
مشاركة:
لا يمكن القول ان السعودية، او ملكها عبد الله بن عبد العزيز، هدفا من خلال حوار الاديان ان يكون لبنان محط الانظار والاهتمام،
لان الهدف كان جعل اعطاء صورة جديدة للسعودية الى العالم مفادها انها ليست داعمة للارهاب، وان المتطرفين من الطائفة السنّية ولو كان معظمهم من اصول سعودية، لا يمثلون هذا البلد. وقد نجح الملك عبد الله الى حد ما في رسم نعالم هذه الصورة من خلال زيارته الى الفاتيكان، ولقاءاته المتكررة والمتعددة بزعماء من الغرب، وبحمله لواء محاربة الارهاب في المملكة، وصولاً الى اقتراحه عقد حوار للاديان.
ولكن التمني الخاص على لبنان ان يحضر على مستوى الرئاسة الاولى لم يكن عن عبث، فهذا التمني يأتي في سياق الهدف العام، وهو اظهار ان السعودية منفتحة على كل الاديان والطوائف، وانها لا تهتم فقط بالطائفة السنّية ولو انها توليها عناية خاصة، بدليل تواصلها مع الرمز المسيحي للبنان وهو رئيس الجمهورية. وقد اختارت السعودية لبنان لايصال رسالتها كونه البلد الذي تتوافر فيه كل الشروط الدينية والاجتماعية التي يمكن ان تساهم بفاعلية في ازاحة صورة معينة حملها الغرب عن المملكة. فلبنان متعدد الطوائف والمذاهب، وهو جغرافياً اقرب الدول الى اسرائيل اليهودية. من هنا، برز لبنان في المحفل الدولي مجدداً من باب تنوعه الديني والحضاري، وعاد الى الواجهة بطلبه ان يتحول الى مركز دولي لادارة حوار الثقافات. ولكن البعض في لبنان تخوف من الاهداف المبيتة لهذا الحوار، ولمشاركة لبنان فيه وابرازه على هذا الصعيد. وفي هذا السياق، افادت مصادر سياسية متابعة ان القلق من هذا الموضوع، لا يتعلق بتمثيل لبنان بالرئيس ميشال سليمان، فهو غير معني بالتحذيرات والمخاوف اللبنانية من هذا المؤتمر، انما بالابعاد الاخرى التي قالت انها ‘غير بريئة’. وتابعت المصادر ان ما يثير القلق بالفعل هو ان السعودية تعرضت لضغوط للقبول بعقد هذا المؤتمر مقابل محاولات الغرب ازالة الصورة السيئة المكوّنة عنها لدى المجتمعات الغربية، وهي لذلك عمدت الى عقد المؤتمر الاول في مدريد وليس في الرياض او على ارض سعودية، لان ذلك كان سيجرّ الويلات على النظام الحاكم، اذ لن يتقبل احد مظهر الحاخامات في المملكة. ورأت المصادر نفسها ان توسيع التمثيل ونقله من الديني الى السياسي، لا ينمّ عن براءة في التعاطي، خصوصاً وان المؤتمر الاول انتهى بخلاف بين رجال الدين هدد بنسف المؤتمر من اساسه، وبدل الاهتمام بمعالجة هذا الشرخ عبر لقاءات ومؤتمرات روحية ودينية اخرى، تم الانتقال فوراً الى المستوى السياسي. ومرة جديدة نأت السعودية بنفسها عن المسؤولية في عقد هذا المؤتمر، فلجأت الى الامم المتحدة التي تكفلت بتوجيه الدعوات الى المسؤولين وبالاخص الاسرائيليين الذين حضروا على مستوى الرئيس شيمون بيريز ووزيرة الخارجية المستقيلة تسيبي ليفني.
ومما لا شك فيه ان اللقاءات التي عقدت على هامش المؤتمر لم تحمل الطابع الديني والثقافي، بل تطرقت الى صلب الاوضاع السياسية في المنطقة وسبل حلها في ضوء المعطيات والتطورات المتسارعة التي تحصل، وقد لعب الامين العام للامم المتحدة بان كي مون دوراً كبيراً في هذا السياق، فكان بمثابة ‘ناقل الرئاسل’ بين هذا الطرف وذاك وجهد لتذليل العقبات امام الحلول التي ترسم للمواضيع الشائكة على اكثر من صعيد، ومنها موضوع امكان انسحاب اسرائيل من قرية الغجر لتنفيس الاحتقان.
ولا بد ان تتكفل الايام القليلة المقبلة باظهار المواضيع الخفية التي دار حولها النقاش على هامش المؤتمر الذي اعطى مظلة دينية للحوار السياسي.