
مشاركة:
يواصل رئيس تكتل التغيير والإصلاح ميشال عون زيارته إلى سوريا في يومها الثالث، وبعدما كان اليوم الأول سياسياً، تكرّس اليوم الثالث للسياحة الدينية، فزار الأديرة والكنائس الرئيسية في سوريا، وطاف بمدن سوريا الكبرى
بعد الغداء مع أعيان حمص، قال العماد عون: «أشكركم للقاء الكبير في مدينة حمص والمحافظة وجميع المواطنين الذين تكبّدوا مشقّة الانتقال إلى المدينة لملاقاتي. الكلّ يعلم أني في زيارتي إليكم في محطة من محطات زيارتي إلى المدن السوريّة لأنقل إليكم محبة اللبنانيين، الذين يرغبون كما ترغبون في المعاملة الجيدة الوطيدة. أنا هنا لأعلن انتهاء الغيمة السوداء التي سيطرت على العلاقة في الأعوام الأخيرة لنبني علاقة جيدة وثابتة. آمل أن تنقلوا هذه الرسالة إلى كلّ مواطن. فلبنان هو لبنان المحبة، أمّا لبنان البغض فهو أقلّية سترتدع أو تزول أو تندمج.
المرحلة جديدة وستتبلور خلالها سياسات جديدة، وأتمنى لكم النجاح في أعمالكم لأن النجاح يؤدي إلى تطوّر المجتمع، ونحن أمام تحدّ إنمائي، أمام عالم يتحدّانا بأزمة اقتصادية بعدما تحدّانا بازدهار اقتصادي. علينا التفتيش من أجل تأمين ازدهار حياتنا الاقتصادية في ظلّ الأزمة الراهنة».
بهذه الكلمات خاطب الجنرال فاعليات محافظة حمص الاقتصاديّة والدينيّة والاجتماعيّة. خطاب مختصر شفى غليل هؤلاء المحتشدين لسماع كلماته. الميكروفون لم يُسعف الجنرال كثيراً، مما دفعه إلى الاختصار كما قال، لكن المستمعين شعروا بالرضى النفسي. هكذا قالوا؛ وعلا صراخهم عندما حجب عنهم الصحافيون رؤية العماد وهو يتحدث: نحنا بدنا نشوف سيادة العماد، أنتم معه كلّ
يوم.
هكذا انتهت زيارة رئيس تكتّل التغيير والإصلاح إلى حمص: كلمة له، ثم هديّة هي عبارة عن عباءة دمشقيّة «وثقيلة جداً، فليسترح ميشال المرّ»، قال أحد الصحافيين السوريين.
خلال الغداء، دار نقاش آخر بين الصحافيين اللبنانيين يُختصر بسؤال: ماذا عسانا نكتب؟ الصحافيون المرافقون للجنرال صدموا بحجم الترحيب الشعبي، الذي تجاوز كونه منظّماً على يد جهاز في الدولة السوريّة. ففي كنيسة «أم الزنار» للسريان الأرثوذكس (تسمّى كذلك لأن أبناء الرعيّة يقولون إنها تضم زنار السيدة العذراء)، حمل أحد الشبان كتيّب «الطريق الآخر» البرتقالي الذي يحوي برنامج التيار الوطني الحرّ. رفع الكتاب. حاول الاقتراب من النواب ليقول رأياً.
«أنا عوني، مقتنع بمواقف التيّار السياسية». إلى جانبه، تُستفزّ صبيّة عندما تُسأل عن سبب مجيئها إلى اللقاء الترحيبي بالجنرال، «شو منو معاجبك؟» تُجيب بحدّة، ثم لا تلبث أن تقول «أتيت لأقول له إنه زعيمنا أيضاً. أتيت لأقول له إننا نحبّه، نحن نرى فيه الأمل ونرى فيه المستقبل، نرى فيه تطورنا».
يخرج النواب من صالون الكنيسة وهي تتكلم. تصرخ لأحدهم: «الله يخليك».
عند مرافقة جنرال الرابية في الشوارع السوريّة، تشعر بأنك ترافق زعيماً مشرقياً، طوّبه الناس زعيماً لهم هنا في سوريا، مثلما طوّبوه سابقاً في لبنان. تشعر بأنك ترافق ملهماً للناس، وإن لم يكن له أي سلطة ماديّة عليهم.
ريف دمشق هي المنطقة التي يقول بعض السياسيين اللبنانيين إنه فيها تُصنع سياسة لبنان. أمس، طوّبت هذه المنطقة زعيماً سياسياً من خارج حدود بلادها زعيماً لها. ففي دير سيدة صيدنايا البطريركي، المحطة الأولى التي زارها عون، احتشد المئات من المواطنين والطلّاب والفرق الكشفيّة التي عزفت للجنرال ترحيباً؛ «هلا هلا بميشال وبالأرزة اللبنانيّة» شعار ردّده الكثيرون. لم يكن المستقبلون فقط مواطنين سوريين، بل كان بينهم بعض رجال الدين اللبنانيين الذين يعيشون في هذا الدير على خطى المسيحيين الأوائل، ويعيشون في منطقة وعرة، زاهدين بترف الحياة.
