
مشاركة:
حدّد اتفاق الدوحة المعركة في العاصمة في الدائرة الأولى (الأشرفية، الرميل، الصيفي)، بعدما جرى في الدوحة تقسيم المقاعد الأربعة للدائرة الثانية، بالتساوي بين الأكثرية و«المعارضة»،
وإبقاء الدائرة الثالثة وقفاً على النائب سعد الحريري وكتلة الرئيس الشهيد.
وتضمّ دائرة بيروت الأولى ما يقارب 95370 ناخباً، ينقسمون على الطوائف كالآتي: الأرثوذكس 25100 ناخب، الموارنة 16500، الأرمن الأرثوذكس 16380، الروم الكاثوليك 12590، الأقليات المسيحية 12220، السنّة 5800، الأرمن الكاثوليك 4750، الشيعة 1820 والدروز 210. ويدور الصراع الانتخابي على خمسة مقاعد يعود مقعد منها لكل من الموارنة والأرثوذكس والكاثوليك والأرمن الأرثوذكس والأرمن الكاثوليك. المعركة مسيحية بحتة، ويأتي شكل الانتخابات في بيروت، مثل شكل الانتخابات في كل دوائر لبنان: الدوائر المسيحية ترسم المجلس النيابي الجديد.
ومع اقتراب الموعد، بدأت الماكينات تستند إلى مجموعة من استطلاعات الرأي لجس نبض الشارع. وآخر هذه الاستطلاعات، صدر عن مؤسسة «الدولية للمعلومات»، وفيه أرقام تسهم في تحديد وجهة الرأي العام البيروتي المسيحي قبل أشهر قليلة من المعركة.
اعتبر 30% من العيّنة التي اختارتها «الدولية للمعلومات»، أنّ العماد ميشال عون والتيار الوطني الحرّ هما المرجعية التي تمثّلها في بيروت. وأيّد عون لهذا «الموقع» 48.3% من الموارنة، 37% من الأرثوذكس و9.4 من الأرمن الأرثوذكس. فيما اعتبر 20.8 من العيّنة أن «لا أحد» يمثلّهم، لينال سمير جعجع والقوات اللبنانية 13.9% (23.3% من الموارنة، 18.1 من الأرثوذكس و2.1 من الأرمن الأرثوذكس)، أما سعد الحريري، فنال 7.4% ليكون المرجعية السياسية، ثم حزب الطاشناق بـ7.1% وأخيراً ميشال فرعون 2.9%، فيما نالت شخصيات أخرى أقلّ من 2%. واللافت اختيار 33.3 من الشيعة و32.3 من الأقليات المسيحية جواب «لا أحد».
يشير المشهد العام إلى أنّ العماد عون يمثّل العدد الأكبر من المسيحيين في بيروت الأولى، دون حليفه الأساسي حزب الطاشناق. واللافت أنّ نسبة العماد عون، ومن يرشحه لم تتدنّ عن 36% عند الموارنة، مقابل ثبات جعجع بين رقمي 11 و13% من المستطلَعين. إضافةً إلى تحالفات أخرى، يمكن أن تضمن قدرة تجييرية كبيرة لمرشحي التيار الوطني الحرّ.
ورأى 27.5% من المستطلعين أنّ المسيحيين يجب أن يتوحّدوا وراء البطريرك صفير، فيما تلاه التيار الوطني الحرّ بـ25.5%، رئيس الجمهورية 10.1% والقوات اللبنانية بـ6.7. وموضع آخر يشير إلى تقدّم عون في الدائرة المسيحية في بيروت، حيث نال حزب الله 35.1%، تيار المستقبل 25.8% والحزب التقدمي الاشتراكي 3.6%، فيما أشار 25.3% إلى عدم معرفتهم، ورأى 5.5 أن لا أحد هو حليف المسيحيين. ووفق هذا الاستطلاع، يؤكد 82.6% من العيّنة أنهم سيشاركون في الانتخابات، مقابل 11% لن يشاركوا، فيما 6.4 لم يحسموا أمرهم. كذلك أكد 61.1% من «المشاركين» في الانتخابات أنّ انتخابهم سيكون للائحة كاملة، وأنّ 31.3% سيشكّلون لوائحهم الخاصة، فيما لم يحدّد 7.6% قرارهم في هذا الشأن. مع العلم أنّ نسبة الاقتراع في هذه الدائرة بلغت 23% في عام 1996، 24% في عام 2000، لتنخفض في الانتخابات الأخيرة عام 2005 إلى 14.2%. إلّا أنّ حدة المعركة والتقسيمات الجديدة، التي فصلت هذه الدائرة عن سائر مناطق بيروت، ستسهم في رفع نسبة مشاركة أبناء الأشرفية والرميل والصيفي، بعدما كان قرارهم مهدوراً لارتفاع عدد المنتخبين من الطوائف الأخرى. وتتوقّع «الدولية للمعلومات»، ارتفاع نسبة المشاركة إلى ما يراوح بين 32% و35%، نظراً لفصل الدوائر الانتخابية.
