دولة معلّقة على وهم الانتخابات

مشاركة:

تحولت الانتخابات النيابية المقبلة الى حبل غسيل تعلق عليه كل المسائل اللبنانية المطروحة على بساط البحث، من عقود الزواج حتى الاستراتيجية الدفاعية،

وصارت الدولة كلها معلّقة على وهم الانتخابات التي توفر للحاكمين فرصة الهروب الى الأمام، بحجة العجز عن التوافق داخل حكومة الوحدة الوطنية، التي لا يبدو فيها من الوحدة غير الاسم.

قد يكون من البديهي تعليق البحث في قضية من وزن الاستراتيجية الدفاعية الى ما بعد الانتخابات النيابية التي يعتبرها الجميع مفصلية ومصيرية، قياساً الى الانقسام الحاد الواقع في البلد، ذلك ان طرفي الازمة يراهنان على الأكثرية النيابية التي ستنتج الحكومة المقبلة بما لها من سطوة في هذا المجال. لكن تعليق الدولة وإداراتها على نتائج الانتخابات فيه الكثير من الانكشاف على طبيعة النظام اللبناني الذي يمارس نقيصة الدمج بين السياسة والادارة، وهو ما تحاذر الدول الديموقراطية والتوتاليتارية ممارسته، باعتبار ان ادارة شؤون الناس وهمومهم اليومية لا يجب ان ترتبط بانتخابات او بتغير الحاكمين،على الرغم من ان الانتخابات في حد ذاتها تشكل فرصة للناخبين لاختيار أفضل من يدير شؤونهم. الا ان ذلك لا يعني تعطيل الدولة وإداراتها ومؤسساتها رهناً بنتائج الانتخابات.

والواضح ان اللائحة طويلة، تبدأ بالتعيينات الادارية وملء الفراغ الخطير في ادارات الدولة، مروراً بالقضاء وتشكيلاته المجمدة، عبوراً الى الموازنة والمشاريع الحيوية والإنمائية، وصولاً الى الخدمات الضرورية للمواطنين من هاتف ومياه وكهرباء وغير ذلك. وينعكس هذا الامر على الشؤون الخاصة للناس الذين باتوا آلياً يربطون مشاريعهم الذاتية بالانتخابات المقبلة، وهذا أسوأ ما يمكن ان يعانيه بلد وشعب.

ويخشى ان يكون هذا الواقع فرصة ثمينة للمتصارعين في الانتخابات، للحلول مؤقتاً محل الدولة، من خلال المال الانتخابي الذي يكثر الحديث عنه في هذه المرحلة، والذي تخطى في بعض نواحيه الرشوة النقدية للمواطنين، الى إقامة مشاريع حيوية على نفقة هذا الطرف او ذاك، كسباً لأصوات الناخبين، بما يقضي على البقية الباقية من الدولة ومؤسساتها. والأنكى ان بعض من يقوم بهذه الاعمال، هو من اكثر الداعين الى مشروع الدولة.

أمام هذا الواقع يبدو ان عهد الرئيس ميشال سليمان يتعرض لأخطر ما تعرض له عهد في بدايته. ولعل من سوء حظ هذا العهد ان ولايته بدأت في سنة الانتخابات النيابية. ويُخشى ألا تنتج الانتخابات المقبلة واقعاً يمكّن هذا العهد من تغيير هذه الصورة. وأغلب الظن ان ذلك حاصل سلفاً، باعتبار ان الاستحقاق المقبل لن يغير الكثير في قماشة الطبقة السياسية القائمة الآن، وهو ما تظهره الحقائق الانتخابية على الارض. قد تتغير الأسماء في بعض الأنحاء، لكن العقلية السائدة مستمرة، وهو ما يؤكد مرة أخرى ان العلة في النظام، وأن التغيير سيظل حلم ليلة صيف، ومادة دسمة للتداول في المجالس العامة والخاصة.

إن البلد يتعرض يوماً بعد يوم للمزيد من الاهتراء، في وقت تبدو الحكومة الحاكمة أعجز من وقف هذا التدهور عند حد معين، ولن تنفع الانتخابات النيابية في تغيير او تبديل هذا النمط المتداعي. وعليه فإن لبنان بحاجة الى ثورة مختلفة تماماً عن ثوراته العقيمة القائمة، ولكن: كيف ومتى ومن أين، والكل عاجز عن تلمس طريق التغيير، دولة ومواطنين وحاكمين؟

إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم… والسلام على المرسلين!