يقع الدير الذي بني عام 547 للميلاد على رابية عالية تشرف على قرية صيدنايا، وفيه مكتبة تضم المئات من الكتب والمخطوطات الثمينة، وهو يحتل المركز الثاني في الأهمية بعد القدس من حيث عدد الزوار للأماكن الدينية في الشرق.
■ الأم كريستينا باز تستقبل الجنرال
وفي الدير استقبلته الأم كريستينا باز رئيسة الدير، والأب جورج نجمة (وهو لبناني من منطقة مجدليون) كاهن الدير والأب رامي معمر كاهن كنيسة السريان بصيدنايا والأب عيسى معمر كاهن رعية الكاثوليك بصيدنايا.
رحّبت الأم باز بالجنرال «الضيف الكبير في المحج الثاني بعد القدس. ففخرٌ لنا أن نرى شخصكم الميمون في هذه الزيارة المقدّسة في الدير الذي لطالما زاره ملوك وأمراء من الشرق والغرب مستمدين خلاص النفس والجسد معاً… ها نحن راهبات هذا الدير متعبدات للصوم والصلاة والأدعية من أجل سلام العالم وصحة لبنان وسلامة العيش والتآخي، ومجيئكم إلينا فرحة كبرى اليوم وقد أضاءت بقدومكم صيدنايا… فأهلاً وسهلاً يا صاحب القلب الكبير، جئتم بمحبة وبصدقية القول والشفافية، جئتم حاملين معكم الثقة بقلب مفتوح للجميع، فنحن راهبات الدير ونزيلاته اليتيمات نفتح لكم قلوبنا ضارعين إليه أن تبقوا دائماً وأبداً بالصحة والحكمة والمقدرة».
وتنقّل الجنرال في أرجاء الدير وكنائسه، وتبرّك من أيقونة السيدة العذراء ومن زيتها.
في أرجاء الدير جرت أمور ستتكرّر في جميع الأماكن المقدسة التي زارها الوفد. عون يدخل بهدوء وتروٍّ، يستمع إلى الشروح الدينيّة، ويعلّق عليها وأحياناً يُضيف، مما أثار إعجاب رجال الدين. فريد الخازن يصوّر بكاميرته الصغيرة. جان عزيز يركع ويصلّي كلما سنحت له الفرصة. يقرّ أنه اكتشف مجهولاً «حُكم علينا باستعدائه سابقاً».
إبراهيم كنعان يراقب الأيقونات. يهزّ رأسه إعجاباً وتأثّراً. زار دير «شفيعه» مار سركيس، حيث علّق الجنرال لرئيس الدير: هذا شفيع إبراهيم كنعان. عباس هاشم يُساعد الصحافيين عندما يضيعون. نبيل نقولا لا يختلف عن زملائه. يصلي، ويتبرّك، ويسأل الأخوات عن تاريخ الدير.
وكذلك سائر أعضاء الوفد: جورج عطا الله، بيار رفول، فؤاد الأشقر، ناجي غاريوس، ناصيف قزي، وجميع المرافقين. شعر الجميع هنا بأنه حقق إنجازاً.
انبهر الوفد بطيبة الناس، وبمعرفتهم أدق تفاصيل الحياة السياسيّة في لبنان. التقطوا الصور مع نواب التكتل. شددوا على إعجابهم بجرأة ميشال عون وصراحته. حملوا شالات برتقالية وأعلام لبنان والتيار الوطني الحرّ وحزب الله وسوريا. قالوا إن مشاركة عون في المقاومة فخر لهم وله.
يُمكن اختصار المشهد بعبارة إحدى السيدات: «إننا نطوّبك بطريركنا يا جنرال».
ثم انتقل الوفد، يرافقه نائب وزير الخارجية السوري الدكتور فيصل المقداد، إلى دير مار سركيس وباخوس ودير مار تقلا وفج مار تقلا في معلولا حيث استقبلته حشود كبيرة.
ورغم أن بلدة معلولا حافظت على لغتها الآرامية قروناً طويلة من خلال توارثها عبر الأجيال إلا أن هذه اللغة لم تحفظ كأحرف مكتوبة إلا في السنوات الأخيرة من خلال معهد تعليم اللغة الآرامية الوحيد في العالم الذي يدرّس هذه اللغة بحروفها الأصلية، وأقيم لحماية اللغة الآرامية من
الانقراض.
