
مشاركة:
على غرار زيارته إلى الضنية مطلع صيف هذا العام بغية افتتاح منشأة اجتماعية، التي كانت لافتة من ناحية الحشد الشعبي الواسع الذي استُقبل به،
وأثارت امتعاضاً في صفوف تيار المستقبل لأنها حصلت في منطقة يعتبرها الحريري معقلاً مقفلاً له، أتت زيارة الرئيس ميقاتي أمس إلى القلمون في الإطار ذاته، وإن طرأت عليها بعض المتغيرات شكلاً ومضموناً، نتيجة تطورات عدة حصلت منذ ذلك الحين، وجعلت الكثير من الحسابات السياسية والانتخابية موضعاً لإعادة النظر.
فزيارة ميقاتي إلى القلمون، وهي الثقل الانتخابي الثالث في دائرة تضمّها مع مدينتي طرابلس والميناء، وإن كانت ذات طابع إنساني وخدماتي ظاهر، إلا أن تفاصيل الشأنين السياسي والانتخابي كانت حاضرة فيها بقوة، لدرجة أن سباقاً في رفع الصور نشب بين مناصري ميقاتي ومناصري المستقبل، الذين زادوا كمية صور رئيس كتلة المستقبل النائب سعد الحريري على الجدران والأعمدة، بما أعاد إلى الأذهان جانباً من الصراع المكتوم الدائر بين الطرفين، الذي يبدو أنه مرشح للتصاعد مع اقتراب موعد الانتخابات النيابية.
إلا أن الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، إذ لفتت أوساط مطلعة في القلمون إلى أن «مناصرين سابقين للمستقبل في البلدة باتوا اليوم ضمن تيار ميقاتي لأسباب لها علاقة بالخدمات التي يقدمها، وبالتواصل الدائم بينهم وبينه، في موازاة تراجع حضور المستقبل في القلمون خدماتياً وتنظيمياً».
وفيما أشارت الأوساط إلى أن الحضور الرسمي اقتصر على مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار والنائب سمير الجسر الذي تربطه بميقاتي علاقة خاصة، و«شخصيات سياسية محسوبة على ميقاتي يحتمل أن تترشح إلى جانبه»، فإنها لفتت إلى أن «مساعي مناصري المستقبل لمقاطعة الاحتفال لم تلق تجاوباً واسعاً، والدلالة على ذلك أن الاستقبال الشعبي لميقاتي كان كبيراً وهادئاً وبسيطاً، الأمر الذي يشير إلى ارتياح قاعدة ميقاتي في القلمون لوجودها وثقلها».
ومع أن أصداء انتخابات نقابة المحامين لا تزال تصل إلى أسماع ميقاتي بالتواتر، وأن هناك في المستقبل من يحمّله مسؤولية خسارتهم فيها، مما يعكس تجذّر جو عدم التآلف والثقة الموجود بين قاعدتي الطرفين، فإن ميقاتي عكف بعدها، وفق مصادر سياسية طرابلسية، على إجراء «مراجعة سريعة لما حصل»، إذ رأى «أن «نكسة» نقابة المحامين يمكن تعويضها، وأنها كانت اختباراً أولياً يجب التعلم منه قبل موعد النزال الانتخابي».
إلا أن ما استفاده ميقاتي من درس انتخابات نقابة المحامين أنه «بات قادراً على التحرّر من «تحالف الضرورة» مع المستقبل، إذ أصبح يمكنه القول إنه جرب حظه معهم ولم يؤدّ ذلك للنتيجة المطلوبة، وهو الآن في طور البحث عن مصلحته بمعزل عن أي شيء آخر».
وفي هذا الإطار تأتي خطوة ميقاتي في افتتاحه مركزاً طبياً للجماعة الإسلامية في بلدة فنيدق ـ عكار قبل ظهر اليوم، في تطور رأى مراقبون أنه يصبّ في إطارين: الأول أن ميقاتي «أضحى يزاحم المستقبل بقوة في أوساط القاعدة الانتخابية السنّية في الشمال، وبالتالي فإن أي مكسب له سيكون على حساب المستقبل تحديداً، وخصوصاً الجماعة الإسلامية المعروف توزع ولاء قاعدتها الانتخابي بين ميقاتي والمستقبل، مما يعني أن على الأخير، الذي يضع في حساباته أن الجماعة حليف ممسوك وتابع بالكامل، أن يراجع هذه الحسابات».
أما الإطار الثاني لهدف تحرك ميقاتي باتجاه عكار، فيدل على أنه «ليس مكتفياً بما يمكنه أن يفعل في طرابلس، وأن طموحاته السياسية لن يستطيع تحقيقها في عاصمة الشمال وحدها، نظراً لضيقها بزعامات وتيارات لن يكون من السهل تجاوزها، فبدأ بتوجيه اهتماماته خارجها»، في دلالة ذات مغزى تقاطعت مع معلومات كشفتها مصادر سياسية لـ»الأخبار» من أن «محاولات جس نبض جرت بين الحريري وميقاتي أخيراً تمهد للتوصل إلى تفاهم مبدئي قد يكون مدخلاً لتحالف انتخابي في طرابلس، إلا أن ميقاتي رد بأن أي تفاهم مع المستقبل لا يمكنه أن يقوم إلا بالاتفاق على المقاعد النيابية الـ18 الموزعة على دوائر طرابلس والمنية ـ الضنية وعكار، وهو رد جعل مسعى إقامة تواصل انتخابي بين الطرفين يُدفن في مهده».