
مشاركة:
يحتار العالم في توصيف لبنان، فتارة هو لبنان المقاوم وتارة اخرى هو لبنان الحاضن للدبلوماسية والحائز على اعلى مراتب الاهتمام العالمي.
ولكن هذه الحيرة مردها بالطبع الى اللنبانيين انفسهم فهم لا يزالون غير قادرين على تحديد وجهتهم: المقاومة ام الدبلوماسية. فهناك قسم من الطبقة السياسية يرى ان المقاومة هي الاجدى وان خياراتها كانت صائبة بدليل كل التطورات والاحداث والنتائج التي شهدتها الساحة المحلية والاقليمية والدولية على هذا الصعيد. ويستشهد اتباع هذه النظرية بكثير من المعطيات اهمها حرب تموز العام 2006 ونتائجها العسكرية والسياسية حيث ادت الى وأد فكرة الشرق الاوسط الجديد، والانفتاح العالمي على سوريا وفتح صفحة جديدة مع لبنان، والتغاضي الدولي عن الملف الايراني الذي انحر فقط بالعقوبات غير المؤذية.
في المقابل، يعتبر مؤيدو فكرة لبنان ‘الدبلوماسي’ ان ما ينادون به هو الصواب باعتبار ان القرار 1701 هو الذي انهى الحرب على لبنان وليس المقاومة، وان الوضع الداخلي اللبناني استتب بفضل اتفاق الدوحة الذي اتى نتيجة جهود دبلوماسية بذلت وبقيت حتى اللحظة الاخيرة، وان العلاقات الجديدة مع سوريا لم تكن لتبصر النور لولا السياسة الدبلوماسية المتّبعة والتي ادت الى الضغط على سوريا لاصدار مثل هذا القرار في مقابل الانفتاح الدولي عليها، اما العلاقة الغربية مع ايران، فهي بسبب جال الركود الذي تشهده دول الغرب بسبب الانتخابات الاميركية وانتقال السلطة من ادارة الى اخرى، ناهيك عن الانتخابات الاسرائيلية التي لا يمكن تقديم اي جديد من دون اتمامها ومعرفة هوية الفائز فيها.
ويضيف اصحاب النظرية الدبلوماسية، ان التحرك الدبلوماسي هو الذي سيحرر قرية الغجر من الاحتلال وليس المقاومة، بدليل ما يحكى حالياً عن الموضوع وعن استعداد اسرائيلي لتسليم القرية الى قوات ‘اليونيفيل’ في مقابل عدم دخول الجيش اللبناني اليها. وبين هذه النظرية وتلك، يبقى لبنان فاقد الهوية، والسبب عدم وصول كلمة السر الدولية في هذا الخصوص، وحتى ذلك الحين، سيقى اللبنانيون عرضة للانقسام بين مقاوم ودبلوماسي، وهذا الوضع مطلوب بشدة تحضيراً للانتخابات النيابية، وهو ما تعكسه تصريحات المسؤولين في كل فريق، من خلال التحذير من عودة سورية الى لبنان او في المقابل التنبيه الى خطورة المراهنة على الغرب الذي باع لبنان دون تردد في كل مناسبة سنحت له.
وقد رسخ في اذهان اللبنانيين منذ الآن ان الانتخابات محصورة بهاتين الصورتين للبنان، وعلى هذا الاساس تحدث النائب وليد جنبلاط ورئيس حزب الكتائب امين الجميل ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية سمير جعجع من حهة، والنائب العماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجيه وقادة ‘حزب الله’ من جهة ثانية.
ولعل تباشير هذه الحرب النفسية والشحن السياسي بدأت تتجلى في الجامعات ان من حيث الانتخابات الطلابية او من حيث المواجهات الساخنة بين الطلاب في مختلف المناطق، وعماد هذه المشاكل كما هي الحال دوماً طلاب ‘التيار الوطني الحر’ و’القوات اللبنانية’. وفي حين يأمل العديد من الناس ان تكون فرصة الاعياد محطة لاعادة النظر على صعيد التعاطي المسيحي مع الاحداث في الشارع، ينظر البعض الى هذه المحطة على انها مهمة لاعادة تنظيم الاهداف وتحديدها للوصول الى اكبر قدر ممكن من الناس. ويبقى امل ضئيل جداً في ان تشكل طاولة الحوار قبل فرصة الاعياد مباشرة، قدرة للمتحاورين على تنفيس الاحتقان الموجود ونقله الى صيغة اخرى لا تؤذي الناس، ولكن التجار بالسابقة لم تكن مبشرة.