
مشاركة:
عاجل!. »مُعمرة«، تختزن احداثاً تاريخية، بحاجة الى »جرعة« طارئة من فئة »ترميم (+)«. رقم الحساب: وزارة الثقافة، مصرف: مديرية الاثار، باسم »المُسنة«: سرايا آل جنبلاط الاثرية.
المكان: بلدة بعـذران الشـوفية. هنــا لا مجـال للمخـاطرة؛ الشتاء مُثلج… والبقعة الجغــرافية هذه ترتفع ١٢٠٠ متر عن سطح البحر. »المعمرة« مُهددة بنقــص المناعة المكتسب. النداء لا يحـتمل الانتظار. مع »ولادتها« العام ،١٧٢٠ كــان الشــوف مسـرحاً لاحداث بارزة. ثورات، تحديات وانتداب… السراي »ناضـلت« فـي حـينه؛ تحصـن الـثوار في احضانـها… وهـي تنـتظر اليـوم من يـرد لـها الجميل.
…لا فارق كبيراً بين ماضيها والحاضر (!): كانت »المعمرة« الاثرية قلعة حصينة في وجه ازمات كبيرة منها الطبيعية والتاريخية، قبل نحو ٣٠٠ عام اي منذ القرن السابع عشر، اما اليوم فتبدو السراي كعجوز تتكئ على عكاز وقد غزتها »التجاعيد« ايذانا بقرب يومها…
لا فارق كبيراً بين ما كانت وما آلت اليه: كانت السراي رمزاً للصمود ومعقلا للثوار، الذين اتخذوا منها آنذاك حامياً وراعياً في وجه حملة الفرنسيين على منطقة الشوف في العام ،١٩٢٦ على خلفية الثورة السورية الكبرى في جبل العرب.
اما اليوم فتبدو قلعة حصينة للفئران واشباهها، بعدما رمى الاهمال شباكه عليها لزمن، فاستحكم بها. الاعشاب البرية تعمشقت على الجدران، وتغلغلت بجذورها »الطائشة« الى كل زاوية وكل حائط، دافعة بنقوش اثرية، يُقدر عددها بثمانين نقشاً، تعود للقرن السابع عشر، الى الخلف، حتى باتت رؤيتها صعبة بعدما كانت سابقاً رمزاً للفن المعماري.
محاولات متأخرة كثيراً تجري لانقاذ ما يمكن انقاذه. تم ترميم مدخل رئيسي للسراي لكن مكامن الخطر الاساسية، والمهددة قبل المدخل بالسقوط في اي لحظة لم تُمس حتى اللحظة. تصدعات خطيرة تفرض نفسها على زوايا القلعة، علماً ان زاوية من الزوايا هذه، تستلقي فوقها قنطرتان منهارتان جزئيا، تحاذي طريق عام يسلكه عشرات اذا لم نقل مئات من ابناء البلدة والزوار يومياً… ما يهدد بخطر حقيقي.
يطالب رئيس بلدية بعذران زياد باز »منذ زمن« بترميم السراي. »مديرية الاثار رممت مدخلا قديما لها (ليس المدخل الرئيس) وهذا كل ما في الامر«. يقول باز إن انهيارات عدة تصيب القلعة من وقت لاخر وليس هناك من مجال للتأخير في الترميم. ويشير رئيس البلدية الى زاوية من الزوايا الخطرة قائلا إن حجارة منها سقطت على الطريق العام ولحسن الحظ لم يكن احد بمحاذاتها.
باز جال مع »السفير« في ارجاء السراي. بدا واضحا مدى الخطر المحدق بالقلعة. تحدث عن ان السراي كانت في القدم مكونة من طبقتين الاولى منها انهارت بنسبة ٩٠ في المئة واما الطبقة المتبقية فهي مهددة بالسقوط اليوم… ويلفت الى »جهود يقوم بها رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط على عاتقه لانقاذ ما يمكن انقاذه، وذلك بعدما تبين ضعف التحرك الرسمي تحديدا من قبل الوزارة المعنية بالاثار«.
باز يلفت الى ان »بعذران في الدليل السياحي، وهي تستقبل سنوياً بين الف و١٥٠٠ سائح، نتيجة لما تقوم به البلدية من جهود للحفاظ على التراث، والاثار، والتاريخ (…)«.
…قلعة بعذران كانت تضم في القديم اماكن لسرج الخيول واماكن للنوم، وغرف عقد تتواجد في كل منها مدفأة حجرية (Cheminee)…. كلها انهارت بشكل شبه تام. وتشير دراسة اعدها المهندس زاهر الغصيني في العام ٢٠٠٣ حملت عنوان »الاضرار اللاحقة بسراي آل جنبلاط الاثرية« ـ ارسلت نسخة منها الى مديرية الاثار ـ الى ان القلعة عبارة عن مسطحين او طبقتين: طابق ارضي من العقود الحجرية (حجر كلسي) وطابق علوي من جدران حاملة »كلّين« مع اسقف افقية. جزء كبير من انشاءات هذا الطابق انهارت عبر الزمن والباقي منها في حالة سيئة«.
قسم الغصيني الاضرار الظاهرة للعيان في انشاءات السراي الى ثلاثة اقسام:
١ـ إنشاءات منهارة كلياً.
