
مشاركة:
انقضت جولة إعدادية إحصائية جديدة تحضيرية للانتخابات النيابية، وكان عنوانها انتخاب أربعة أعضاء لمجلس نقابة المحامين.
ربحت المعارضة هذه الجولة، فتصدّر مرشّح التيار الوطني الحرّ لائحة الفائزين ودخل مرشّح حركة أمل المجلس ميثاقياً بعد انسحاب أحد الأعضاء الحاليين.
جاءت نتيجة انتخابات نقابة المحامين لتقدّم إحصاءً جديداً على أبواب الانتخابات النيابية القادمة في أيار ــ حزيران 2009. وخلافاً لما قاله رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع، أوّل من أمس، من أنّ الانتخابات الجامعية والنقابية تدلّ على تبدّل الرأي العام وأنها مؤشر إلى ما ستكونه الأوضاع بعد 6 أشهر في البلد ككل، جاء الردّ مناقضاً عند الساعة الثانية بعد ظهر أمس، ومن قصر العدل في بيروت، بعد انتهاء فرز أصوات المحامين في 30 صندوق اقتراع.
تصدّر مرشّح التيار الوطني الحرّ جورج نخلة لائحة الفائزين في عملية انتخاب أربعة أعضاء من مجلس النقابة، فتقدّم كلاً من المرشحين الآخرين: أندريه شدياق (كتلة وطنية سابقاً، مستقل مدعوم من الأكثرية والمعارضة)، فريد الخوري (مستقل، مدعوم من 14 آذار) وجورج اسطفان (الكتائب).
أما حليف نخلة، المرشّح حسين زبيب، فانتخب عضواً رديفاً. إلا أنّ التحالفات السياسية وميثاق نقابة المحامين العائد إلى عام 1991 (الذي يفرض تمثّل كل الطوائف في مجلس النقابة)، أدّيا الدور الأهم في إدخال زبيب عضواًَ أصيلاً إلى المجلس بعد انسحاب العضو الحالي، جورج بارود، الموالي للتيار الوطني الحرّ. وسيكمل زبيب ما بقي من ولاية بارود.
جاءت خطوة بارود لتكرّس التحالف السياسي القائم بين قوى المعارضة، ووجهة هذا الفريق، فيما بيّنت نتيجة الانتخابات تراجعاً لدى الفريق الأكثري، بحيث إنّ معظم أعضاء المجلس السابق صوّتوا لمصلحة هذا الفريق.
وكما كان متوقعاً، انتظرت القوى السياسية الدقائق الأخيرة لتولي انتخابات النقابة الاهتمام اللازم، فـ«هطلت» بعض الشخصيات السياسية على قصر العدل في بيروت، داعمةً عدداً من المرشحين، حيث تصدّرت عبارة «التنافس الديموقراطي» شفاه السياسيين رغم كون المعركة ذات أهمية كبيرة للجميع. ومن الوجوه السياسية التي حضرت أمس: الرئيس الأسبق أمين الجميّل، الوزير غازي زعيتر، والنواب: بهيج طبّارة، بطرس حرب، إبراهيم كنعان، علي حسن خليل ونوّار الساحلي.
يمكن التركيز على أمرين بارزين، الأول صدارة مرشّح التيار الوطني الحرّ للائحة الأعضاء المنتخبين، والآخر وصول مرشّح حركة أمل إلى المجلس (ولو بمبادرة من التيار الوطني الحرّ عبر انسحاب بارود).
كما أنّ نسبة المشاركة في الانتخابات، والتي بلغت ما يقارب الـ 45 في المئة (أي 4049 شاركوا من أصل 10080 محامياً)، تدلّ على حجم التعبئة والتجييش الذي رافق الانتخابات، وخاصةً أنها لا تشمل انتخاب نقيب للمحامين.
تعتبر نقابة المحامين، تاريخياً، عريناً لقوى اليمين المسيحي، وساحةً لتحديد خيارات الفئات النخبوية المسيحية، بحيث إنّ الصراع بين القوى المسيحية كان يجري في هذه النقابة. وفوز جورج نخلة، المتحالف مع قوى 8 آذار ذات القوّة المحدودة في نقابة محامي بيروت، بـ1945 صوتاً لا يعني إلا أنّ «المزاج المسيحي» لا يزال داعماً لخيارات التيار الوطني الحرّ ومسانداً له.
وجاء بعد نخلة أندريه شدياق بـ1833 صوتاً، فريد الخوري بـ1753 صوتاً وجورج اسطفان بـ1695 صوتاً.
