زيارة عون إلى سوريا: إيجابيّات وسلبيّات أمام تيّار التحرير

مشاركة:

يكاد يستحيل التقاء اثنين حول فنجان قهوة هذه الأيام دون أن تكون زيارة العماد ميشال عون إلى سوريا،

المفترض أن تتم غداً أو بعده، محور كلامهما. فبين الرجل والبلد المضيف تراث وتقاليد تضفي على خبر الزيارة، كل دقيقة، تفصيلاً جديداً (ماذا إذا سأل بشّار عون عن موقفه من والده، أو إذا التقى عون صدفة أحد العمداء الذين أشرفوا على اجتياح قصر بعبدا؟…).

ولكن، فيما الناس، مؤيدين لعون أو منتقدين، منشغلون بالخسائر التي يمكن أن تُلحقها الزيارة «بما بقي من الحالة العونيّة» على اعتبار أن هذه الحالة الشعبيّة قامت على مبدأ العداء لسوريا وتنتهي مع انتهائه، ثمة من يضع نفسه مكان عون، محاولاً اكتشاف ماذا يكسب بالزيارة. على اعتبار أن القائد، قبل كل خطوة، يفكر في مردودها على شعبيته، فيقدم إن كان المردود إيجابياً، ويعدُل إن كان سلبيّاً.

لكن هناك إيجابيات للزيارة، إذ سيكون برنامج لقاءات عون نوعاً من بديل برنامج لقاءات البطريرك نصر الله صفير، وسيفتتح أكبر كنيسة في الشرق، وهي كنيسة مار مارون، حيث سيتوّج عون ـــــ أو هكذا يتوقع أنصاره ـــــ البطرك السياسي لإنطاكيا وسائر المشرق. كما يعتبر بعض العونيين أن إنجاز الزيارة سيكون استرداد عون لمفتاح بيروت من السوريين.

في النتيجة، يقول أحد أصدقاء الجنرال إن الأذكياء وسط المناوئين للعونيّة كانوا طوال «الحقبة السوريّة ـــ الحريريّة» يهربون عندما تحرجهم أسئلة العونيين عن سبب تخاذلهم في الدفاع عن الحرية والسيادة والاستقلال إلى سؤال تهكّمي عمّا سيفعله العونيون بعد الخروج السوري من لبنان. والواقع أن هؤلاء كانوا يعتقدون يومها بأن تطور العونيّة في تلك المرحلة مستحيل لأن السوري موجود، وسيكون أكثر استحالة في مرحلة ما بعد السوري لأن العونية برمّتها ستفقد مبرر وجودها، الأمر الذي أثبتت نتائج انتخابات 2005 عدم صوابيته.

ولاحقاً، حين ذهب عون لتوقيع التفاهم، باسم التيار، مع حزب الله كان ثمة عونيون كثر وأصدقاء للتيار يستشعرون خطراً على استمرار الحالة العونية بحجمها الشعبي الكبير. لكن عون تدخل عند المشككين بإيجابيّة التفاهم، طالباً تسليفه مرّة، وإن تبين لاحقاً أنه أخطأ التقدير، يتحمل وحده عبء إصلاح الوضع.

وبسرعة قياسية كانت الملاحظات على التفاهم تتحول مديحاً وثناءً. فعون، الذي عرف كيف يوفر استمرارية تياره بعد الانسحاب السوري، نجح في تحويل التفاهم من نقطة ضعف، كما صوّرها البعض، إلى نقطة ارتكاز في مشروعه السياسي يؤسس عليها استمراره للثلاثين عاماً المقبلة على الأقل.

وتتطلب مقاربة الزيارة تفهماً لفريقين:

الأول، هو عون الذي يؤمن بأنه رجل يصنع التاريخ لا شخص يتأقلم مع الأمر الواقع. (وهو في هذا يشبّه نفسه بالجنرال ديغول).

والثاني، هم الملتفّون حول عون، وهؤلاء، خلافاً لظنّ «الأذكياء وسط المناوئين للعونيّة»، ليسوا قطيعاً بربرياً لا يحرّكهم غير العداء لسوريا. لا بل إن معظم هؤلاء هم عكس ذلك، فهم طلاب ومثقفون ونقابيون وعمال ومزارعون يريدون 3 أمور أساسية:

1- العيش بكرامة في وطن مستقر.

2- الاطمئنان إلى مستقبلهم ومستقبل أبنائهم في هذا الوطن.

3- التطلع إلى الأفضل اقتصادياً واجتماعياً.

ويبتسم أحد نواب تكتل التغيّير والإصلاح، متذكراً كيف تصرف قادة 14 آذار مع تفاهم التيار والحزب، الذي للمناسبة لم يعد محط انتقاد يومي في خطاب 14 آذار بعدما تلمسوا عدم تأثيره على شعبية الجنرال. فيومها، يقول النائب، وجد اللبنانيون أنفسهم أمام فريقين: الأول يقول إنه يريد التفاهم ويسعى إلى تعميم ثقافة التفاهم مهما تكن التفاصيل المختلف عليها لما في ذلك من أثر إيجابي على مستقبل الوطن. فيما الفريق الثاني لم يترك صفة سيئة إلا ألصقها بتفاهم فريقين لبنانيين، وأطلق كل ما لديه من ذخيرة سياسية على هذا التفاهم، نابشاً الماضي ليعرقل المستقبل.

وهكذا يتكرر اليوم السيناريو نفسه: ثمة زعيم يقول إنه ذاهب إلى سوريا من أجل المستقبل، فيواجهه الفريق الثاني بالقول إن الماضي، الذي يفترض أن تكون غالبية اللبنانيين تكرهه، يحكم المستقبل.

ضمن هذه المعادلة، يصبح ذهاب عون إلى سوريا حاجة.