اغتيال جنبلاط السياسي أشدّ قسوة من الاغتيال الجسدي

مشاركة:

قلّة من أصدقاء وليد جنبلاط ما زالوا يترددون إلى صرحَي كليمنصو والمختارة هذه الأيام.فبعضهم يقاطع منذ 3 سنوات على الأقل، والبعض الآخر وصلته الأخبار عن الذم التي يقوله صاحب القصرين بحقه فعدل عن الزيارة. أما غير الأصدقاء،

فيزور مرة أولى وثانية ثم يجد نفسه عاجزاً عن فهم وليد جنبلاط فيتهرّب من المرّة الثالثة. لكن هذا النوع من العزلة ليس السبب في توتر أبي تيمور والذي يسمع عنه الصحافي كيفما ذكر جنبلاط في الصالونات السياسية. فروايات الزوار المتناقلة تتقاطع عند أكثر من اشتياق جنبلاط لأناس كان في البداية يستسخفهم. فمرة يسترسل أحد الأصدقاء في وصف ارتجاف ركبة أبو تيمور نتيجة الضغط والتوتر، واضطراره مرات كثيرة، حين يفقد السيطرة على رجله، إلى الوقوف والسير قليلاً. ومرة يروي زائر عن عيني جنبلاط الغارقتين في الأرق الأسود تعبران ببطء فوق الملفات المكدسة والمقالات وصور الكاريكاتور ثم تتوهان بعيداً دون اعتبار للرفقة الموجودة.

هكذا غدت معظم مقدمات الكلام عن رجل القصرين المحاصرين بالحراس. والتتمة تمر حتماً بهاجس انقلاب سحر عبارة «لم نعد وحدنا في العالم» على الساحر.

من زمان، يقول أحد النواب السابقين، يأكل التخوّف من الاغتيال ـــــ وقد بات تقليداً في عائلة جنبلاط ـــــ من أعصاب سيِّد المختارة. ولكن اليوم، عشيّة الانتخابات، يعيش وليد جنبلاط توتراًً آخر. فقد تطور الهاجس من قلق على شخصه إلى قلق على الزعامة برمتها. بصراحة أكثر، يقول النائب السابق إن تفكير وليد جنبلاط باستشهاده الجسدي شيء وتفكيره باستشهاده السياسي شيء آخر، مُذكّراً بأن الرجل المشكّك في أقرب الناس إليه لا يطمئن إلى زنود المرافقين وهتافات المؤيدين ولا إلى نتائج الاستطلاعات. فعملياً تقوم زعامته الدرزية على احتكار التمثيل النيابي الدرزي (يمثل الطائفة الدرزية ثمانية نواب في المجلس النيابي، سبعة منهم جنبلاطيون). لكن المعطيات تؤكد أنه لن يكتب لهذا الاحتكار الاستمرار. وجنبلاط، القارئ الانتخابي الذكي، يعرف أن التهديد الجدّي يطاول أربعة من مقاعد الطائفة الثمانية على الأقل.

في التفاصيل، تتوزع هذه المقاعد على ست دوائر انتخابيّة هي الشوف (نائبان ـــــ هما وليد جنبلاط ومروان حمادة)، عاليه (نائبان ــــ أكرم شهيب وفيصل الصايغ)، ونائب عن كل من بعبدا (أيمن شقير)، راشيا والبقاع الغربي (وائل أبو فاعور)، مرجعيون وحاصبيا (أنور الخليل المقرّب من الرئيس نبيه بري)، ودائرة بيروت الثالثة (غازي العريضي).

وبحسب التوقعات الأوّليّة، فإن أحد مقعدي عاليه سيكون من نصيب الوزير طلال أرسلان، ومقعدي بعبدا وحاصبيا ـــــ مرجعيون سيكونان للمعارضة. ففي بعبدا يحسم انهيار التحالف الرباعي ذلك، أما في حاصبيا ـــــ مرجعيون فالكتلة الشيعية الناخبة تساوي ضعف الناخبين الآخرين مجموعين، ورابعاً، هناك مقعد راشيا ـــــ البقاع الغربي حيث لا يمكن توقّع هوية الفائز، وبالتالي فإن حظوظ المعارضة في خطف مقعد رابع من الثمانيّة الدرزية تساوي حظوظ جنبلاط باحتفاظه بالأكثرية النيابيّة الدرزيّة (5 من أصل 8). مع الإشارة إلى أن مقعد بيروت سيكون رهن تفاهم التقدمي والمستقبل.

إلى أين يودي ذلك؟ يبتسم وزير سابق ـــــ صديق لكمال جنبلاط ـــــ شارحاً نقطتين أساسيتين:

1ـــــ تساوي جنبلاط وأرسلان في التمثيل النيابي الدرزي بموازاة حصول المعارضة على أكثرية نيابية سيؤدي حتماً إلى حصول أرسلان على الحصة الوزاريّة الدرزيّة الأكبر، وقبضه على الخدمات والوظائف العامة المخصصة للطائفة الدرزيّة.

2ـــــ تاريخاً وحاضراً، هناك قرابة 60 % من الدروز يؤيّدون جنبلاط نتيجة الخدمات و«حمايته الطائفة»، 30 % يؤيدون أرسلان، وقرابة 10% ينتمون إلى أحزاب عقائديّة.

وبالتالي، فإن الزعامة الجنبلاطيّة التي شاهدت أرسلان قبل أسابيع قليلة يُحمل على الأكتاف في جبل الدروز، تعيش هاجس خسارة ثلاثيّة تشمل شبه أحاديتها في تمثيل الطائفة الدرزية نيابياً، خدماتها ضمن المؤسسات الرسميّة، وحضورها على المستوى الوطني كلاعب أساسي في كل العهود مهما كانت الظروف.

وأكثر، يقول نائب سابق إن أبا تيمور ورث وأكمل بذكاء تقنيّة إدارة الصراع ضمن طوائف الآخرين. وإذا به يفاجأ بالآخرين يلعبون به اللعبة نفسها. وهو يتذكر، من تجربة العقدين الماضيين، كيف يكون الاغتيال السياسي البطيء أشد قسوة وفتكاً من الاغتيال الجسدي.