عون في دمشق: انقسام سياسي لبناني وتنافس إعلامي سوري

مشاركة:

شُغلت الأوساط الإعلامية السورية بزيارة رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون إلى سوريا، التي وصلها أمس.

وبدا الاختلاف واضحاً بين وسائل الإعلام الرسمية ونظيرتها المستقلة، إذ إن التعاطي الرسمي مع الحدث بقي محكوماً بالرصانة والاقتضاب، ولم تنشر أي معلومات مسبقة، سواء عن موعد الزيارة أو برنامجها، خلا بعض المقالات المرحبة بها، التي رأت أنها تعكس رؤية استراتيجية لعون بشأن علاقة مسيحيي لبنان بمحيطهم العربي والإسلامي.

ووصف وزير الإعلام السوري محسن بلال عون «بالوطني والقومي والعروبي»، لافتاً إلى أن زيارته «ستؤدي إلى مزيد من الارتياح بين البلدين، وإلى إفساح مجال التطبيع بينهما، وسوريا تعمل على إزالة كل الأشواك بينها وبين لبنان». وفي حديث إلى قناة «المنار»، قال بلال «نستقبل العماد عون بقلب مفتوح كرجل محترم وكزعيم لبناني وطني وكشخصية لها وزنها وحجمها أيضاً، ليس فقط في الوسط المسيحي، بل على مستوى لبنان، وله احترام أيضاً في المنطقة ككل، ويدعى إلى دول في المنطقة وخارج المنطقة».

وأضاف إن «العماد عون بتحالفه مع المقاومة وتمسكه بها لدحر العدو ولتحرير الأرض ولوقفته الشجاعة في وجه التيار الذي ذهب بعيداً عن القضية الوطنية وقطع الأطلسي، يلتقي مع سوريا الممانِعة المقاوِمة».

في المقابل، حمي الوطيس محلياً بشأن الزيارة بين المواقف والمواقف المضادة، إذ كانت موضع ترحيب قوى الثامن من آذار وبعض القوى الوسطية مثل منبر الوحدة الوطنية، فيما هاجمتها قوى 14 آذار بعنف.

وفي السياق، جدّد رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع انتقاده لـ«هؤلاء الذين يستعدّون اليوم لزيارة سوريا ويقولون إن المشكلة معها انتهت وهذا غير صحيح، فيا ليتها انتهت، ونحن أول من يريد ذلك، لأننا أكثر الناس المستهدفون منها».

وأضاف جعجع «مخطئ من يعتقد أننا نحب المواجهة مع سوريا، فهذا غير صحيح، ونحن أكثر الناس الذين يعرفون معنى هذه المواجهة، لأننا منذ اللحظة الأولى كنا في خضمها، لقد انتهى جزء من المواجهة بفضل تحرك الشعب اللبناني، لا بفعل إعادة تقويم للقادة في سوريا وانطلاقاً منها اتخذوا القرار التاريخي بتغيير مجرى الأحداث ونظرتهم إلى لبنان». ورأى جعجع، في حفل عشاء لمناسبة الذكرى الثلاثين لتأسيس إذاعة «لبنان الحر»، أن «من مصلحتنا كشعب لبناني أن يكون لدينا أفضل العلاقات مع سوريا، ولكن علينا أن نعرف إذا كان منطق المسؤولين السوريين هو المنطق نفسه». وأضاف جعجع «أنا لو كنت مكان السوريين، لكنت بعد التغيير الذي حدث بعد عام 2005 قد قلبت الصفحة كلياً، وقمت بجردة حساب مع اللبنانيين، واعتذرت منهم، وسلّمت لبنان المعتقلين في سوريا، وأفصحت عن الذين قتلوا، وفتحت صفحة جديدة مع لبنان، وعندها كان بدأ فعلاً تاريخ جديد بين لبنان وسوريا».

بدوره، قال عضو اللقاء الديموقراطي النائب أنطوان أندراوس إنه «يتفهّم» أهداف زيارة عون إلى سوريا بأنها «لشكرها على صفقة عودته إلى لبنان ولإنقاذ ضابط سوريّ زوجته وابنتيه يوم تركهن في ملجأ قصر بعبدا وفرّ مهرولاً في اتجاه السفارة الفرنسية. أما أن تذهب قيادات سياسية وعسكرية بهذه الطريقة، فذلك انتقاص من كرامة وسيادة لبنان واللبنانيين»، متسائلاً عن «هذا الحج المتجدّد إلى سوريا من قيادات سياسية وعسكرية لإعطاء صك براءة إلى نظامها، الذي عاث قتلاً وإجراماً وانتهاكاً لحرمة لبنان وسيادته»، لافتاً إلى أن «التهافت والهرولة يطرحان التساؤلات عن جدوى هذه الزيارات لأخذ البركة من رستم غزالة ومعلّمه، من دون الاكتراث لاحترام مشاعر مليون ونصف مليون لبناني طالبوا بحرية لبنان وسيادته وبالقرار الوطني المستقل». وأضاف «هل يعقل هذا الزحف في اتجاه نظام قتل شخصية بحجم الرئيس الشهيد رفيق الحريري وقيادات سياسية وفكرية وإعلامية؟».

