لا تقييد لحق المقاومة.. ولا انتقاص من حق الدولة

مشاركة:

صفحة جديدة من العمل السياسي يفترض ان تواكب عمل الحكومة بعد نيلها الثقة في المجلس النيابي مطلع الأسبوع القادم..

مسار "افتراضي" يرسمه وزير العمل محمد فنيش دون ان يسقط من حسابه الخلافات السياسية حول الكثير من المسائل الوطنية التي يفترض بحسب فنيش تنظيم كيفية إدارتها بما ينقي الأجواء المتوترة بهدف الوصول إلى قواسم مشتركة  لجهة "احترام الإرادة الشعبية وخياراتها"، والتعويض "عما فات اللبنانيين منذ وقت بسبب النزاعات التي حصلت، ومعالجة ما يمكن معالجته من مشكلات في سائر المجالات التي تهم حياة الناس".

أمر في غاية الأهمية يوضحه فنيش  حيال ما دار من لغط  في اللجنة الوزارية حول بند المقاومة، مؤكدا أنه "لا اعتراض على حق المقاومة.. هناك محاولة من قبل البعض لجعل هذا الحق جزءاً من قرار السلطة". وأكثر من ذلك يؤكد فنيش أنه "ليس صحيحاً ان مسألة الحق في المقاومة تتناقض مع مشروع الدولة، فلا ينبغي ان تصبح المقاومة نقيضا للدولة، والعكس صحيح".

جولة أفق سريعة مع وزير العمل محمد فنيش لما بعد إقرار البيان الوزاري، وما سبقه من تحولات دراماتيكية في مواقف جنبلاط الأخيرة التي لا يعتبرها فنيش من المفاجآت، لأن "العبرة في النتائج".. وهنا نص الحوار:

ماذا بعد التصويت على البيان الوزاري؟ هل نحن مقبلون على فتح صفحة جديدة في العمل السياسي؟

ـ بعد تشكيل الحكومة ونيلها الثقة والاتفاق على توجهاتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يفترض ان يدخل البلد مرحلة جديدة في كيفية إدارة الخلافات السياسية، وفي اعتماد خطاب سياسي موضوعي يعتمد اللغة التي استخدمت سابقاً، وبدء مرحلة تنقية الأجواء وصولاً إلى انتظام عمل المؤسسات ومقاربة الاستحقاقات القادمة لجهة احترام الإرادة الشعبية والخيار الشعبي. وبانتظار ذلك هناك مهمة للحكومة، ان تبذل أقصى جهد لتعويض ما فات اللبنانيين من وقت بسبب النزاعات التي حصلت، ومعالجة ما يمكن معالجته من مشكلات في سائر المجالات التي تهم حياة الناس.

 

أين تكمن قوة البيان الوزاري من وجهة نظركم؟

ـ قوة البيان الوزاري تكمن في ان هذه الحكومة التي تشكلت بعد هذا النزاع ووفقاً للمعادلة التي حكمت تشكيلها في اتفاق الدوحة، استطاعت أن تخرج ببيان وزاري يمثل الجامع المشترك بين مكوناتها.. النقاش في موضوع المقاومة بينَّ أن ليس هناك اعتراض على حق المقاومة، هناك محاولة من قبل البعض لجعل هذا الحق جزءاً من قرار السلطة.. لم نختلف حول مسألة مشروع الدولة، بل ان أهمية النقاش أظهر بجلاء كل المواقف وخلفياتها، لكي يكون هناك فهم متبادل لمنطلقات التفكير عند كل جهة. البيان الوزاري هو تأسيس أولاً لفكرة أنه ليس صحيحا أن مسألة الحق في المقاومة تتناقض مع مشروع الدولة، ولا ينبغي ان تصبح المقاومة نقيضا للدولة، والعكس صحيح. الأمر الآخر أن هناك تمسكاً باسترداد حقوقنا بأرضنا ومياهنا ومواجهة الاعتداءات الإسرائيلية بما ثبت انه قوة للبنان، سواء أكان بالجيش او بالمقاومة او بالقوة الشعبية، وبالتالي أهمية البيان الوزاري انه على المستوى السياسي خلص إلى مثل هذا التوافق، مع تحفظ من قبل بعض الوزراء ليس بهذا المعنى بقدر ما هو محاولة تقييد هذا الأمر، بحيث ان العبارة التي أُعلنت صارت بالنسبة اليهم كضمانة. وبرأينا هذا الأمر ليس في محله، فالعلاقة بين المقاومة والدولة تنتظم وتحدد من خلال آليات الحوار التي نص عليها اتفاق الدوحة، ومن خلال الاستراتيجية الشاملة للدفاع التي سيرعاها مؤتمر الحوار برعاية رئيس الجمهورية. وبالخلاصة خرجت الحكومة متضامنة حول بيان وزاري يتضمن نقاطا وتوجهات سياسية واقتصادية ستكون هي محور ومرتكز المرحلة القادمة.

