
مشاركة:
مفهوم الديمقراطية في لبنان يقتصر على حق الفرد في التعبير عن رأيه وتوجيه الانتقادات والشتائم، والاتهامات، دون ان يصل الامر الى حد المساواة بين الجميع في هذا الحق الجزئي من الديمقراطية،
فكيف بباقي تفاصيلها؟! بمعنى آخر، في لبنان،
يحق لفريق سياسي ان يفعل ما يريد ولا يحق لخصمه ان يحذو حذوه، حتى ولو انطلق من المعايير نفسها او الهواجس ذاتها او استند الى المصالح عينها التي اعتمد عليها الاول! وفي هذا الاطار، تعدد اوساط في 8 اذار سيلا من التناقضات التي تجعل الديمقراطية لعنة وطنية بامتياز، نتيجة المفهوم ‘الاعوج’ لتطبيقها .
وتعدد هذه الاوساط آخر الامثلة التي تشير الى الديمقراطية المصنوعة على الطريقة اللبنانية، والتي تعكس حرية الاتهام والتخوين والانتقاد دون طرح الحلول المعقولة وليس التعجيزية.
واشارت الاوساط الى انه ومنذ ‘ايام معدودة، تجرأ الوزير الاسبق سليمان فرنجية للتعبير عن تخوفه من حصول اغتيالات كبرى بهدف تعطيل اجراء الانتخابات النيابية، وهو وان كان لم يراع ‘الملكية الادبية والفكرية’ التي جعلت ‘التنبؤ’ بالاغتيالات وبالاحداث الامنية حكرا على فريق الرابع عشر من آذار، الا ان الملفت هو الحملة المضادة التي تعرض لها فرنجية من قوى الاكثرية بتهمة التلويح والتهديد السوري المبطن وغير المباشر بالقيام بعمليات اغتيال، ووصلت الى حد اعتبار النائب سعد الحريري نفسه معنيا مباشرة بالتهديد بقوله من القاهرة ان الانتخابات النيابية يجب ان تجري بمواعيدها ولو جرى استهدافه شخصيا’.
واضافت ‘ان المفارقة فهي ان كلام فرنجية اتى بعد ايام قليلة من تخوّفات ادلى بها قائد ‘القوات اللبنانية’ سمير جعجع عندما تحدث عن ‘هواية المعارضة بالعودة الى الاغتيالات’ في حال استشعرت الفشل في الانتخابات النيابية المقبلة! كيف يمكن التوفيق بين كلام مشابه لصورتين متناقضتين بردود فعل متباينة؟! الموقف الثاني الاكثر تعبيرا هو ذاك المتعلق بخطابات فريق الرابع عشر من آذار على مدى اكثر من سنة، عندما انبرى نواب الاكثرية لاتهام رئيس المجلس النيابي نبيه بري بإقفال مجلس النواب ومن ثم بتعطيل نصاب جلسة انتخاب رئيس الجمهورية، فاذا بهؤلاء النواب أنفسهم يتعمدون عن سابق تصور وتصميم تعطيل نصاب جلسة اقرار قانون شيخوخة الشعب المسكين من جهة، وقانون رفع الحد الادنى للاجور وصرف التعويضات السابقة المستحقة على الدولة للموظفين منذ العام 1996 من جهة ثانية، دون ان يرف جفن هؤلاء او يهابوا حساب الشعب عشية الانتخابات.
اما ما هو الاكثر فظاعة من كل ما سبق برأي الاوساط فهو الانتقادات العشوائية التي يتعرض له رئيس تكتل ‘التغيير والاصلاح’ا العماد ميشال عون منذ ان اعلن عزمه زيارة سوريا.
بيد ان آخر الابتكارات ما اعلنه احد اقطاب الاكثرية بعد نصحه الجنرال بتأجيل الزيارة، قوله بأن هكذا زيارة ‘لا تراعي مشاعر اهالي الشهداء اللبنانيين والمعتقلين في السجون السورية’، ولكن هل نسي جعجع ان اميركا التي زارها هو وحليفه وليد جنبلاط وغيرهما من اقطاب الرابع عشر من آذار هي نفسها التي كانت تمدّ اسرائيل بالسلاح وبالقرار السياسي وبالدعم الدولي خلال عدوان تموز من العام 2006؟ ولماذا لم يراع هؤلاء مشاعر وحزن الاف العائلات التي سفكت دماء أبنائها بصواريخ اميركية الصنع، وهجرت اطفالها في الطرقات وافترشت الحدائق العامة، ودمرت واحرقت ارزاقها؟! ولماذا لم يراعوا مشاعر العائلات التي قضى ابناؤها سنوات طويلة في السجون الاسرائيلية وهم يقفون الى جانب المنطق الاميركي بإدانة المقاومة على عمليتها الاخيرة بسجن الجنديين الاسرائيليين لاجراء صفقة تبادل بالاسرى اللبنانيين؟! ولماذا لم يستحِ رئيس حكومة الاكثرية النيابية وهو يعانق وزيرة الخارجية الاميركية المسؤولة بلادها عن عدوان تموز على لبنان، ولم يراع مشاعر اللبنانيين انذاك، تماما كما لم يراع كل فريقه مشاعر اهالي الشهداء وهم يجتمعون بالسيدة رايس في عوكر، وغير عوكر؟! الامثلة كثيرة والاسئلة حولها كثيرة، وهي لا تطرح الا في لبنان الفريد بديموقراطيته التي لم تصل «توافقيتها» الى حد المساواة بين اللبنانيين في اعتماد معايير واحدة عند الاتهام او الانتقاد او التوجس او التعبير.