من جهته، تهكّم النائب هنري حلو على الزيارة التي رأى أن سوريا تستطيع «أن تقدّم من خلالها إلى عون الكثير الكثير على المستوى الوطني»، من قبيل «ورقة خطية تؤكد لبنانية مزارع شبعا، وسحب كل المسلحين التابعين لها في المخيمات الفلسطينية، والتعهد الجدي بعدم تهريب السلاح والإرهابيين إلى لبنان عبر حدودها، وأخيراً بمناسبة الأعياد هدية الإفراج عن المعتقلين اللبنانيين في السجون السورية»، و«في الشخصي تحالفات تسانده انتخابياً وتدعمه مادياً وتلزم الحلفاء الآخرين تقديم تنازلات لمصلحة مرشحيه في مناطق عديدة على الخارطة الانتخابية». واعترف حلو بالتمثيل الحقيقي لعون حين قال «إن سوريا بحاجة إلى حليف مسيحي من وزن الجنرال الزائر ليؤازر جماعتها في لبنان، ويغطي إعادة تموضعها داخل الكيان اللبناني، وذلك في مقدمة لعودتها المظفرة».

وقال النائب ميشال فرعون «لسنا بحاجة إلى زيارات قد تعزز الخلافات أو تمثّل استفزازاً لفريق أو تطرح علامات استفهام بشأن المضمون ومدى دور فريق أو آخر في الحقبة السابقة التي كلّفت أثماناً باهظة، وتفتح جروحاً من دون أن تسهم في حل الملفات الأساسية التي تصوّب العلاقة اللبنانية ـــ السورية»، لافتاً إلى الحاجة إلى «زيارات رسمية بأجندة واضحة في الأسلوب والمضمون، ونتائج تسهم في حل المسائل العالقة وتدفع بالأمور الى الأمام وتبلسم الجراح وتعزز الوحدة».

وعلى صعيد المواقف المرحبة، أشادت الأمانة العامة لمنبر الوحدة الوطنية، بعد اجتماع لها برئاسة الرئيس سليم الحص بالزيارات، التي «قام بها رئيس الجمهورية، وكل من وزيري الخارجية والداخلية وقائد الجيش العماد جان قهوجي إلى دمشق»، لافتةً إلى أنه كان لها «الوقع الطيب في اتجاه تطوير العلاقت اللبنانية ـــ السورية، وكذلك سيكون للزيارة التي يقوم بها العماد ميشال عون».

ورأى نائب الأمين العام لحزب الله، الشيخ نعيم قاسم، أن «العماد عون بأدائه ومواقفه استطاع بحق أن يكون الممثل السياسي الأول للمسيحيين في لبنان وللموقع المتقدم في المشرق العربي، بحيث أعطى صورة تنسجم تماماً مع الحس الوطني والإنساني، وهذا ما جعله يقف إلى جانب المقاومة الشريفة، وهذا ما جعله يعمل لتنظيم العلاقة مع أشقاء وأصدقاء لبنان وتحسينها وتطويرها كما فعل بزيارة إيران وزيارة سوريا لاحقاً، وكل المواقف التي تنمّ عن رغبة في أن يكون لبنان قاعدة صلبة مستقلة تمد أيديها إلى أصدقائها وأشقائها، وتستقل بقراراتها بعزة ومنعة وقوة بدعامة المقاومة، والجيش والشعب اللبناني ليكونوا أقوياء متماسكين معاً في عملية المواجهة».

كذلك رأى رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي، النائب أسعد حردان، أن «المناخات الإيجابية التي تسود حيال عودة الحرارة السياسية على خط بيروت دمشق، هي أمر طبيعي، والأصوات المعترضة على عودة هذه الحرارة، إنما تكشف عن حقيقة نيّات أصحابها الرامية إلى القطيعة مع سوريا، أي ما يعني محاولة لنسف اتفاق الطائف، والانحراف بلبنان إلى مواقع مريبة ومرفوضة».

ودافع عضو تكتل التغيير والإصلاح النائب فريد الخازن عن الزيارة، ووصفها «بالتاريخية»، وهي «تهدف إلى إرساء مقاربة جديدة للعلاقات اللبنانية ـــ السورية التي كانت مأزومة في الماضي، بحيث تضع أسساً لتعاون جديد لعلاقات مستقبلية تصبّ في مصلحة البلدين، ويكون لها مردود إيجابي على البلدين في إطار ثوابت السيادة والاستقلال»، مشيراً إلى أن عنوانها «هو التعارف والصداقة وهي تجري عن طريق العلاقة المباشرة، لا بالواسطة، أو عن طريق خط عسكري أو أي وسيلة كانت متّبعة في المرحلة السابقة».

