
مشاركة:
تعتبر وثيقة مجلس الأمن القومي الإسرائيلي المفترض ان تعرض على الحكومة الإسرائيلية قريبا، آخر تقويم للوضع من ناحية أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية،
الذي وصف اسرائيليا ‘بالتقويم القاتم’ والمتضمن ‘لاستنتاجات مقلقة’ على أكثر من صعيد.
لم تكشف الوثيقة التي تسرب مضمونها الى صحيفة ‘هآرتس’ الأحد الماضي (23/11/2008)، مفاجآت لمتابعي الشأن الإسرائيلي، اذ حافظ التقويم الوارد فيها على التقديرات المنشورة أخيرا، إن لجهة قوس التهديدات من الكيانات المشخصة اسرائيليا كأعداء للدولة للعبرية، بدءا بالفلسطينيين مرورا بلبنان وسوريا وصولا الى ايران، او لجهة أصدقاء ‘اسرائيل’، وعلى رأسهم الولايات المتحدة الأميركية بإدارتها الجديدة المتوقع ان تبدأ مسيرتها قريبا جدا.
وتظهر الوثيقة ثبات التهديد الإيراني الذي يتقدم لائحة التهديدات، وما زال يوصف كتهديد وجودي على ‘اسرائيل’. وفي المرتبة الثانية يحتل تهديد الصواريخ بعيدة المدى التي تملكها بعض الجهات في المنطقة، كتهديد استراتيجي لجهة الجبهة الداخلية الإسرائيلية، نتيجة لإمكان تسببه بفقدان الثقة ما بين المستوطنين ومؤسسات الحكم لديهم، على غرار ما حصل في حرب ‘اسرائيل’ على لبنان عام 2006، لكن مع حجم ونوعية مختلفتين.
اللافت في الوثيقة من دون ان يكون مفاجئا كاستنتاج، ما أُعلن عنه من قبل الإسرائيليين أنفسهم، وجرى تسريبه من خلال الوثيقة الى الاعلام، وتحديدا من قبل مؤسسة أمنية أساسية هي ‘مجلس الأمن القومي’، هو ‘تنازل’ الجيش الإسرائيلي عن التوصية بالرد العسكري المباشر والمدمر على حزب الله، على نقيض ما ورد من تهديدات في الفترة الأخيرة باتجاه المدنيين اللبنانيين وبنيتهم التحتية، اذ جاءت التوصية بوجوب العمل على سياسة الاحتواء مع حزب الله والامتناع عن الانجرار وراء حرب استنزاف.. ‘لكن اذا استمر التصعيد فيجب الضرب بشكل شديد’.
يعتبر ‘التنازل’ الإسرائيلي كما يرد في الوثيقة، والتوصية بسياسة الاحتواء، أي بالسياسة التي كانت متبعة قبل الحرب الأخيرة على لبنان 2006، بما يعني ‘امتصاص الضربات وعدم التسبب بالتصعيد’، إقرارا اسرائيليا واضحا وشبه مباشر بالعجز عن ايجاد حل عسكري او أمني لما تسميه الدراسات الإسرائيلية ‘بالمأزق اللبناني’، الأمر الذي يدفع للانطواء وامتصاص الضربات في حال حصولها، ومنع التصعيد الذي يجر الى مواجهة او الى حرب. ترى الوثيقة، كما المنطق، ان لا طاقة لـ’اسرائيل’ على إنهائها وتحقيق نتائج فيها.
اللافت ايضا فيما تصفه ‘اسرائيل’ بالتهديد الوجودي، اي القدرة النووية الايرانية، ان الوثيقة ترى ‘ان اسرائيل تقف اليوم وحدها حيال هذه التهديدات، على ضوء التغيير في الادارة الاميركية’، مشيرة الى ان ‘نافذة الزمن للعمل محدودة، قبل ان ينجح المعسكر المتطرف برئاسة ايران في تحقيق سلاح نووي وهيمنة إقليمية’، ما يعني ان التقويم الإسرائيلي هو عملية وصفية من دون إيجاد حلول فورية تكون متناسقة ومتوازنة مع الخطر الإيراني الذي يشتهر اسرائيليا بـ’الداهم’، برغم التوصية بالاستعداد العسكري، لأن ‘اسرائيل تبقى وحيدة في المواجهة’. بمعنى آخر، وكما هي الحال في ‘المأزق اللبناني’، لا تجد الوثيقة حلا للخطر الإيراني، ويبقى الحل في الاستعداد للأسوأ والبحث عن تكيف ما، برغم عدم التوصية بشكل مباشر بواقع التكيف الذي تعيشه ‘اسرائيل’ من ناحية عملية حيال ايران.
وتظهر التوصيات الواردة في الوثيقة ان وصفها بالوثيقة القاتمة من قبل بعض المعلقين الإسرائيليين، لم تكن خاطئة اطلاقا. فإضافة الى الواقع السوداوي المتوقع لجهة التهديدين اللبناني والإيراني، يرى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي ان على ‘اسرائيل’ ان ‘تمنع الانتخابات في السلطة الفلسطينية مهما كان الثمن، حتى لو أدى ذلك الى مواجهة مع الولايات المتحدة الأميركية’. ويعني ذلك التوصية بتجاوز خطوط حمراء اسرائيلية تتصل بالعقيدة الأمنية الإسرائيلية نفسها التي حافظت على وجود الدولة العبرية منذ قيامها، باعتبار ان ‘المحافظة على العلاقة مع الدولة العظمى مسألة لا يمكن الإضرار بها’، وجل ما يمكن للإسرائيليين القيام به بحسب المنطق الاسرائيلي المحافظ عليه، هو محاولة التفاهم مع الأميركيين (الدولة العظمى)، وعدم التصادم معهم.
الوثيقة الأمنية الإسرائيلية تشير بشكل غير مباشر الى ان نتائج الانتخابات الفلسطينية ستكون مضرة جدا لـ’اسرائيل’ وتصل درجة التهديد الذي لا يمكن السكوت عنه وتجب مواجهته ومنعه، وأن الثمن المدفوع في تشويش العلاقة مع الولايات المتحدة برغم خطورته، يبقى أقل من أصل نتائج هذه الانتخابات التي لا يخفى أنها ستكون لمصلحة حركة حماس والفصائل الفلسطينية الممانعة. أقله هذا ما تراه ‘اسرائيل’ وترغب في منعه، لأنه لا يصب في مصلحتها، ما يدفع مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الى التوصية بوجوب ان تعمل اسرائيل ‘على اسقاط حكم حماس في قطاع غزة’، لأن ذلك سيحمي الكيان الفلسطيني القائم في الضفة الغربية، ‘الصديق لإسرائيل’.