ثلاث جهات تتقاذف مسؤولية إعادة تأهيل مرفأهم.. صيادو صور: يقاومون اعتداءات العدو وإهمال الدولة

مشاركة:

عندما تصل الى ميناء صور تشعر برهبة المكان ومشاهد التاريخ تحيط بك من كل الجهات،

هو الميناء الشمالي لسيدة البحار وأحد المرفأين التاريخيين العظيمين الباقي وحده بعدما غاب الآخر الجنوبي الكبير تحت مياه بحر الجمل بفعل الزلازل التي ضربت المدينة عبر التاريخ.. عالم من القوة والعنفوان والمجد الغابر يتجسد هنا قبالة هذا البحر الأزرق.

في ميناء صور الشهير، يستقبلك مبنى الصيادين ومقهاهم على طرفه الجنوبي وبعض المراكب الخشبية المتناثرة هنا وهناك لغرض الصيانة، وعلى أرصفته عشرات البحارة يعدّون العدّة لليل بحري طويل، يجهزون الشراك ويتفقدون الشباك ويتفحصون محركات المراكب ويملأونها بالزيت والمازوت، وفي الماء عشرات المراكب بأسماءٍ مختلفة تتهادى فوق مياه هادئة يجذبها من ناصيتها الى الرصيف المقابل حبل مشدود، ويباعد بينها وبين بعضها الآخر ‘طفافات’ من الفلين او غالونات بلاستيكية فارغة.

في هذا الميناء تبرز معاناة فقراء يبحثون عن لقمة العيش في بحر متلاطم الامواج يجعل ‘الداخل اليه مفقودا والخارج منه مولودا’، واهمال رسمي في احتضان الصيادين اجتماعيا.

‘الانتقاد’ زارت مرفأ الصيادين في صور وعادت بهذا التحقيق:

 في مرفأ صور يرسو نحو 180 زورقا  يعمل على متن كل زورق ثلاثة صيادين ‘يسرحون’ بعد الاولى ليلا في البحر حتى في اوقات العواصف والشتاء. ويبلغ مجمل عدد الصيادين نحو 650 صيادا فيما تبلغ مساحة المرفأ نحو 15000م2.

يشكو صيادو الاسماك اليوم في صور من قلة ‘الغلة’، ويعزو بعضهم السبب الى انتشار سمك ‘النفيخة’ وهو نوع من الاسماك الكبيرة الحجم تأتي من البحر الاحمر وتقضي على الاسماك الصغيرة. يقول الصياد محمد سلمان: ‘منذ عامين بدأ سمك النفيخة بالظهور بكثرة. كان صغير الحجم ولا يشكل خطرا على الاسماك الاخرى. اما اليوم فقد بات كبيرا وكثيرا ما يهدد الثروة السمكية ويهدد لقمة عيش الصيادين’. من جهته يتحدث البحري أحمد جابر عن معاناة الصيادين المستمرة هنا ‘ويشكو من اهمال الدولة وغلاء المعيشة وعدم البت بمشروع تطبيق الضمان الصحي والاجتماعي الذي يضمن للصيادين بعض حقوقهم’، مطالبا بـ’المزيد من الالتفات من قبل الدولة والنظر بأمور الصيادين لجهة دعم معدات الصيد ووسائله’.

اما الصياد هيثم اسطنبولي فقد طالب ‘براتب شهري رمزي من قبل الدولة للصيادين يعينهم في حال تعطلوا عن العمل اثناء العواصف في فصل الشتاء’. مشيراً الى أن البعض يقوم بالصيد غير المشروع عبر استخدام الديناميت، مؤكداً على ضرورة مكافحته.

معاناة مع العدو

اما العم ابو سليم فيتحدث عن معاناة الصيادين مع العدو الاسرائيلي: ‘دائما نحن مهددون من قبل العدو الاسرائيلي. زوارقهم تتربص بنا على مساحة ميل في البحر، اذا تكلم احد الصيادين بما لا يعجبهم يأخذونه ويحققون معه ويضربونه’، معتبرا ان ذنب الصياد المفقود محمد فران انه تكلم على شاشة المنار بما يغضب الاسرائيليين’.

ويبدو ان معاناة الصيادين تسبق بمراحل حرب تموز 2006. يقول ابو سليم: ‘الحكومة لا تنظر الينا. قبل العملية وبعدها الامر على حاله. ‘البحري’ لم يتلق اي مساعدة وكأنه ليس ابن الجنوب. نحن ملتزمون امام الدولة ندفع الضرائب والرسوم، لكن المسؤولين لا يهتمون بنا’.

يتحدث نقيب الصيادين في صور خليل طه عن الاضرار التي تعرض لها المرفأ أثناء عدوان تموز 2006. فيقول: ‘شباكنا بقيت موجودة في المياه وعلى الارصفة فأصيبت بالتلف ولم نتمكن من سحبها الا بعد انتهاء العدوان ورفع الحصار البحري’، مشيرا الى المعارك الدائمة والحية بين الصياد الصوري والاسرائيلي منذ ما قبل حرب تموز، فيقول: ‘كنا نعاني شتى انواع التعذيب من قبل العدو، حيث كان يتم إنزالنا الى البحر ليلا حتى في اوقات العواصف، وكنا نتعرض لسرقة الشباك وتلف الاسماك واصطدام المراكب الاسرائيلية بزوارقنا حتى ان معظم صيادينا اليوم يعانون من أمراض عصبية جراء انواع التعذيب والتخويف الذي تعرضوا لها من قبل هذا العدو’.