بالمقابل هناك من يعتبر ان المقاومة جرى تكبيلها بجوانب عدة، أولاً انها أُدرجت تحت مظلة مرجعية الدولة، ثانياً إشراك الجيش والشعب كشريك للمقاومة، بمعنى ان قرار الحرب والسلم لن يكون حكرا على المقاومة؟

ليس الأمر كذلك، لا تقييد لحق المقاومة، ولا انتقاص من حق الدولة ومبدأ وحدة الدولة ومرجعيتها، من لديه مشروع آخر غير مشروع الدولة! لكن هناك واقع قائم، هناك مقاومة، والمقاومة تستمد مشروعيتها من وجود الاحتلال.. هناك احتلال لا يزال جاثماً على أرضنا، وهناك مخاطر لا تزال تهدد لبنان، فكيف ندفع هذا الخطر، وكيف نسترد حقوقنا من العدو الإسرائيلي، سواء كانت متعلقة بالأرض أو بالمياه؟ وكيف ندافع عن بلدنا أمام سيل من التهديدات المعلنة، وأمام سيل من المخاطر يمثله هذا العدو، سواء بطبيعته التوسعية او نتيجة إخفاقه وهزيمته بحرب تموز، او إخفاقه في كل اعتداءاته على لبنان بعد خروجه من لبنان بفعل المقاومة وتضامن اللبنانيين دون أن يحقق المكتسبات السياسية او الأمنية التي كان يحلم او يطمح إلى تحقيقها؟ هذا هو الموضوع، وبالتالي نذكر مبدأ تمسك وحدة الدولة بمرجعيتها انطلاقاً من مسؤوليتها في السيادة، هذه الأمور جرى تأكيدها سواء في التزامنا الدستور أو وثيقة الوفاق الوطني، وهذا من باب الطمأنينة، ولكن في الواقع القائم في ما يخص العلاقة القائمة بين الدولة والمقاومة وكيفية تنظيمها، هذا مرتبط بالحوار وبلورة الاستراتيجية الشاملة للبلد.

التحفظ الذي أبداه بعض الوزراء على بند المقاومة، هل له مفاعيل قانونية وسياسية؟                          

ـ هذا التحفظ يجب أن نتفهمه من منطلق ان هناك وزيراً لديه رأي في بيان وزاري لم يتضمن ما يطمح إليه هذا الوزير.. هو تحفّظ على هذه العبارة.. ولكن دستورياً مجلس الوزراء بعد إقرار البيان الوزاري وبعد تسجيل التحفظ في المحضر، هو متضامن بكامله أمام البيان الوزاري، لأنه عندما تمثل الحكومة أمام المجلس النيابي، هذا البيان يُمثل هذه الحكومة مجتمعة، وأعضاء هذه الحكومة متضامنون في الدفاع عن هذا البيان الوزاري.

البعض يسأل: إذا كان تشكيل الحكومة تطلب 45 يوماً، والتوصل الى اتفاق على البيان الوزاري 3 أسابيع، فكم يتطلب الاتفاق على تنفيذ البنود المهمة في هذا البيان؟

ـ لن أدخل في جدل حول إمكان اختصار كل هذا الوقت في التكليف والتشكيل والبيان، لكن المهم ان نأتي على توافق خير من أن لا يحصل.. والأمر الآخر هو أن هذا التوافق في البيان الوزاري بعد نيل الحكومة الثقة ينبغي أن يكون قوة دفع لإطلاق محركات العمل الحكومي، لأن البلد لم يعد يحتمل مزيدا من إضاعة الوقت.

