
مشاركة:
بعد صدور الوثيقة الرسمية التي قدمتها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن ‘تقويم الوضع’ للعام 2009، لهيئة الأمن القومي،
لم يعد بالإمكان اعتبار توصيف رئيس الاستخبارات العسكرية اللواء، عاموس يادلين، للمرحلة التي تمر بها المنطقة على أنها ‘مرحلة انتظار’، إلى حين تبلور نتائج الانتخابات في لبنان، (إضافة إلى كل من إيران وإسرائيل واستلام الإدارة الأميركية الجديدة)، مجرد كلام عابر أو فقرة فرضها السياق.
والسبب الأساسي لذلك هو أن الوثيقة الأمنية تضمنت توصية مباشرة وواضحة بدعم قوى ‘المعسكر المعتدل في لبنان’ في إشارة إلى قوى 14 آذار، من اجل تمكينها من الفوز في الانتخابات النيابية المقبلة في لبنان.
وعليه يبدو جليا أن أهمية الانتخابات النيابية اللبنانية تتجاوز بعدها المحلي وتحظى باهتمام إقليمي ودولي. ولكن التساؤل حول ما يمكن لكيان العدو أن يجنيه من نتائج هذه الانتخابات؟.
بعدما استنفدت الادارة الاميركية جميع الاوراق السياسية والعسكرية التي تملكها على الساحة اللبنانية من اجل تفكيك او تدمير القدرات القتالية لحزب الله، وبعد ما شهده لبنان في السابع من ايار الماضي وما تلاه من اتفاقات سياسية تضمنت تشكيل حكومة وحدة وطنية، تملك فيها قوى المعارضة اكثر من ثلث اعضاء مجلس الوزراء، انتقلت القوى الدولية والاقليمية والمحلية المعادية للمقاومة والمتربصة بسلاحها، إلى محاولة تكريس الوضع القائم والعمل على الحؤول دون مزيد من الانهيارات.
وتمثل الانتخابات النيابية محطة أساسية في هذا السياق، انطلاقا من الخوف من فوز قوى المعارضة المساندة للمقاومة عبر امتلاكها الأكثرية في مجلس النواب، التي تمكنها من تشكيل الحكومة المقبلة، وبالتالي إحكام سيطرتها على مؤسسات الحكم في لبنان، بالوسائل الديمقراطية. ولا يخفى ما ينطوي عليه هذا الامر من نتائج سياسية هامة جدا منها القضاء نهائيا على التحكم الاميركي بخيارات الحكم في لبنان، وتكريس إضفاء المشروعية على خيار المقاومة وتسليحها. ويمكن التقدير ايضا بأن جزءا من خلفيات الموقف الاسرائيلي يتمثل، في هذه المرحلة، بالمحافظة على الوضع القائم بانتظار تطورات اقليمية، تسمح بتثميرها في الساحة اللبنانية.
أما عن كيفية دعم إسرائيل الممكن لهذه القوى في لبنان، فيمكن وضع العديد من السيناريوهات، لكن ما تضمنته الوثيقة الامنية هو التوصية ‘بقبول (القيادة السياسية) بحلول وسط في مزارع شبعا وقرية الغجر’.
من الواضح ان هذا الطرح يهدف إلى محاولة تعزيز منطق القوى المتربصة بالمقاومة، قبل الانتخابات النيابية من خلال الوصول إلى تسويات تخص المناطق اللبنانية المحتلة، ظنا منهم أنهم يثبتون للرأي العام عدم الحاجة إلى سلاح المقاومة لتحرير ما تبقى من ارض محتلة، ومن اجل الإثبات أيضاً أنه يمكن للبنان بالاعتماد على الدبلوماسية وعلى الادارة الاميركية، ان يحصل على حقوقه، من دون الحاجة إلى استخدام السلاح، مع ما يترتب عليه من تضحيات مادية وبشرية. ومن الطبيعي انه في حال حصول ذلك سيتم توظيفه للترويج لخيار الدبلوماسية!! كخيار كبديل عن سلاح المقاومة في الدفاع عن لبنان في الوقت الذي يتم فيه البحث بالاستراتيجية الدفاعية.
لكن ما فاتهم ان سلاح المقاومة غير مرتبط بما تبقى من اراض لبنانية محتلة، وان الشعب اللبناني يدرك بأن دوره يتجاوز التحرير إلى الدفاع عن لبنان في مواجهة أي اعتداءات اسرائيلية في المستقبل.
القضية الاخرى التي استحوذت على اهتمام تقرير الاجهزة الامنية الإسرائيلية هي استمرار تعاظم قدرات حزب الله العسكرية. وفي هذا المجال يلاحظ ان الوثيقة تجنبت الدعوة إلى القيام بخطوات عسكرية مباشرة وواسعة باتجاه سوريا او لبنان، وانما اكتفت بعبارة رمادية ‘العمل بطريقة غير صاخبة ضد تهريب الوسائل القتالية وتعاظم قدرات حزب الله’. ويمكن فهم هذه التوصية على أنها دعوة لاستخدام الضغوط السياسية على سوريا، كونها المتهمة بإمرار ونقل الأسلحة إلى حزب الله، بالإضافة إلى إمكانية ممارسة ضغط من نوع اخر، عبر القيام بضربات امنية محدودة، تهدف فيما تهدف إلى تحقيق نتائج ما على هذا الصعيد.
أما عن الحلول الجذرية لمشكلة وجود حزب الله وتحوله إلى سد منيع أمام الأطماع الإسرائيلية وتحصينه من أي محاولة لفرض خيارات سياسية عليه. فلم تتحدث الوثيقة عن خيارات عسكرية مباشرة في مواجهة حزب الله كما حصل في تموز 2006، وانما القيام بعملية التفاف عبر سوريا، من خلال عقد اتفاق سلام معها بهدف إضعاف حزب الله، وتفكيك التحالف السوري مع ايران وقوى المقاومة في لبنان وفلسطين. ودعت الوثيقة القيادة في كيان العدو إلى ‘دفع إسرائيل ثمنا باهظا’ لتحقيق ذلك، في اشارة إلى الانسحاب من الجولان المحتل. كما تضمنت حثا على دعوة الادارة الاميركية الجديدة لدعم المسار التسووي مع سوريا.
اما في حال نشوب مواجهات لسبب او لآخر بين حزب الله وكيان العدو فقد حرصت الوثيقة على دعوة الكيان الإسرائيلي إلى تجنب أي حرب استنزاف ومحاولة اعتماد خيار ‘الاحتواء’ على أن لا يتم اللجوء إلى خوض مواجهات واسعة وحاسمة الا في نهاية المطاف. ولا يخفى أن هذه الدعوة تنطلق من فشل جيش العدو في تحقيق الاهداف المرجوة في حربه الشاملة على لبنان عام 2006، ومن التقدير بأن حزب الله اصبح اليوم اكثر جهوزية وقدرة على مواجهة أي حرب اسرائيلية مهما كان حجمها.