أما فيما يتعلق بالتعويضات التي حصل عليها الصيادون بعد حرب تموز. يصر طه على تسميتها بالمساعدات وهي كانت من حزب الله، حيث حصل الصياد المتزوج على مبلغ 300$ فيما حصل العازب على 200$. وكانت الهيئة العليا للاغاثة قد وعدت الصيادين بالتعويض عن عشرة اشهر بمبلغ 200$ للصياد الواحد لكنها اكتفت بشهرين فقط وفي زيارة لوفد من النقابة الى رئيس الهيئة العليا للاغاثة اللواء يحيى رعد للبحث في موضوع التعويضات، فوجئ الوفد بالاستقبال الجاف، وبعد سؤاله عن مصير المساعدات أجاب رعد ‘إلكن عندي وروحوا تشكّوا عليّي’!. واكد طه ان صيادين في غير مناطق من لبنان حصلوا على تعويضات وفيرة ومساعدات جمة بعد أحداث نهر البارد.

وطالب طه الدولة والمعنيين بضرورة الالتفات الى اوضاع الصيادين في صور ومعاملتهم اسوة بصيادي لبنان ككل، مناشدا عبر ‘الانتقاد’ المعنيين بضرورة العمل على تنفيذ الوعود التالية:

ـ إنارة المرفأ وتنظيفه وانشاء مرابط جديدة للزوارق وتطوير السنسول الشمالي للمرفأ وتدعيمه، اضافة الى تبليط المرفأ وانشاء مقاعد وأرصفة فيه اسوة بالموانئ اللبنانية كافة.

ـ العمل على تطبيق واقرار قانون الضمان الصحي والاجتماعي لجميع الصيادين ما يخفف عنهم اعباء معيشية كبيرة.

ـ تنظيف ميناء الصيادين عبر الاسراع بانشاء معمل التكرير المتعلق بمعالجة مياه الصرف الصحي التي تصب في المرفأ والتي وعدت بلدية صور ومجلس الانماء والاعمار والبنك الدولي بتنفيذه.

ـ تفعيل دور المخفر البحري لمنع عملية الصيد بالديناميت التي تؤثر على الثروة السمكية وحياة الصيادين وعلى ارزاق الناس والمياه اللبنانية.

تجاذبات تأهيل المرفأ

بين بلدية صور والمديرية العامة للآثار وادارة مصلحة استثمار مرفأ صور، فان مسؤولية التأخير في مشروع تأهيل المرفأ تضيع، رئيس بلدية صور عبد المحسن الحسيني اكد لـ’الانتقاد’ ‘ان البلدية برغم عدم مسؤوليتها عن المرفأ المنوطة ادارته بوزارة النقل والاشغال العامة. ستقوم بأعمال تأهيل سنسول مرفأ الصيادين. الذي تداعت دعائمه تدريجيا. نتيجة الامواج التي احدثت فراغا في اساساته. ما ينذر بتسرب المياه. ودخولها الى الميناء واحداثها تيارات فيه تضرب الزوارق’.

الجهة المسؤولة. وهي ادارة مصلحة استثمار مرفأ صور. ألقت مسؤولية التأخر في الشروع بتأهيل المرفأ. ‘على المديرية العامة للاثار التي تعرقل العمل وترفض الدراسة الموضوعة’. واكد عضو مجلس ادارة المصلحة نزيه خالد.انه تم ‘اعداد الدراسات اللازمة لحماية المرفأ من خلال تطويل كاسر الموج الممتد حاليا بطول 125 مترا. وفي عام  2000 اودعت الدراسات المديرية العامة للنقل البري والبحري، ثم اجريت مناقصة عمومية لتلزيم المشروع الى احد المتعهدين. قبل ان تعترض المديرية العامة للاثار على تنفيذه. الى حين انهاء الجدوى الاقتصادية للمرفأ السياحي التي يدرسها مجلس الانماء والاعمار’.

واعتبر خالد ‘انه لا يجوز توقيف المشروع حتى الانتهاء من دراسة الجدوى الاقتصادية. بينما تتكبد ادارة المرفأ والمواطنون خسائر باهظة’. وقارن خالد ‘بين حجم مشروع المرفأ الصغير مع المشاريع الضخمة التي تجري في المدينة على قدم وساق’.

أما لناحية المديرية العامة للاثار. فان المشكلة هي في الجدل القائم بين الجهات المعنية. وهي بلدية صور. والمديرية العامة للاثار. ووزارة النقل ومنظمة الاونيسكو، لان المدينة مدرجة في لائحة التراث العالمي، ولم يحسم بعد الطابع الذي سيكون عليه المرفأ في المستقبل تجاريا ام سياحيا، وبالتالي حجم السنسول والارصفة والمباني.