الأصوات الداعمة لنخلة جاءت من كل صناديق الاقتراع، والتي كان يحتسب عدد منها لمصلحة القوات اللبنانية والكتائب والكتلة الوطنية، وهي الصناديق المخصّصة للأعضاء الأقدم في النقابة. نجح نخلة في الحصول على نسب لا بأس بها من صناديق القدامى، بعدما ضمن سيطرته على الصناديق الشابة.
وكان واضحاً أنّ المعركة الأساسية للفريق الأكثري كانت تتوجه نحو مرشّح حركة أمل، حسين زبيب، لاعتبارات عديدة منها سياسية (انتماء زبيب العلني والصريح إلى حركة أمل) وأخرى طائفية (لما للنقابة من بعد مسيحي).
وأمر آخر لافت هو اختيار القسم الأكبر من صناديق القدامى، مرشحين من الطائفة الشيعية، انسحبوا قبل بدء المعركة الانتخابية، في دلالة على التزام صوري من كبار المحامين المسيحيين بأن تضمّ لائحة الاقتراع مرشحاً مسلماً.
وظاهرة أخرى طغت على الأجواء الانتخابية، تمثّلت بتضمّن أوراق الاقتراع أربعة أسماء مسيحية، في استقصاء للمرشحين الشيعة، مما يؤكد التركيز على إسقاط زبيب. ورغم هذه الأجواء، استطاع زبيب نيل 1486 صوتاً، وهي سابقة لم يسجّلها مرشح مسلم في تاريخ انتخابات النقابة. واللافت أيضاً، أنه قبل إعلان بارود استقالته من المجلس إفساحاً لزبيب في دخول المجلس، أكّد بعض المحامين الشيعة ضرورة تأسيس نقابة محامي الجنوب (كما في الشمال) بسبب عدم تمثّل جميع الطوائف في صورة عادلة. ويذكر أنّ النسبة الطائفية اليوم في نقابة محامي بيروت تقدّر بـ60% من المسيحيين و40% من المسلمين.
سجّل انسحاب مرشح 14 آذار، ناجي ياغي، تحدياً صريحاً لحسين زبيب، وخاصةً أنّ المرشحة المستقلة المدعومة من الأكثرية، أسمى حمادة، تتمتّع بدعم أكثر من ياغي. وجاءت خطوة انسحاب ياغي لتصوّب المعركة الانتخابية تجاه المرشّح الشيعي المعارض. لكن انكفاء ياغي أحدث بلبلة في صفوف المحامين الأكثريين، فمنهم من عبّر عن استيائه من انسحاب ياغي، ومنهم من رفض التصويت لأيّ من المرشحين الشيعة.
وكانت العملية الانتخابية قد انطلقت بمجموعة واسعة من الانسحابات التي شملت كلاً من سعيد محمد علامة، ناجي محمد ياغي، سالم منيف عولي، محمد علي قبيسي، واسكندر الياس حداد.
فانحصرت المعركة بين المرشحين:
جاد يوسف خليل، حسين علي زبيب، طارق محمد الخطيب، زياد نديم حمادة، أسمى داغر (حمادة)، أندريه جوزف شدياق، ليلى كميل بوزيد، فريد حليم الخوري، جرجس إبراهيم اسطفان، باسكال أنطوان قزي وجورج فيليب نخلة.
وكان الغائب الأكبر عن المعركة هذا العام نشاط تيار المستقبل الذي اقتصرت مساندته لحلفائه على الدعم المعنوي، ويعزو البعض الأمر إلى «غياب المقعد السني في هذه الدورة».
وكانت الجمعية العمومية للنقابة قد انعقدت برئاسة النقيب رمزي جريج وحضور أعضاء مجلس النقابة وصندوق التقاعد والنقباء السابقين. واستهلت عند التاسعة صباحاً بالنشيد الوطني، ليتلو بعدها النقيب جريج بيانه الذي تضمن 24 بنداً تحدث فيها عن منجزات النقابة خلال ولايته.
ثم تلا كل من المحامي نهاد جبر والمحامي سمير شبلي تقريراً مالياً.
وبعد مصادقة الجمعية العمومية، برفع الأيدي على موازنات النقابة وصندوق التقاعد وصندوق النقابة ومشاريع الموازنة للسنة 2008-2009، وعلى حسابات النقابة وصندوق التقاعد وعلى نقل مبلغ 750 مليون ليرة من صندوق النقابة إلى صندوق التقاعد، احتجّ المحامي مطانيوس عيد على المصادقة برفع الأيدي.
كما أجرى المحامي بيار حداد مداخلة دعا فيها النقيب، عبر الجمعية العمومية المنعقدة، إلى إصدار توصية إلى «النخبة الباقية من القضاة الصامدين في وجه التدخلات للانتفاضة على سياسة المحاصصة ووضع حد للتدخلات السياسية وإبقائها خارج عتبة قصر
العدل».