وبني دير مار سركيس وباخوس في القرن الرابع الميلادي وصمّم على نمط الكنائس الشهيدية البسيطة المظهر وسمّي باسم القديس سركيس أحد الفرسان السوريين الذين قضوا في عهد الملك مكسيمانوس عام 297 م.
وما زال هذا الدير محتفظاً بطابعه التاريخي العريق، أما دير مار تقلا فيضم رفات القديسة تقلا ابنة أحد الأمراء السلوقيين وتلميذة القديس بولس. وفجّ مار تقلا شق في الجبل فيه ساقية تزيد وتنقص وفق الفصول والمواسم، يؤمّها الناس من كل مكان ليرشفوا من بركات مياهها. هناك تلا الوفد الصلاة باللغة الآرامية، مكرّرين عبارات الكاهن.
وهناك قام ميشال عون ووفده المرافق بزيارة حج دينيّة، أظهرت صورة مختلفة لريف دمشق. وتحدّث الجنرال عن شرف المحاولة ببناء علاقات نديّة وحقيقيّة، وهو شرف يحصل عليه المرء سواء نجح أو فشل. تحدّث أعضاء الوفد عن الطيبين، وسمعوا من الناس التقدير لكلام عون بعد خروج السوري من لبنان: «لا مشكلة مع سوريا لأنها أصبحت خارج لبنان».
الدكتور المقداد كان مفاجأً هو أيضاً. ربما لم يكن يتوقّع هذا التفاعل من شعبه مع قائد صدامي بصراحته كميشال عون.
حمل الوفد هداياه التذكاريّة، وهي عبارة عن أيقونات صغيرة، ومشى صوب سيارته، بعدما كان قد مشى في فج مار تقلا الرائع، حيث لا يُمكن الوصف أبداً، وانتقل إلى حمص حيث أكمل زيارته الدينيّة بزيارة كنيستين: مطرانية سيدة السلام للروم الملكيين الكاثوليك وكنيسة السيدة العذراء أم الزنار.
وكان في استقباله في الكنيسة الأولى المطران اسيدور بطيخة مطران الروم الكاثوليك في حمص وحماة ويبرود ورؤساء الطوائف المسيحية وعدد من رجال الدينين المسيحي والإسلامي.
وتبادل العماد عون والمطران بطيخة كلمتين وديتين أكدا فيهما عمق العلاقات الأخوية بين الشعبين ووشائج القربى التي تربط بينهما. أما في الكنيسة الثانية فكان في استقباله المطران سلوانس بطرس النعمة مطران حمص وحماة وتوابعهما للسريان الارثوذوكس.
وتحدث المطران النعمة في كلمة ألقاها للمناسبة عن روح التآخي والعلاقات الأخوية التاريخية التي تربط الشعبين الشقيقين.
وقلد المطران النعمة العماد عون وسام الصليب المقدس تقديراً لمواقفه الوطنية الشجاعة وهو «صليب القيامة، نحمّلكم إياه لإكمال المشوار». ورد عليه عون بالحديث عن عدم نسيان الماضي، بل تجاوزه ودراسته للاستفادة من أخطائه لعدم تكرارها، والبناء على الإيجابيات «لأننا لا نستطيع أن نبقى ملتصقين بالماضي، فهذا يؤدّي إلى عدم التطوّر».
ورافق العماد عون في زيارته للكنيستين محافظ حمص محمد إياد غزال الذي كان قد استقبل عون في مبنى المحافظة مشيداً بمواقف العماد الشجاعة ومرحباً به زعيماً وطنياً لبنانياً كبيراً. وقدم غزال شرحاً موجزاً عن مدينة حمص وقدم هدية لعون هي تمثال للملكة زنوبيا ملكة تدمر.
الاستقبال الشعبي في حمص لم يكن مختلفاً. أغانٍ وفرق دبكة وجماهير.
استقبال يحمّل عون مسؤوليّة تجاه هؤلاء الناس، وهي مسؤوليّة استكمال تطوير العلاقة بين الشعبين، وهو السياسي الوحيد الذي تحدّث في قصر الشعب عن السيادة والاستقلال.
ثم انتقل عون بطائرة هيليكوبتر إلى مدينة حلب، حيث ينتظره اليوم برنامج مكثف، أهم محطاته اللقاء مجدداً بالرئيس بشار الأسد.
■ الأكثرية تجدّد هجومها
وفيما كان عون يسبح في بحر الوفود الشعبية السورية والمراكز الدينية، استمرّت الانتقادات الأكثرية بالتواتر رداً على هذه الزيارة. فكان موقف للنائب فريد حبيب لم يبد فيه استغرابه من «مطالبة عون اللبنانيين بالاعتذار من سوريا عن سني الحرب».