ما هي الملفات الأساسية التي يفترض ان تتصدى لها الحكومة الجديدة؟

وردت في البيان الوزاري من ضمن التوجهات التي لها علاقة بالشأن الوزاري والاجتماعي أو الإصلاحي، وسائر الأمور الأخرى التي وردت في البيان.

 

في ما خص طاولة الحوار، هل في الإمكان التوصل الى اتفاق على وضع استراتيجية دفاعية؟

أعتقد أنه كلما وفرنا مناخات هادئة في البلد وأبعدنا الموضوعات الأساسية التي تمس مصلحة البلد عن الحرتقات السياسية وعن الضغوط الخارجية، كان الحوار مجدياً ومنتجاً ويصب في خدمة مصلحة البلد.

ماذا يعني لكم كمعارضة قول قوى 14 شباط إنها ستذهب الى الانتخابات مجتمعة؟ هل كنتم تراهنون على تفرقهم؟

لا نراهن على تفرقهم ولا على شأنهم الخاص، وما أصاب قوى الموالاة نتيجة اختلافات وتباينات.. نسأل هل سيؤدي هذا الى خروج البعض كما حصل، أو الى مزيد من الانسحاب؟ هذا الأمر يخصهم وشأنهم. وبالنسبة الى المعارضة فهي متماسكة، انطلقت من رؤية سياسية عامة ومن ثوابت وطنية ومن تقدير لمصلحة البلد، وبالتالي هذا ما يعنينا كمعارضة، أما الآخرون فما يحصل من تطورات في علاقة بعضهم ببعض، هذه الأمور لا أستطيع أن أتكهن بها.

كيف قرأتم كلام النائب جنبلاط الأخير؟ وهل من اتصالات بينكم؟           

أنا برأيي كل كلام يصدر عن أي جهة سياسية يؤدي الى تغيير المناخ السياسي ويساعد على التعاون وعلى إبعاد البلد عن أجواء التشنج، ومعالجة آثار المرحلة الماضية وتنقية العلاقات بين القوى، هو كلام ايجابي وهو كلام مطلوب من الجميع. السيد وليد جنبلاط يجري قراءة ويمارس نوعاً من النقد، على الأقل هذا ما نسمعه ظاهراً، وهذا الأمر يأتي الحكم عليه من خلال نتائجه واستمراريته.. ونأمل ان يكون هذا التقييم له مفاعيل عملية، وتعمم على الأقل على الفريق الذي يلتقي مع جنبلاط في التحالف السياسي. وآمل ان تلاقي المعارضة كما الموالاة هذه التغيرات بانفتاح ويد ممدودة وقلوب مفتوحة حتى نعمل، لأن هذا البلد لا يستقيم أمره بغير الإرادة الوطنية وبغير التوافق. لا أقول هذا الكلام لأتجاهل الخلافات السياسية والمنطلقات السياسية المختلفة والضغوط الخارجية القائمة، لكن على الأقل نستفيد من التجربة الماضية لننظم هذه الخلافات ولنبحث عما يجمعنا، ولنبحث عن مصلحة البلد بعيدا عن أي ارتهان وبعيداً عن أجواء الخطابات التي لا ينجم عنها سوى الضرر والفرقة أو النزاع.

هل تنطوي انعطافة جنبلاط على تكتيكات انتخابية؟

لا أريد أن أوظفه أو أقيّمه، أنا أريد أن أتعاطى مع النتائج، وأقدّر الكلام الهادئ البعيد عن التجريح الذي يبقي الخلاف السياسي في إطار إبراز وجهات النظر، والذي يبدي استعداداً في ملاقاة الآخر ضمن ما يجمع. أنا أقيمه إيجاباً سواء صدر من حليفنا أو ممن كان منافساً او خصماً لنا.

ألم يفاجئكم كمعارضة؟

هذا الأمر لا يندرج في إطار المفاجآت حتى الآن.. مطلوب من القوى السياسية أن تجري مثل هذا التقييم لأدائها، وهذا ليس أمرا ينبغي ان يكون مستهجناً، بل اعتبره إيجابياً وطبيعياً.