وردّ جريج أن النقابة ستواصل جهودها ومسيرتها «من أجل استقلال القضاء». وحدد عملية الاقتراع بين العاشرة والربع والثانية عشرة والربع لاختيار أربعة أعضاء جدد في مجلس النقابة خلفاً للذين انتهت ولايتهم وهم: بيار حنا، بطرس ضومط، ماجد فياض ونهاد جبر.
انشغل محامو 14 آذار، أمس، باجتماع طارئ عقدوه بعد صدور نتائج الانتخابات في المركز الرئيسي لحزب الكتائب (الصيفي)، بهدف «توضيح الملابسات التي رافقت إعلان نتائج الانتخابات»، كما قال البيان الصادر عن الاجتماع.
وقد هنأ المحامي جورج جريج، قوى 14 آذار ونقابة المحامين بالانتخابات، معتبراً أن «ما حصل عرس للديموقراطية وهو يشكل نموذجاً لما سيحصل في الانتخابات النيابية المقبلة، وأن نقابة المحامين دأبت على إعطاء أمثولة بانتخاباتها التي تجرى منذ عام 1919». ورأى أن الأكثرية حققت فوزاً كاسحاً في الانتخابات، «وقد حصد مرشحوها ثلاثة مقاعد». علماً بأنّ الفائزَين: أندريه شدياق وفريد الخوري أكّدا استقلاليّتهما بعد النتائج. وفي ظل غياب أي بيان رسمي باسم تجمّع المحامين في قوى المعارضة، أكد مسؤول النقابات في حركة أمل، سعيد ناصر الدين، ضرورة «قراءة النتائج في الشارع المسيحي تحديداً، لأن المحامي المرشح عن التيار الوطني الحر تقدّم بـ250 صوتاً عن مرشح «14 آذار»، مشيراً إلى أن هذه الانتخابات «تعطي دلالات للانتخابات النيابية».
كلمات النقيب والفائزون
وكان نقيب المحامين، رمزي جريج، قد قال في كلمة بعد انتهاء عملية الفرز «إنّ النقابة مارست الديموقراطية، وأعطينا المثل في المحافظة على الوحدة الوطنية وعلى الديموقراطية». وأكد أن نقابة المحامين هي «قلعة الديموقراطية في البلاد» و«تحافظ على الوحدة الوطنية وعلى وحدتها»، مكرراً تهنئته للفائزين، وتمنى على الذين لم يحالفهم الحظ «أن يكونوا على ثقة بأن النقابة في حاجة إليهم، وسأتعاون معهم في خدمة النقابة».
وهنّأ المحامي المستقيل، جورج بارود، على خطوته «التي أمّنت تمثيل جميع العائلات الروحية في مجلس النقابة». ثم تعاقب على الكلام الفائزون الأربعة، شاكرين من انتخبهم ومن لم ينتخبهم، وداعين إلى وحدة النقابة وسيادة الديموقراطية فيها. وقال جورج نخلة: «إن النقابة تضم كل الآراء، وأنا أفتخر بانتمائي إلى التيار الوطني الحر، ولكن نحن نقابيون، نحن محامون وستتمثل كل الطوائف في النقابة». واعتبر جورج اسطفان أن نقابة المحامين هي «المنارة التي يجب أن تضيء لهم درب الحرية والسيادة والاستقلال»، مضيفاً تأكيده على رعاية شؤون المحامين وتطوير عمل النقابة. ثم ألقى حسين زبيب كلمة، فذكّر بشعاره الانتخابي، «الوحدة الوطنية والتمثيل الوطني»، كما شكر «حكماء النقابة»، التي تمثّل «وعاء النخبة وضمانة الحاضر والمستقبل». أما أندريه شدياق فاكتفى بالقول: «أنا كعضو مجلس نقابة، للجميع»، وقدم الفوز لروح والده المحامي جوزف شدياق.
وأخيراً تحدث فريد الخوري قائلاً «نحن تعوّدنا منذ أن دخلنا إلى هذا الصرح، أن نحترم الديموقراطية وأن يحترم بعضنا بعضاً، وأن نبني في كل مناسبة انتخابية مدماكاً جديداً في مداميك النقابة، هذا الصرح العظيم الذي ورثناه عن الأجداد، ونعاهد الجميع أن نتعاون يداً بيد ضمن توجّهات النقيب وبالتعاون مع أعضاء مجلس النقابة، لإيصال الأفكار والطروحات والهواجس التي وعدنا بها قبيل الانتخابات. شكراً لكم ووعد بأن ما تكلمنا به في لقاءاتنا الانتخابية لم ينته، واليوم بدأ العمل لتحقيقه».