وتساءل حبيب عما إذا كان عون سيبادر إلى «مطالبة حزب الله بالاعتذار من الحكومة الاسرائيلية جراء ما سبّبه من ضرر لحق بالجيش اللبناني أثناء المواجهات العسكرية».
كما أشار حبيب إلى أنّ «الرئيس السوري بشار الأسد كشف عمداً أو بغير قصد عن حقيقة ما ادعاه العماد عون زوراً أمام الرأي العام اللبناني ولا سيما عن خلخلته لمسامير نعش النظام السوري».
وانضم الوزير إيلي ماروني إلى جوقة المعلّقين على الزيارة، فرأى أنّ «ما رأيناه في هذه الزيارة، هو الختام لمسرحية مورست على اللبنانيين لأكثر من 15 عاماً. وآن أوان الحقيقة، وبانت الحقيقة، وبالأمس أزال العماد عون قناع البربارة، وكان يرتدي قناعاً لبنانياً وعاد الى وجهه الحقيقي».
كذلك رأى الوزير أنطوان كرم أنّ هناك «مسؤولين مولجين القيام بزيارات الى دمشق عندما يلزم الأمر»، وتكون في الإطار الرسمي، «أما باقي الأمور فليس لها لزوم»، مضيفاً «ان العماد عون لديه طريقة يقفز بها فوق كل الأحداث، وينتقل من موقع الى موقع لأن لديه مأزقاً، لذلك قام بهذه القفزة فوق الأحداث».
ووصف النائب بطرس حرب اقتراح النائب عون المتعلق بتعديل اتفاق الطائف بأنه «اقتراح تفجيري للواقع السياسي ولن يلقى تأييداً من حليفيه حزب الله وحركة أمل، وهذا الموقف يدغدغ مشاعر المسيحيين بمشروع حرب أهلية جديدة»، مؤكداً «أن المسيحيين لن يوافقوا على اقتراح المثالثة في الحكم»، كما أبدى أسفه لأنّ «عون تكلم من سوريا عن اعتذار اللبنانيين منه هو، ومن خلاله من سوريا، ومعلوماتي هي أن اللبنانيين لم يقصفوا سوريا بالمدافع ولم يهجّروا السوريين من بلدهم بسبب احتلال
أرضهم».
وانتقد نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري «سعي البعض الى تغطية خروجه عن الخط السياسي التاريخي والوطني للمسيحيين في لبنان، بادعاء دور مسيحي مشرقي طارئ وزائف وانتخابي
الأهداف».
وصدر عن المجلس الأعلى لحزب الوطنيين الأحرار بيان شدّد على قيام «علاقات رسمية طبيعية ومؤسساتية بين لبنان وسوريا أسوة بالعلاقات المعروفة بين الدول»، مطالباً دمشق باتخاذ موقف «لا لبس فيه من كيان لبنان واستقلاله وسيادته».
وأكد البيان أن الأحرار لا يعير «انتباهاً لأي زيارة، كتلك التي يقوم بها العماد عون لدمشق، خارج إطار المؤسسات والمهمات الرسمية بالغاً ما بلغ وصفها وادعاء القائم بها أو اعتداده بإنجازات مزعومة». وذكّر بالممارسات السورية في لبنان خلال وجود الجيش السوري طيلة العقود
السابقة.
■ بين زيارتي سليمان وعون
وتابعت قوى المعارضة السابقة دعمها لزيارة عون، وكان العنوان الأبرز لمواقف أمس التوفيق بين الجهود الخارجية التي يقوم بها كل من الرئيس ميشال سليمان والعماد عون. فرأى النائب عبد المجيد صالح أن «الزيارات التي يقوم بها رئيس الجمهورية تؤسس لواقع جديد في لبنان»، مؤكداً ضرورة استمرار الزيارات على المستوى الرسمي والعلاقات السورية ـــــ اللبنانية، ومنها زيارة عون.
وقال النائب علي عسيران إنّ الزيارة «سيكون لها الاثر الطيب على لبنان وسوريا»، مشيراً إلى أنّ «أي تفاهم بين لبنان وسوريا له أيضاً قواه الاستراتيجية نظراً للتكتلات القوية التي تحوط العالم العربي».
وعلّق عضو اللقاء الوطني المسيحي إميل رحمة قائلاً: «إن زيارة عون لسوريا تمثّل انقلاباً على مقولة أن المسيحيين هم محترفو تفويت الفرص، وتثبت أنهم محترفو الإفادة من الفرص»، مؤكداً أنّ هذا الحدث «فيه ما فيه من الشجاعة والحكمة والصدق والاستشراف
المستقبلي».
كذلك رأت جبهة العمل الإسلامي في بيان لها أنّ الزيارة «خطوة في الاتجاه الصحيح».