■ المقعد الأرثوذكسي
نالت المرشّحة المحتملة نايلة تويني 29.4% من المستطلعين (29.5% من الأرثوذكس)، وتبعها «من يرشحه عون» 22.7 (27.8 من الأرثوذكس)، «من يرشحه جعجع» 6.2 (7.9 من الأرثوذكس)، زياد عبس 6% (4% من الأرثوذكس) وميشال ساسين 4.2 (4.4 من الأرثوذكس). واختار 15.8% منهم «لا أعرف» رداً على سؤال المرشح الأفضل عن المقعد الأرثوذكسي.
وعن هذا المقعد، لا تزال نايلة تويني المرشّحة الأقوى في فريق 14 آذار، في ظل غياب أسماء أكثرية أخرى تنال العطف والتأييد اللذين تنالهما تويني. وفي المقلب الآخر، كانت «المعارضة» قد بدأت بتقديم اسم الوزير السابق عصام فارس، إلا أنّ فارس رفض. ولم تحسم «المعارضة» هذه القضية، لكن مجموعة من الأسماء تطرح، أوّلها ميشال ساسين وجورج حداد وجورج فرّيديس، إضافةً إلى الاسم الأبرز زياد عبس الذي من المتوقع أن ينحصر الاختيار بينه وبين ساسين. كما ردّدت بعض الشخصيات المتابعة للملف الانتخابي في الأشرفية، إمكان ترشّح شقيق ميشال ساسين عن المقعد نفسه بدل ميشال.
مع العلم أنّ تأييد تويني تراجع من 34% إلى 29.4%، مقابل ارتفاع تأييد عبس من 4% إلى 6%، خلال أشهر قليلة ووفقاً لاستطلاعات للرأي نشرت سابقاً.
وعن المقعد نفسه، بدأ اسم جديد بالتواتر في الصالونات السياسية، وهو ميشال تويني. تقرّب «ميكي» من العماد عون خلال الفترة السابقة، مستفيداً من أحد نواب تكتّل التغيير والإصلاح الذي يطرح اسمه في كل مناسبة ويروّج له في أوساط 8 آذار. وبعد لقاءات مع زعيم الرابية، علم «ميكي» أنّ اسمه لم يزل غير معروف سياسياً، وأنّ المطلوب منه العمل بجدية أكثر، فكان أن أنشأ مكتباً خاصاً به، وبدأ اتصالات مع صحافيين وإعلاميين. لكن الأمر لم يفلح، وخاصةً أنّ اسم ميشال تويني لم يظهر في اللوائح الاستطلاعية التي أعدّتها «الدولية للمعلومات»، وإذا ورد اسمه لدى بعض المستطلعين فذلك لا يتعدى 2 أو 3 % منهم.
■ المقعد الماروني
في الاستطلاع نفسه، يعتبر 22.5% أن صولانج الجميّل أو ابنها نديم هما المرشّح الأفضل عن المقعد الماروني (19.4 من الموارنة)، ثم «من يرشّحه عون» 22.2% (36.1% من الموارنة)، ويليهما مسعود الأشقر 21.9% من العيّنة (و23.2 من الموارنة) وأخيراً «من يرشّحه جعجع» بـ5.5 (و10.3 من الموارنة). مع العلم أنّ 15.2 من المستطلعين لم يسمّوا أحداً.
في ما يخص المقعد الماروني، تشير الحركة السياسية إلى وجود مرشّحين جديّين هما نديم الجميّل ومسعود الأشقر، كما يتردّد اسم ثالث، هو النقيب السابق للمحامين، أنطوان قليموس. وتشير الأرقام السابقة إلى تقارب بين الجميّل والأشقر، مما يؤكد أنّ موقف عون سيحدّد هوية من يشغل هذا المقعد. مع العلم أنّ العلاقة بين الأشقر وعون «ممتازة»، كما يصفها الأخير، مشيراً إلى أنّ التحالفات لم تحسم نهائياً بعد «والإعلان عنها سيكون بعد الأعياد».
■ المقعد الكاثوليكي
يعتبر كثيرون أنّ المعركة الفعلية في هذه الدائرة ستكون علة المقعد الكاثوليكي، الذي يشغله اليوم عضو كتلة المستقبل النيابية ميشال فرعون. ويسوّق كثيرون أيضاً أنّ الأخير «ملك» في بيروت الأولى وأن لا شيء يمكن أن يزيح آل فرعون من الأشرفية والصيفي والرميل. ويعتبر هؤلاء أنّ الثقة الزائدة بالنفس دفعت فرعون في الماضي إلى طرح إمكان الترشّح بدون تيار المستقبل وتأليف كتلته الخاصة.