٢ـ إنشاءات في حال الخطر (تصدع كبير قابل للانهيار) ولا سيما في الجدران الخارجية الحاملة، وتظهر في اقسام مختلفة من البناء وذلك بسبب: سقوط وتغلغل مياه الامطار على الاسطح الترابية للمنشآت، ما يؤدي الى انهيارها لعدم وجود مجار لصرف المياه فيها. سقوط وتغلغل مياه الامطار على سمكات الجوانب المكشوفة للجدران الخارجية الفاقدة لاسطحها منذ زمن. نشوء انواع من الاعشاب الضارة وجذور اشجار مؤذية داخل جدران الانشاءات وعلى واجهاتها.
٣ـ إنشاءات ذات تشققات اولية…
الغصيني ختم دراسته بالحديث عن خطوات المعالجة مقسما اياها الى مرحلتين: خطوات المعالجة الفورية وخطوات لاحقة لاعادة ترميم شامل للحفاظ على موقع السراي الاثري:
في المرحلة الاولى الفورية يشدد الغصيني على »اهمية تدعيم مؤقت لكامل مساحات الانشاءات المتضررة والمتصدعة وذلك لحمايتها وحفظها الى حين بدء عملية الترميم الشامل. وفي المرحلة الثانية تنظيف كامل اسطح الانشاءات والجدران الخارجية من النباتات والاعشاب والقضاء على جذور الاشجار نهائيا. ترميم وتقوية المساحات المتبقية للجوانب المنهارة المكشوفة لمقاطع الاسقف والجدران الخارجية وتكحيل حجارتها والشقوق فيها لحمايتها من الامطار ولمنع ظهور النبات وجذور الاشجار عليها مجددا. تغطية اسطح العقود الترابية وانشاء اقنية ومجاري صرف ارضية لمياه الامطار والمياه الجارية من على اسطح وجدران الانشاءات (…)«.
…للتذكير الدراسة هذه اعدت في العام ،٢٠٠٣ والى اليوم لم تتواجد مجار لتصريف المياه، ولا اي من الامور الطارئة الملحوظة في الدراسة علماً ان مراقبين يتحدثون عن انها »دراسة علمية، ومدروسة جدا«.
وفي متابعة للموضوع اجرت »السفير« سلسلة اتصالات مع المعنيين، ومن بينهم المهندس نديم نمّور، وهو من يقوم بترميم السراي اليوم. سألناه عن الاعمال المنجزة حتى تاريخه فقال إن »المدخل هو المنجز تقريباً«، وماذا عن الزوايا الخطرة على السلامة العامة نسأله فيجيب: »الزوايا سنبدأ العمل فيها مع بداية الربيع المقبل فالطقس لم يساعدنا… عسى ان تصمد في فصل الشتاء إننا نرفع الصلوات«. لماذا التأخير؟، يشير نمر الى بعض »العقبات الخاصة(…)«.
برأي نمور »في عمليات الترميم ليس هناك شيء اسمه مرحلي، فاما ان يكون هناك ترميم شامل او لا«… لكنه هو يعترف بان »الزوايا خطرة جدا وتتداعى مهددة السلامة العامة للعابرين بجانبها و… عسى ما تضرب شي صاعقة قوية وتنهار معها الزاوية الشرقية«.
ولماذا اعطيت الاولوية للمدخل إذاً وليس »للزوايا الخطرة«، يجيب: الزوايا ستُفكك كلها ليعاد ترميمها، والطقس لا يساعد للبدء بها فنحن انطلقنا بالعمل في الصيف الماضي. ولم يكن هناك متسع من الوقت لكن مع اول الربيع ستكون من اول اهتماماتنا«.
نمور يشير الى تقصير يصفه »بالكبير جدا جدا من مديرية الاثار«… ويقول: »لولا جهود النائب جنبلاط الخاصة لما انجزنا المدخل ولما كانت هناك اهتمامات بالترميم… ليس علينا الاتكال على المديرية«.
…الربيع المقبل موعد إذاً للعمل بزوايا السراي. لا شيء ابدا يضمن انها ستصمد شتاءً. اي انهيار سيجعل مهمة الترميم اصعب فاصعب. حجارة القلعة مهددة بالدمار، كما حياة اي مواطن »قليل الحظ«. لا دعائم تحمي، لا مجاري لابعاد المياه الجارية عن التصدعات. نباتات وجذور اشجار تُهدد ولا من يضع حدا »لتمرّدها«. الطريق العام الملاصقة للسراي سالكة تماماً، لا اشارة او تنبيه يحذر من الخطر… حياة القلعة في خطر حقيقي، تماماً كحياة المواطنين… فهل ننتظر الربيع؟؟؟.
صفحة من الماضي
في تقليب سريع لصفحات الماضي، يظهر ان الشيخ علي جنبلاط، احد اعــيان الجبل وقتذاك، وبعدما رأى ان اقامته في المختارة باتت محــفوفة بالمخاطر قام برفقة رجاله بجولة في الشوف الاعلى. هدفــه كان ايجاد مكان آمن ليشيد عليه قصراً، يحميه وصحبه من المخاطر، فقرّ الرأي على قرية بعذران ذات المســالك الجبلية بصخورها العالية. وسط التــضاريس الوعرة اختار هضبة فسيحة وبنى عليها قصراً منيعاً ادار منه شــؤون الجـبل. ومنــذ ذلك الحين تطلق على القصر تسـمية »سراي آل جنبلاط الاثرية« او »سراي بعذران الاثرية«.