ورأى النائب نبيل نقولا أن الحملة على زيارة عون ما هي إلا «زوبعة في فنجان تقوم بها الدول التقسيمية»، مشيراً إلى أن «مصلحة المسيحيين ليست فوق أي اعتبار، بل مصلحتهم من مصلحة لبنان، ومصلحة البلاد هي فوق كل اعتبار، وفتح علاقات جديدة مع سوريا هو لمصلحتهم».

كذلك انتقد النائب السابق إميل إميل لحود قوى 14 آذار، لافتاً إلى أن «معظم أعضاء الأمانة العامة لهذه القوى كانوا من زوّار دمشق الدائمين ومن المقيمين في فنادقها». وقال «إن انتقادهم لزيارة العماد ميشال عون لسوريا في غير محله، فهذه الزيارة هي زيارة محبة وانفتاح ومطلوب منهم دعمها بدل انتقادها»، مطالباً في المقابل أقطاب 14 آذار «بالتخفيف من زياراتهم للسعودية وللولايات المتحدة التي لم تجلب على لبنان إلا الويلات».

وأيدت الأحزاب والقوى الوطنية والإسلامية في إقليم الخروب بعد اجتماع لها في مركز التيار الوطني الحر في الدامور زيارة عون إلى سوريا «التي تصب في المصلحة الوطنية، انسجاماً مع عودة العلاقات إلى طبيعتها» بين لبنان وسوريا.

في سوريا: تنافس إعلامي

أفردت وسائل الإعلام السورية المستقلة حيزاً واسعاً للزيارة، وانفرد تلفزيون «الدنيا» بحوار أجري مع العماد عون قبل أيام من موعد الزيارة، وفوجئت الأوساط الإعلامية أمس بنشر مدير هذه القناة، فؤاد شربتجي، مقالاً على موقعها الإلكتروني، يعتذر فيه بلغة تهكمية من التلفزيون السوري لأن تلفزيونه أجرى حواراً مع عون من دون استئذان. وقال شربتجي: «ببالغ الأسى تبلّغنا مدى انزعاج المسؤولين في التلفزيون السوري الحكومي عندما شاهدوا العماد ميشال عون على شاشة الدنيا، متسائلين عن أحقية تلفزيون خاص مثل الدنيا في إجراء لقاء كهذا مع عون، وهو ضيف الحكومة لا القطاع الخاص». وأضاف «وبكثير من الإحساس بالذنب شعرنا بأننا تجاوزنا قوانين الطبيعة ونواميس الإعلام بإجراء مثل هذا اللقاء، وهذا ما جعلنا نندم أشد الندم لأننا لم نستشر مبدعي أخبار التلفزيون الحكومي، وهذا ما أوصلنا إلى حافة اليأس، لأننا نتبع الأوامر الإدارية الصادرة عن الإدارات العليّة العالمة والحكيمة بمثل هذه المقابلات». وطلب شربتجي من كل من تابع العماد عون على شاشة «الدنيا» أن «يعتبر أنه شاهده على التلفزيون السوري صاحب الحق في كل شيء، وصاحب النفوذ على كل شيء، وصاحب السبق أيّاً كان فاعله».

من جهتها، أفردت صحيفة «الوطن» صفحة كاملة لمتابعة هجوم قوى 14 آذار على زيارة عون، كما ستنشر اليوم الأربعاء حواراً طويلاً معه. وتولت الصحيفة مهمة الرد والدفاع عن الزيارة. كذلك وصفت في افتتاحيتها سياسة عون منذ عودته إلى لبنان عام 2005 بأنه يتحدث بمنطق «رجل الدولة»، وهو خطاب يختلف جذرياً ويتناقض كلياً مع أسلوب «تجار السياسة وزعماء الميليشيات ورجال عصابات الحرب الأهلية». كذلك فإن عون أكد «بصراحة ووضوح أن مشكلته مع سوريا انتهت بخروج جيشها من لبنان».

ومن المتوقع أن يستقبل الرئيس السوري بشار الأسد صباح اليوم العماد ميشال عون، الذي وصل أمس إلى دمشق في زيارة تستمر أياماً عديدة. وهي الزيارة الأولى له منذ عام 1985 حين زارها كقائد للجيش اللبناني.

وتأخذ زيارة عون إلى دمشق سمة الحج الديني. وبحسب مصادر إعلامية، سيزور عون اليوم قبر يوحنا المعمدان في الجامع الأموي في باب توما، حيث يتوقع أن يقام له استقبال شعبي، كما يتوقع أن يزور قبر القديس مارون وعدداً من الكنائس التاريخية.