ينافس فرعون على هذا المقعد كل من نقولا صحناوي ودافيد عيسى. الأول يدعمه التيار الوطني الحرّ، أما الثاني، فيعتبر مناورة أولية يقوم بها رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية، سمير جعجع، في وجه الزعيم المستقبلي. لكن الأرقام التي خرجت بها «الدولية للمعلومات» تسقط الأوهام الفرعونية. رغم نيل فرعون 28.8% من المستطلعين بكونه المرشح الأفضل عن المقعد الكاثوليكي، لكن الأرقام منحت «من يرشحه عون» 22.1%، ونقولا صحناوي 10.2%. التيار يجمع ما يقارب 32.3%، ويتخطّى الدعم الذي يتمتع به فرعون. وسجّل المستطلعون دعماً لمن يرشحه جعجع بنسبة 6.2 ودافيد عيسى 3.5. وجمع أرقام المتحالفين لا يعني إلا أمراً واحداً: المعركة في أوجها بين الطرفين، وفرعون يعجز عن تخطي الحريري (44% من السنّة أعلنوا تأييدهم لفرعون على اعتبار أنه في كتلة المستقبل). ويضاف إلى هذه النسبة، من اختار «لا أعرف»، ويشكلون 17.9%، أي إنّ حسم هوية الفائز بهذا المقعد لن تبتّ إلا قبل أيام من الانتخابات.
مع العلم أنّ تأييد ميشال فرعون تراجع من 32% إلى 28.8%، فيما ارتفع تأييد نقولا صحناوي، من 6% إلى 10.2%، وفقاً لاستطلاعات نشرت في الأشهر الأخيرة.
أمر آخر يشير إلى تراجع التأييد لفرعون، وهو أنّ 65.5% أكدوا عدم اهتمامهم بكون المرشّح من عائلة بيروتية عريقة.
■ المقعدان الأرمنيّان
يعتبر أبناء طائفة الأرمن الأرثوذكس الكتلة الناخبة الكبرى بعد الروم الأرثوذكس، لكون القسم الأكبر من الموارنة لا يشارك في الانتخابات أو هو موجود في الخارج. وتشير أرقام الناخبين، إلى أنّ أبناء الطوائف الأرمنية سيكونون المحدّد الأول لهوية الفائزين في بيروت الأولى، وسيكون حزب الطاشناق، أو ما يمثلّه من خيارات، الحصان الأسود في هذه الدائرة نظراً لكوتته التجييرية وسيطرته على الطائفتين. لم يعلن الطاشناق أسماء مرشحيه، إلا أنّ التجربة تؤكد أنّ الطاشناق يرشّح اسم حزبي عن المقعد الأرمني الكاثوليكي وآخر غير حزبي عن المقعد الأرمني الأرثوذكسي.
واللافت أنّ زهاء 45% من المستطلعين الأرمن اختاروا «لا أعرف»، فيما نال من يرشحه العماد عون ما يقارب 38% ومن يرشحه سمير جعجع 11.6%.
لدى التيار اسم وحيد يمكن أن يرشّحه في هذه الدائرة عن مقعد الأرمن الأرثوذكس، وهو ميشال تشجيان، وخاصةً أنّ مسؤول العلاقات الدبلوماسية في التيار، ميشال دو شدرفيان، سيكون مرشّح التيار عن مقعد الأرمن الكاثوليك في بيروت الثانية.
■ الأقليات المسيحيّة والسنّة والشيعة
يعتبر أبناء الطوائف المسيحية الأقليّة أنّ حضورهم مغبون في دائرة بيروت الأولى، وخاصةً أنّ عدد الناخبين «الأقلّويين» يبلغ 12220، أي ما يقارب 8% من نسبة الناخبين في هذه الدائرة. وتشير معظم الأرقام المتعلّقة بهذه الطوائف، إلى انخراط أبنائها في الموجة الداعمة للتيار الوطني الحرّ وخياراته، فيما أكّد 19.5% منهم عدم مشاركتهم في الانتخابات المقبلة، إضافةً لـ11.4 لم يحددوا موقفهم.
أما أبناء الطائفتين السنية والشيعية، فأكد 82% و94% منهم مشاركتهم في الانتخابات، مما يشير إلى أنّ المعركة السياسية في أوجها وأنّ البيروتيين سيشاركون في الانتخابات حتى لو كانت المعركة لا تعنيهم مباشرة.
آراء المستطلعين السنّة تنقسم، بما يقارب النصف، بين فريقي 14 آذار و8 آذار، وهي دلالة على سقوط نموذج المحور المستقبلي في الدوائر الخارجة عن السيطرة المباشرة لتيار المستقبل، ورسالة إضافية لهذا التيار، وخاصة ميشال فرعون، بأنّ المحدلة المستقبلية تقلّصت أهميتها في العاصمة، ومفهوم «زيّ ما هيّي» لم يعد يطبّق في المناطق ذات الأغلبية المسيحية، كما كان الوضع منذ 1996.