
مشاركة:
كما تقول كل الصور في الشام، استقبلت «زعيم لبنان الأول». على الأقل هذا ما أوحت به طريقة الاستقبال. جنرال بعبدا السابق، الذي خاض حرب التحرير ضد جيش سوريا حافظ الأسد،
استقلّ طائرة نجله الرئيس بشار الأسد الرسمية من مطار بيروت إلى مطار دمشق، ثم انتقل بسيارة الأسد المصفحة إلى فندق الشيراتون حيث نزل ووفده المرافق في ضيافة الدولة السورية. وفي قصر الشعب، استقبله الرئيس في منتصف الطريق وخارج مكتبه، لا على باب المكتب كما يفعل مع رؤساء الحكومات، وبحفاوة بارزة على محيّا الأسد، واستغراب ـــــ مفاجأة على وجه عون ونوابه.
بدا على أعضاء الوفد عدم التصديق أنهم في الشام وموضع ترحيب. هي المرة الأولى للبعض، وبدون قيد لآخرين. فالعميد فؤاد الأشقر، الذي اعتقل في 13 تشرين الأول وأمضى 150 يوماً في سجن المزة، هو الذي وقف إلى جانب نائب وزير الخارجية فيصل المقداد في المطار ليستقبل قائده. وقد مازح ضابطاً سورياً عندما سأله «كيف كانت المنامة في الشام؟»، قائلاً: إنها أول ليلة أستفيق فيها مرتاحاً».
وليستكمل السوريون استقبالهم «الزعمائي» لعون، قال له الأسد في بداية اللقاء في القاعة المخصصة للزائرين الكبار، إن الإعلاميين الموجودين في القصر لتغطية زيارته أكثر من الذين واكبوا زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي. ثم فاجأ الوفد بالقول إنه مستعجل خروج الصحافيين للبدء بالحديث في كل الأمور. وبعدما خرجوا، بدأ الأسد كلامه، فرحّب بالجنرال بأكثر العبارات تودداً، كما قال معظم الذين حضروا اللقاء عن الجانب العوني، «وهو الذي كانت عيناه تشعّان فرحاً»، كما وصفه أحد النواب. وقد حضر الاجتماع عن الجانب السوري: وزير الخارجية وليد المعلم والمقداد، ومستشارة الرئاسة الوزيرة بثينة شعبان، أو أذن الرئيس وعينه كما يسمّيها البعض هنا.
بعد الترحيب، قال الأسد إنه يرغب في نقاش كل مراحل العلاقة السابقة، وإنه يحترم الجنرال «الخصم» سابقاً والحليف حالياً. وذكر أنه مؤمن بالنظرية التي تقول إنه لا تطابق بين أي طرفين، بل هناك تنظيم للحوار. وأعطى العلاقة السورية ـــــ القطرية نموذجاً، شارحاً أنه قال لأمير قطر في أول لقاء جمعهما إنهما لن يصلا إلى حالة التطابق، وهذا ما جرى. وأضاف أنه يرغب في نقاش عميق لكل الأسباب التي أدت إلى تدهور العلاقة ووصولها إلى ما وصلت عليه.
وبعدما ردّ عون التحية، شاكراً الدعوة وحسن الاستقبال والضيافة، عقد والأسد خلوة استمرت حوالى 100 دقيقة، فيما اجتمع الوفد المرافق مع المعلم. ولفت بعد الخلوة أن الأسد قاد سيارته وإلى جانبه عون إلى أحد مطاعم دمشق التراثية، حيث نزلا معاً من السيارة. وعلى طاولة الغداء، تحدث الرئيس السوري عن خطابه في عام 2005 الذي اعتذر فيه عن الأخطاء «لكن لا أحد في لبنان اعتذر، وخصوصاً أن هذه الأخطاء ليست سورية فقط».
ودار نقاش بين المعلم وأعضاء الوفد، دوّن محضره النائب عباس هاشم، حول التحولات الاستراتيجية في المنطقة، وانقسامها بين محورين متصارعين، وتأثير ذلك على سوريا وعلى لبنان. وبعدما استهلك حصار غزة الوقت الأكبر من الحديث، تطرق المعلم إلى العلاقة مع السعودية، مشيراً إلى أن الأمور أصبحت أقل حدّة من السابق «رغم أن سوريا لا تعرف سبب الخلاف. وكنا نعتقد أنه بسبب العلاقة مع إيران، وإذا بنا نفاجأ بأن علاقتهم بها تتطور». ثم تحدث عن لبنان، مكرراً ما قال إنه أبلغه سابقاً للفرنسيين والقطريين والسعوديين: «لو تحول لبنان إلى جنة على الأرض، وطلب منا الجميع العودة، فإننا لا نريد ذلك». وكانت خلاصة كلامه أن بلاده جدية في بناء علاقة ندية مع لبنان، «وهي اقتنعت بأن العلاقة الندية الجيدة أفضل بكثير من السيطرة عبر الجزمة»، بحسب تعبير أحد النواب.
وطرح النائب إبراهيم كنعان موضوع المفقودين، فلفت المعلم إلى وجود لجان تعمل «ونحن على استعداد لتوسيعها وتكثيف عملها لأننا نرغب في إقفال هذا الملف إيجاباً»، مضيفاً أن الأمر يحتاج أيضاً إلى مصالحة لبنانية شاملة، لأن القوى التي شاركت في الحرب الأهلية مسؤولة في هذا الملف أيضاً. وكرر التمييز بين المفقودين والمعتقلين الجنائيين الذين يجب على لبنان التوقيع على اتفاقية الرياض أو عقد اتفاقية مشتركة مع سوريا لمتابعة موضوعهم. وعندما طلب كنعان المزيد من التفاصيل، قال المعلم إنه يترك هذا الموضوع للنقاش مع الأسد.
وبعد الغداء الذي استمر ساعتين، انتقل عون ووفده إلى المفاجأة الثانية: حرارة الاستقبال الشعبي في دمشق القديمة… لينتهي اليوم الأول، بصورة متجددة: في السابع من أيار 2005، كرّس عون نفسه زعيماً لبنانياً لا حاكماً، وفي الثالث من كانون الأول 2008 كرّسته زيارة دمشق زعيماً مشرقياً يحرس المقاومة، رغم أن بعض من يحيط به لم يستطع بعد أن يفهم هذا التحول، ولا يزال يصرّ على تقزيمه ووضعه في خانة زعيم الموارنة أو زعيم المسيحيين.