
مشاركة:
يعلو الصراخ في إحدى قاعات الطبقة التاسعة من مركز توفيق طبّارة حيث يعقد المالكون القدامى مؤتمراً صحافيّاً لتحديد تحركهم في حال عدم إقرار قانون جديد للإيجارات،
يتوقعون منه تصحيح قيمة الإيجارات القديمة التي تحول دون استيفاء المالكين للقيمة الحقيقية لعقاراتهم في سوق اليوم. بدت الأصوات قويّة في تلك الساعة الصباحية المبكرة، ولم يكن مفهوماً منها سوى صوت رجلٍ يصرخ في وجه امرأةٍ، قائلاً: «اسكتي، ولك عم قلّك اسكتي». للوهلة الأولى، يظنّ الداخل لغرفة الاجتماعات أنّه في ساحة معركة. لكن، سرعان ما تفهم أنّ الرجل، وهو مالك 40 شقّة سكنيّة مستأجرة جميعها على أساس قانون الإيجار القديم، كان يناقش المرأة في ما قد تشتريه اليوم بقيمة إيجار شقّتها في الحازمية البالغ 7500 ليرة شهرياً. كانت ليلى برباري تقول له: «أنجق بيجيبوا فرّوج»، فيما هو يصرخ: «ولك اسكتي، 7500 ما بتجيب فرّوج! بدك كمان ألف». «فشّة الخلق» هذه كانت قبل بدء المؤتمر الصحافي بين مالكَين يجدان نفسيهما «متسوّلين»، كما تقول برباري، على الرغم من العقارات الكبيرة التي يملكانها. لكن حالتهما كانت واحدة من بين عشرات الشكاوى التي حفل بها المؤتمر، فكان لكلّ حاضرٍ قصّته مع قانون لا يعطي المالكين حرية فرض إيجار يتناسب مع حال سوق اليوم.
إذاً، كان الجميع أمس غاضباً. لكن لا أحد وازى غضبُه غضبَ عبّاس مروّة. جال مروّة في أرجاء القاعة بين الطاولات التي انتشر حولها الحضور، أكثر من عشر مرات، حاملاً في يده ملفّاً انتفخت جنباته. وفي كلّ جولة، كان يصرخ: «من سنة 75 أتقاضى 300 ألف ليرة سنويّاً عن كلّ بيتٍ أملكه، فيما يتقاضى جاري 300 دولار (450 ألف ليرة) شهرياً عن شقّته»، موزعاً مذكّرات وجهها إلى وزارتي العدل والداخلية على الإعلاميين لنشرها «لكونها تختصر معاناة الحاضرين». وما كاد مروّة «يكنّ»، حتى علت أصوات المالكين مجدّداً، في محاولة من كل منهم لعرض قصّته قبل الآخرين. ينهض المهندس فيكتور عرموني ليقول بعد تعريف مطوّل بنفسه: «أملك 8 شقق، بإيجار 300 ألف ليرة سنويّاً عن كلّ شقّة، وعندما أردت أن أزوّج ابني، طلبت من أحد المستأجرين لديّ أن يخلي الشقة لقاء 15 ألف دولار، وبذلك أكون قد أرجعت للمستأجر ما دفعه لي بدل 30 سنة إيجار عاشها في منزلي، يُضاف إليها 7 آلاف دولار لوجه الله». تتوالى القصص، إلى أنّ يقرّر رئيس لجنة الدفاع عن حقوق المالكين القدامى جورج رباحيّة اختتام المؤتمر بتلاوة بيان يدعو المسؤولين إلى «رفع قيمة الإيجارات القديمة 50% لتتناسب مع الزيادة التي أعطيت كغلاء معيشة، أو رفع أيدي المستأجرين عن أملاكنا». لم تنته الجلسة الصاخبة هنا، فقد أعلن رباحيّة في تطور مفاجئ، ترشّحه للانتخابات النيابيّة المقبلة تحت شعار «نائب بلا راتب وخدمة الوطن واجب». لم نفهم العلاقة بين الموضوعين، وإن كان السؤال يطرح نفسه: كيف سيقبل أن يكون نائباً بلا راتب، إن كان يشكو قلة الإيجارات؟