
مشاركة:
كلما اقترب موعد الانتخابات أكثر، ازداد اقتناع المعارضة والموالاة، وخصوصاً القوى التقدميّة والإصلاحيّة وسطها، بعظمة إنجاز اعتماد قانون الستين
تُشغل الموالاة والمعارضة ومعهما الباحثون الانتخابيون في نبش القبور، باحثين في سجلات انتخابات دورات 60، 64، 68 و72 ليكتشفوا من هم الرجال ـــــ أصحاب الحيثيّات في الأقضية ـــــ القيمة المضافة إلى القوى المتصارعة، القادرين على حمل هذه القوى على أكتاف تابعيهم إلى المجلس النيابي.
وثمة أكثر من اكتشاف: فجأة انتبه السياسيّون إلى أن إدوار حنين كان الماروني الأقوى في بعبدا عام 1960، ولا يجوز بالتالي الاستخفاف بابنه صلاح ـــــ النائب السابق. وأيقظتهم الأرقام إلى أن ميشال المر النائب في دورات 68، 92، 96، 2000 و2005 بنى بوسائل مختلفة حيثيّة متنيّة حولته رقماً انتخابياً يصعب تخطّيه. وفي جبيل، استفاق فارس سعيد على جذوره الجرمانوسيّة محاولاً استقطاب أصوات آل سعيد في قرطبا وجرمانوس في العاقورة. وفي البترون، اكتشفت المعارضة أن جبران باسيل لا يكفي وحده للتقدم على القوات والكتائب وبطرس حرب (الحزب بحدَّ ذاته)، فبدأت بالبحث عن بطرس حرب آخر، سواء كان من آل مراد أو يونس. أما في زغرتا، فكشف سليمان فرنجية عن احترامه وانسجامه مع الإقطاع العائلي، موزعاً مقاعد زغرتا الثلاثة على عائلاتها.
وفي السجلات القديمة، عاد السياسيون مرة إلى مجلس 1968 مع ميشال ساسين الذي يتجدد الكلام عن حاجة المعارضة إلى أرثوذكسيته في الأشرفية، ومرات إلى مجلس 1972 مع موريس فاضل وطلال المرعبي ومخايل ضاهر وجبران طوق وبطرس حرب وإدمون رزق وألبير منصور وبيار دكاش وزاهر الخطيب وغيرهم ممن اختبرهم اللبنانيون أكثر من ثلاثة عقود، ولا تستطيع القوى التقدميّة والتغييريّة أن تقفز فوقهم. لكن ذلك ليس كل شيء، ثمة من يستلذ لعبة تعداد (ولو على أصابع يد واحدة) أسماء نواب محتملين في الدورة المقبلة لم يكن والدهم أو عمهم أو أحد أقربائهم نائباً.
والملفت أن كلام المسؤولين وحساباتهم الانتخابيّة الجديّة لم تعد تتناول القضاء، إذ يقسّم هؤلاء الأقضية مناطق، ويوزعون النواب الممثلين لكل قضاء على الساحل والجرد والشرق والغرب. باحثين عن الاسم الأفضل في كل منطقة. والأفضلية، مع مراعاة الطائفة، لابن العائلة الأكبر. هكذا، لا همّ من يكون المرشح، المهم أن يحوز تأييد غالبية آل زوين في كسروان، وآل أبو جودة في المتن، وآل غصن في الكورة، وهكذا دواليك في كل قضاء.
ليس من جديد، بحسب البعض. فاللبنانيون يحبون تكريس ممثّليهم زعماء مدى الحياة. قبل الحرب، انتخب صبري حمادة 14 مرة نائباً، ومجيد أرسلان 12 مرة، وإبراهيم حيدر 10 مرات، وكمال جنبلاط 8 مرات، وموسيس دركالوسيان ويوسف الزين وخالد شهاب ونقولا غصن وحميد فرنجية ورشيد كرامي وكميل شمعون وعادل عسيران 7 مرات.
وفي الأرقام أيضاً، عام 1972، كان عدد النواب المنتمين إلى عائلات سياسية 44 من أصل 99 نائباً، وقد انخفض العدد إلى 43 من أصل 128 عام 1992، وإلى 43 عام 1996، و42 عام 2000. لكن، مع حجز بعض العائلات مقعداً ثابتاً لنفسها في المجلس النيابي أكثر من 3 دورات متعاقبة، تحولت هذه بدورها إلى عائلات سياسية. وبحسب التقديرات، فإن عدد النواب من عائلات سياسية سيتخطّى في الانتخابات المقبلة، نتيجة اعتماد قانون الستين، خمسين في المئة من عدد النواب.
لكن ماذا عن الأحزاب؟
الواضح، بحسب أكثر من عليم، أن أكثر الأحزاب نفوذاً (باستثناء «الاستثناءين» الشيعيين حزب الله وحركة أمل) لن يغامر بتسمية مرشحين حزبيين في الدائرة نفسها، وها هي الأحزاب تتسابق، معارضة وموالاة، لتحظى بود العائلات، متحدثة عن احترامها للحيثيّات المناطقية. نسي ميشال عون وسمير جعجع وغيرهما انتقاداتهم اللاذعة للإقطاع العائلي ـــــ السياسي، كسروان تصحّ نموذجاً. الجنرال يترشح بنفسه، لكنه لا يجرؤ على أخذ مرشح عوني معه عن أحد المقاعد الأربعة الباقية، حاسباً ألف حساب لانعكاس تخلّيه عن يوسف خليل أو نعمة الله أبي نصر أو حتى جيلبرت زوين، فيما سمير جعجع يبحث عن الوسيلة الفضلى لهدنة مع منصور البون. وحتى تيار المستقبل، تدل كل المعطيات على بحثه عن أصحاب حيثيّة عائلية ومناطقيّة بعدما اكتشف أن الطاعة العمياء لا تكفي لتأمين استمراره. والأحزاب العقائدية، تلك التي عارضت اعتماد قانون الستين وحذرت من مفاعيله، ليست أفضل حالاً. إذ هي تجنح صوب شخصانية انتخابيّة، تهدد كل تقدميتها، وتجعل الحزب الشيوعي دون تلك القيمة في عكار، دون شخص مرشحه غسان الأشقر، وفي الكورة دون عطا جبور، وفي البقاع الغربي دون فاروق دحروج.
تماماً كما لا يستطيع الحزب القومي الاجتماعي فعل الكثير في مرجعيون (حيث يمثّله أسعد حردان) وبعلبك ـــــ الهرمل (حيث يمثّله مروان فارس) لولا عطف حزب الله وحركة أمل، أو دون شخص مرشحه في الكورة سليم سعادة.
بالنتيجة، ستتصاعد أصوات من داخل بيت المؤمنين بقانون الـ60 تسأل عن جدوى العودة بالمجتمع 30 عاماً إلى الوراء، فطبعاً لم تقتضِ المصلحة الوطنيّة ذلك.
(غداً: الكل مرشح، أزمات حزبيّة وعائليّة وعشائريّة)