارة».

وسأل وزير البيئة عن المساعدات والهبات لتنظيف البحر التي بلغت ملايين الدولارات. ثم طرح قضايا قضائية وإنمائية وبلدية، مقدّماً أمثلة موثّقة عن هدر المال العام واستغلال السلطة.

بدوره، انتقد سليم عون تذاكي الحكومة على النواب والمواطنين بدعم المازوت بـ3000 ل ل فقط. وعن المازوت، تحدث أيضاً النائب عاصم عراجي سائلاً عن سبب تثبيت أسعار مادتي المازوت والبنزين على هذا النحو، مطالباً بتنفيذ الأوتوستراد العربي، وإنارة طريق ضهر البيدر، وتنظيف مجرى نهر الليطاني.

أما شامل موزايا، فسأل عمّا تفعله «كراتين روح الرئيس الشهيد في جبيل»، مؤكداً استعداد أهالي جبيل للموت على أن يصبحوا متسوّلين في وطنهم، مردداً أن أهالي منطقته باتوا يضطرون إلى التنقل على «الدابة» نتيجة بؤس الطرقات.

وأثار النائب نبيل نقولا افتقاد بلدات المتن شبكات مجارير تحمي البيئة والمياه الجوفية، والمواطن من الأمراض والتلوث الناجم عن هذه المياه المبتذلة، متسائلاً عن العبرة من الإبطاء في إنجاز مشاريع الطرقات والجسور وغيرها.

ودعى وزيرة التربية إلى «زيارة ثانوية إنطلياس كي ترى بأمّ العين الحالة السيّئة للبناء القديم الذي يمثّل خطراً على الطلاب، مما يضطرهم، في بعض الأحيان، إلى الاستعانة بالمظلات الواقية من المطر داخل الصفوف».

وطالب النائب غسان مخيبر ببتّ موضوع صلاحيات نائب رئيس الحكومة داخل المؤسسات الدستورية.

أما النائب مروان فارس، فرأى أن الوقت قد حان لتأليف هيئة إلغاء الطائفية.

فيما اتهم النائب أنور الخليل السنيورة بالمسؤولية عن تأخير دفع مستحقات متضرري حرب تموز. ودعا النائب علي حسن خليل الحكومة إلى الابتعاد عن تصريف الأعمال الشخصية وتحصيل العجز عبر قرارات جريئة.

في الحسابات الجانبيّة: الهموم مقابل الفراغ

في النتيجة، وفي حسابات الربح والخسارة التي يُتقنها النواب في نهاية كل جلسة، نجحت المعارضة في القول إن ملف مداواة هموم المواطنين سيمثّل أولويّة لها في الفترة المقبلة، وإن لديها من الملفات المناطقية ما يكفي لإشعار المواطنين بأنها تُعنى بهم وتلاحق تحقيق مصالحهم. وقد نجح نواب التغيير والإصلاح في تقديم نموذج عن معارضة من داخل الحكم ـــــ الحكومة التي يشاركون

فيها.

ويرجح أن تكون الملفات التي اثارها هؤلاء مادة نقاش تملأ فراغ ناخبيهم الذي يرجح أن يتفاقم في أوساط جمهور الأكثرية حيث بدا النواب هؤلاء حريصين على الدفاع عن الحكومة، واعتبارها حكومتهم بالدرجة الأولى، الأمر الذي أفقدهم القدرة على إثارة قضايا حياتيّة تهم الرأي العام وتجذبه، وخصوصاً أن مجموعات شعبية واسعة ترى أن العلاقات اللبنانية ـــــ السورية والمحكمة الدولية وجدتا طريقهما التشريعي، وبالتالي يمكن الاستعاضة عنهما في المجلس النيابي لأجل قضايا أخرى.